شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(98) (1)
وفي سبيل الحصول على لقمة العيش النظيفة.. لاقيته اليوم.. مكافحاً لا يعرف الفلسفة درباً إلى التعقيد.. ولا التعقيد المباشر باعث حسد وتجميد.. تكاد تنطق حبات العرق المبارك عن حبه لعمله.. وعن اغتباطه بالحياة جهداً موصول الأداء لغاية يومية.. معينة ومرسومة..
وتذاكرنا أيام المدرسة.. وكان طالباً واسع الآمال والمطامح.. دؤوباً على الدراسة والاستذكار.. إلى أن أدركته عشقة النجارة.. فأخذ في المواظبة لدى دكان جارهم النجار الشهير أيامها لدى كل صاحب بناية في جدة.. أكثر من مواظبته على المدرسة.. حتى جاء يوم ودعنا نحن زملاءه إلى حيث اختار لنفسه الحرفة التي بلغ عشقها من نفسه حد الصبابة والهيام.. ولم يجد بداً من إطاعة حافزة وإرضاء قلبه..
ووضعت أمامه حزمة من الأسئلة القصيرة المتلاحقة.. مثل: ألم تعد تقرأ؟.. وهل لديك أولاد؟.. وما هو رأيك في حياة اليوم والأمس؟.. وكيف تمارس عملك.. أبالقدوم والفأرة أم المكنة تدار بالكهرباء؟..
وفي بساطة.. وبإيمان.. تناول حزمة الأسئلة وألقاها على جانب.. وترسل.. واسترسل في لهجة بلدية ناصعة البياض.. أصيلة الحروف والكلمات يقول ما معناه:
الحمد لله.. فاتني لا زلت في الحياة كما نقول.. أسعى يا عبدي وأنا أسعى معاك.. ولقد تطورت أدوات العمل وصارت لي ورشة تقوم على الأجانب ولي فيها للأسف الشديد ولد بلد.. فكلهم يرغبون أن يكونوا موظفين.. وأنا أقرأ الجرائد لأتابع بعض الإعلانات.. وقليلاً من الأخبار الخارجية.. وأولادي في المدرسة بما فيهم البنت كذلك.. وقد صرت ألبس البنطلون والقميص كما ترى.. وهو التطور الوحيد والخطير في حياتي.. فقد سبب لي الثوب كثيراً من المضايقة والحرج في عملي.. وأتمنى أن يطيعني أحد الأولاد فيواظب على الورشة ليتولى العمل.. عملاً لا إدارة فيها بعدي.. ولكن هيهات!!
أما تلك الأحلام الذهبية التي تعهدها.. وأما الأفكار.. والتطلعات والفتوة الفكرية فقد أنهاها كف المملك يوم عقدت على أم العيال.. وصدق رسول الله.. الزواج مجبنة مبخلة.. وأنا اليوم ـ كما ترى ـ لا أستطيع الضرب بالقدوم.. ولكني أحسن كثيراً المسح بالفارة!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :477  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.