شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاثنينية المنتدى والكتاب، والرجل (1)
بقلم: د. خالد محيي الدين البرادعي
المنتديات الأدبية كثيرة، في الشرق والغرب، وفي الماضي والحاضر.. ربما لا يستطيع متابع أن يحصي عددها في بلد واحد على امتداد العصور. ومعظم هذه المنتديات، يؤسسها أديب أو أديبة فتعرف باسم مؤسسها. واتخذت في عصرنا صفة: الصالونات الأدبية.
لكن أحداً لا يعرف أن واحداً من هذه النوادي الأدبية قد تحول إلى مؤسسة ثقافية تنشِّط الفكر، وتحرِّض المبدعين، وتقيم علاقة أو علاقات حضارية مع العصر الذي تخلقت فيه. فاردة ظلالها الخضر، وناشرة فوحها الطيب بالاتجاهات جميعها، متجاوزة الموانع والسدود والحدود التي صنعتها السياسة بين الأقاليم والأقطار. ليصبح ظاهرة حضارية ذات حضور حاد يتجدد في كل يوم يمر، وعبر كل درجة يخطو عليها باتجاه الأعلى.
قد يكون منتدى (( الاثنينية ))واحداً من تلك المواقع ذات الحضور المتميز وربما النادر في عصرنا، بعد أن تحول خلال بضع عشرة سنة إلى ظاهرة لم يصل إلى علمنا ما يماثلها. سواء في مدينة جدة حيث أنشئ هذا المنتدى ونما، أو في أي مدينة عربية أخرى بين المحيط والخليج.
والاثنينية ظاهرة حضارية تبنت لقاءات المفكرين والأدباء على اختلاف مشاربهم، وانتماءاتهم. وحددت يوم الاثنين موعداً لتكريم الكتَّاب والمتوهجين في مختلف فنون العلم وضروب المعرفة والفنون.
فهي تقيم مساء كل اثنين على امتداد موسمها السنوي حفلاً تكرّم فيه أديباً أو عالماً أو محلقاً في فن من الفنون. ولا يقتصر حفل التكريم على الإشادة بالرجل المكرّم، بل تدعو نقاداً وشعراء ومفكرين للحديث عن العلم والمكرَّم. بعد أن تزوِّدهم بنتاجه ليدرسوه مسبقاً ويقدِّموا ليلة التكريم رأياً نقدياً بنتاجه، ومعظمهم من العلماء والأكاديميين. أما المبدع المكرّم فيقوم بقراءة نماذج من نتاجه يختارها هو ويتحدث بتكثيف شديد عن حياته ونشأته ونتاجه واتجاهاته الفكرية، بما يشبه السيرة الذاتية. قد تمتد ليلة التكريم إلى ثلاث أو أربع ساعات، وتنتهي بتقديم اللوحة التذكارية الهائلة الحجم والمدوّنة بخيوط مذهبة حاملة اسم المكرَّم وتاريخ التكريم وعبارة: (الحمد لله رب العالمين) المكتوبة بالخط النسخ النافر المعلّق بخيوط مذهبة.
وتفرَّغ الأشرطة التي سجلت الأمسية عليها لتتحول إلى فصل من موسوعة الاثنينية والتي صدر منها عشرة مجلدات ضخمة حتى الآن يتوّهج على صفحاتها أكثر من مائتي مفكر وشاعر وفنان وعالم، بنماذج من إنتاجهم، وفصول من النقد المكتوب عنهم وسيرهم الذاتية المكثفة، حتى ليشعر قارئ (( الاثنينية )) أنه بين يدي موسوعة من طراز خاصْ. تزداد وتتسع كلما مر أسبوع من الزمن.
ولم يتوقف دور الاثنينية أمام اللقاءات والتكريم وموسوعة الاثنينية المتجددة. بل هناك سلسلة من الكتب القيِّمة تحمل اسم: كتاب الاثنينية. وقد صدر ضمن هذه السلسلة بضعة وعشرون كتاباً حتى الآن
مطبوعة بكثير من الأناقة والبذخ ضمن أغلفتها المذهبة الجميلة، من هذه الكتب: الأعمال الشعرية الكاملة لشاعر مكة محمد حسن فقي، والذي تأسست باسمه جائزة يماني السنوية التي تتخذ من القاهرة مقراً لها وتمنح لأفضل ديوان شعر عربي ولأفضل كتاب نقدي عن الشعر العربي. وقد صدر من أعمال الشاعر فقي تسعة مجلدات حتى عام 1996. والأعمال الشعرية الكاملة للشاعر اليماني: أحمد محمد الشامي، وصدرت في ثلاثة مجلدات. والأعمال الشعرية الكاملة للراحل زكي القنصل آخر شعراء العربية في المهجر، وقد صدرت في ثلاثة مجلدات. وللأديب والمفكر والمؤرخ السعودي الراحل عبد العزيز الرفاعي أربعة مجلدات. وكتب أخرى لمصطفى الزرقا وللكاتبة السعودية غادة الحوطي ولكتّاب آخرين. والسلسلة مستمرة في إصدار كتبها الأنيقة التي تترافق مع صدور مجلدات موسوعة الاثنينية.
والحديث عن كتاب الاثنينية له طعم خاص ونكهة خاصة، ليس لأنه مختلف عما تصدره المطابع ودور النشر ومؤسسات صنع الكتاب من كتب في الوطن العربي، بل لأنه يصل إلى المتلقين والمعنيين به بدون أي ثمن. ويستطيع أي مثقف أو دارس أو كاتب أو طالب أن يحصل على الكتب كافة التي تصدرها الاثنينية مع مجلدات موسوعتها بدون أي ثمن أو مقابل. وهي تطبع أصلاً لتهدى لا لتباع. وتلك أظنها الظاهرة الأهم وذات الخصوصية والتميز ـ وفي هذا العصر بالذات.
أما الرجل فهو الأديب الشيخ عبد المقصود خوجه الذي أسس منتدى الاثنينية لبضع عشرة سنة خلت. ليشبع ميوله الأدبية والفكرية. وهو أديب يمتاز برقَّة الأسلوب ورشاقة العبارة وعمق الفكر. وبهذا الأسلوب الشيّق هو حاضر في مقدمات كتب الاثنينية، حضوره في كل أمسيات التكريم بصفته الناقد الأول والمتحدث الأول فيها. وقد تحوّل الفعل الثقافي إلى هاجس يسكنه. فمنح منتداه معظم ما يملك من جهد وزمن. وقدم جزءاً من ماله قرباناً سخياً لتنشيط الحركة الثقافية، وتحريض المبدعين عن طريق تكريمهم وطبع مؤلفاتهم وإيصالها إلى الآخرين بدون أي ثمن.
والشيخ عبد المقصود خوجه مزوّد بحسٍّ قومي نبيل. حيث لا يغيب عن ذهنه تشتت أمته، ولا يغفل لحظة عن سقاية الأمل العذب بوحدتها ولمِّ أشتات أهلها، كما لا ينسى أنه ينتمي إلى الأمة التي خلَّفت هذا التراث الهائل من الإبداع والإشراقات الحضارية ويسكنه حلم عودتها لتستأنف إسهامها في صنع الحضارة الإنسانية.
ولأن الشيخ المؤسس عبد المقصود خوجه يحيا في هذا الانتماء النبيل بإحساسه وسلوكه، فهو مسكون بالهم الفلسطيني كما لو كان أحد مناضليها الأبرار، وواحداً من أساطينها المسؤولين عن مصيرها. ليكون استثناء في عصره.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :523  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.