شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلام صوالين (1)
بقلم: محمد المنقري
تزايدت لدينا في الآونة الأخيرة الرغبة في اللقاءات والتجمعات لأمور ذات جدوى أو غير ذلك فهناك مثلاً لقاء رؤساء الأندية الأدبية وآخر لمديري جمعيات الثقافة، وصولاً إلى اللقاء الذي تم في جدة قبل أيام لأصحاب المنتديات الأدبية وهو من أكثر اللقاءات غرابة ولا أحد يعرف كيف يفكر هؤلاء النفر من علية القوم بعد أن تعطلت فعالية القطاعات الرسمية وتهدجت أطرافها واستبد بها الزهايمر وطواها النسيان ومع ذلك تتجه الأنظار إلى الصوالين الصغيرة داخل البيوت وكأنها المنقذ الوحيد من وعثائنا الثقافية وضعفنا في المناشط والبرامج.
والصوالين الأدبية من أقدم الأعمال التي احتضنت الأدباء والمثقفين منذ القرن الثاني وصولاً إلى صالون مي زيادة والعقاد وهي شكل من أشكال صناعة الشلة، وبديل عن مؤسسات المجتمع المدني التي تحتكم إلى العقل المنظم وشراكة الأطراف وفق أحقيتهم دون أن يشعر أحدهم في لحظة أن صاحب المنزل يلمِّح إليه بالخروج أو أنه شخص غير مرغوب فيه على أقل تقدير، وهو الأمر الذي لا يمكن حصوله في المرافق الثقافية المؤسساتية التي ما زلنا عاجزين عن النهوض بها؛ حتى الأندية وجمعيات الثقافة تحولت مع الزمن إلى ملاحق مصغرة ملحقة بمنازل رؤسائها، وقد تقادم العهد على برامجها وشعورها بنبض العصر.
والغريب في لقاء ممثلي المنتديات الأدبية السعودية إصدارهم بياناً ختامياً وهاهم يتحولون تدريجاً إلى ظاهرة كتابية بعد أن كانوا ظاهرة صوتية لا تصنع فعلاً مشهوداً.
البيان ألقى اللوم على الصحافة الثقافية التي أهملت هذه المنتديات ـ على حد تعبير البيان الذي نشرته صحيفة زميلة ـ واعتبروا ذلك تقصيراً من الصحافة وجهلاً بأهمية ما يحدث فيها!؟ وهو كلام مغلوط يتمادى في تضخيم الذات والرغبة في الظهور وتكريس الأنا على حساب المعرفة والثقافة. فالصحافة السعودية دعمت هذه المنتديات، ومنحتها أكثر من حقها، ونشرت عنها كثيراً من المواد، وحاورت ضيوفها، وعززت التلاحم بين قطاعات المجتمع والوسائل الإعلامية لأن القائمين على هذه المنتديات أو بعضها هم من رجال المجتمع الذين تقدِّرهم الصحافة.
ولأن هذه المنتديات قائمة على مبدأ العلاقات العامة، وتسويق الذات، والحضور الإعلامي من قبل ومن بعد فلن يرضى أصحابها على وسائل الإعلام مهما بذلت من جهد أو تابعت أحاديثهم الجانبية وتجمعاتهم على الموائد الأسبوعية الغنية إلا من المعنى الثقافي الذي يتصل بالحياة ومتطلباتها، وصياغة روح مستقبلها.
إنها بكل أسف صالونات عفى عليها الزمان ولا تصلح إلا لعصر ولّى وانتهى ولا تهم إلا شريحة محددة من الناس الذين تربطهم علائق بأصحابها ومؤسّسيها، ولكن ليس من حقنا الحجر عليهم أو مطالبتهم بتوقفها وأيضاً ليس من حقهم أن يطالبوا الصحافة بصناعة حجم أكبر لصالونات تكرر نفسها، وتسيطر عليها نزعات فردية، وتبسط عليه المجاملات جثمانها الواضح.
صحيح أن القطاعات الثقافية تتراجع ولكن ليس الحل في نفخ بالونات الملتقيات المنزلية وتعزيز ظواهرها الكلامية في مرحلة بدأت أطراف شتى تفكر في نماذج المجتمع المدني وآلياته وصوغ مؤسساته التي تقتضي الشراكة في العمل، وتقديم الأفضل مع تناقل الخبرات، وغياب النزعات والمصالح الفردية، وتسويق الذات على حساب مصالح الجماعة ونموِّها.
ومن الغريب أن تتسابق الفئات الثقافية إلى بناء أنساق المجتمع المدني في حين تذهب هذه الصوالين إلى الدوران حول نفسها. ففي مكة مثلاً أعلن قبل أيام عن تأسيس رابطة الأدباء السعوديين، ومن قبل وافق مجلس الشورى على الاقتراح بإنشاء هيئة الأدباء السعوديين كما أنشئت من قبل جمعية علوم الاتصال وهيئة الصحافيين السعوديين. وهي نماذج تعزز وتهيئ المجتمع الثقافي للتعامل مع متطلبات الغد واشتراطاته ومن الأفضل دعمها وبذل الأسباب التي تجعل منها مؤسسات حقيقية تتجاوز المآزق التي وقعت فيها الاتحادات العربية المماثلة حين ارتهنت للتوجهات السياسية والحزبية وسيّرت قوافل المثقفين صوب فضاءات أقل رحابة وأكثر تحجيماً لأجنحتهم.
من حق أصحاب هذه المنتديات الغضب حين لا تحقق الصحافة المحلية رغباتهم في الضوء والحضور، ولكن ليس من حقهم الحكم على محرريها والقائمين عليها بالجهل وعدم الوعي فقط لأنهم لم يكونوا عند حسن ظن المرافق الخاصة وصوالين الكلام الذي يكون في كثير من الأوقات بغير جمارك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :339  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 164 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.