شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ست الحبايب (1)
بقلم: سمير عطا اللَّه
من أرقى وأرقّ البرامج الرمضانية، كان برنامج ((ست الحبايب)) الذي قدَّمه الزميل زاهي وهبي على ((المستقبل)). ويقول لي كثيرون إن التلفزيونات اللبنانية صدَّرت إلى العالم العربي صور التخفف من الرصانة والحشمة، ونشرت في الجيل الجديد عادات مخالفة لمجتمعاته وللحدود الدنيا من التقاليد. وفي ذلك الكثير من الحقيقة. ولذلك عندما يشاهد المرء برنامجاً مثل ((ست الحبايب)) يشعر بأن لديه ما يدافع به عن الصناعة التلفزيونية اليوم. وعندما ينجح برنامج مليء بالحنان والعطف والمشاعر السامية وتقاليد الأسرة، يؤكد لنا ذلك أن الخفة ليست شرطاً في النجاح والتخفف ليس ضرورة في اجتذاب المشاهدين، وأن هناك أفكاراً راقية وبسيطة يمكن للتلفزيون أن يبني عليها علاقة رائعة مع الناس والعائلات والأجيال والبيوت.
كدنا ننسى في معظم العالم العربي كائناً رائعاً لا مثيل له في الأرض هو الأم. وكدنا ننسى صفة لا مثيل لها في الدنيا هي الأمومة. لقد أوكل الأغنياء الأمومة إلى الوسائط والمربيات والعاملات. وأوكلت النساء الفقيرات أو العاملات الأمومة إلى الحاضنات وناظرات الطفولة والروضة. وبذلك يولد عندنا جيل لا يعرف أسمى تجربة يعرفها الإنسان على مدى عمره هي تجربة الأمومة، تجربة المشاعر التي لا يمكن لمخلوق أن يقدِّمها لنا سوى الأم.
وقد عرض زاهي وهبي علينا الكثير من هذه الحالات والمشاهد. وأصغينا إلى الكثير من الفنانين والبارزين الكبار وهم يتحدثون مثل الأطفال وفي حناجرهم غصة رائعة لا يمكن تحديد أوتارها، فرحاً وحزناً وامتلاء بالانتشاء الروحي. وقدَّم زاهي أيضاً نماذج من الأبناء المعوقين، أسرى التعثر والإعاقة والشلل والعذاب، وقد حرموا أنعام الخلق المكتمل لكنهم منحوا صبر الأم وحنانها وتجلُّدها، وتلك الطاقة التي يخصها بها الله في أن تعيش حياتها تدثر أبناءها بالعطف والحنان والرعاية. وهذه الأم الرائعة هي التي لا نزال نتناقش في مكانها ومكانتها وبماذا نحن ندين لها.
قبل سنوات قليلة استضافني الأستاذ عبد المقصود الخوجه في (( اثنينيته )) في جدة. ووصلت المدينة قبل يومين من الموعد. ومرَّ اليوم الأول من دون أن يمر بي في الفندق. ومرَّ اليوم الثاني فأرسل من ينوب عنه. وفي اليوم الثالث قررت أن أعود إلى لندن وأن أترك له (( اثنينيته )) مهما أثار ذلك من غضب معتاديها وأعضائها.
وحزمت حقيبتي وقد اعتزمت ألا أخبر أحداً بالأمر لكي لا أخضع نفسي لمحاولات الاعتذار أو التبرير. وفيما أنا غارق في ذلك المزاج الخائب، هاتفني عبد المقصود الخوجه من مكتب الاستقبال في الفندق، وقال لي: ((كيف لي أن أعتذر لك عن تقصير اليومين الماضيين. أنا خجول بما حدث، ولكن لم يكن لي من حيلة في الأمر)).
وقلت له: ((أسمع يا صديقي. لقد تأخر كلانا قليلاً الآن. أنت في الاعتذار وأنا في عدم اتخاذ إجراءات العودة. وسامحني إن لم أقبل منك أي عذر إلا إذا ستقول لي إنك كنت إلى جانب أمك)). وقال: ((لم أستطع أن أتركها منذ يومين إلا بعد أن طمأنني الطبيب إلى أنها بدأت في التحسن)). أعدت حقيبتي إلى مكانها ونزلت إليه وأنا المعتذر. لقد امتلك السبب الوحيد الذي لا يرّد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :383  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 155 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج