شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(67) (1)
وخرجت اليوم نفسي من صدفتها.. وبالمناسبة فإنني أتخيل دائماً أن لنفس كل منا صدفتها المحاربة تقبع فيها كما يقبع أبو جلمبو ـ مثلاً ـ داخل محارته الصدفية لا يعلم ما في داخلها إلا هو وحده!..
وقد قالت لي.. في صوت غير مسموع إلا مني.. لقد عشت حياتك القديمة معي لا تكتم عني سراً، ولا تفعل إلا ما نحن متفقان متفاهمان عليه.. فأعطيتك حريتك التامة في أن تكون دائماً خارج الصدفة وحدك كما أنت داخلها.. تحيا بما لا تحيا بدونه.. وتقول ما تعتقد فعلاً أنه الحق باعتباره صادراً عن عقيدتك ذاتها..
ولقد ألفتك.. كما ألفك الناس.. كذلك.. فعشنا لا يفصل بيننا حاجز.. ولا يشوه صداقتنا المتينة خلاف أو انحراف.. فكنت كما أريدك.. وكما تريدني أنت.. أن تكون.. وأن أكون.
ولكنني.. من عهد غير بعيد.. في اكتشافي الجديد بك.. أرى أنك أخذت تسلك.. بعيداً عني.. طريقاً مغايراً لما كنت عليه.. فإنني ألاحظ أحياناً أنك تساير محدثك على ما لم تؤمن به.. بل وتذهب ـ نفاقاً ـ إلى آخر الشوط مزكياً ما يقوله وما لا تؤمن به معي.. بأدلة قوية من لديك تؤكد بها وتؤيد مذهبه المغير تماماً لمذهبك المعروف مني!
كما بت ألاحظ عليك أنك لم تعد ثابتاً كما كنت على آرائك التي بنيناها معاً على أساس من التجربة واليقين والميل الطبيعي إليها.. فقد طرأ نوع من الذبذبة عليك نحوها.. بل لقد عصفت عصفاً كاملاً ببعضها.. حيث أصبحت تدين ببعض الآرء المناقضة تماماً لآرائك الأصيلة الأولى!..
كما أنني أمسيت أنكر منك أنك لم تعد كعادتك القديمة.. تأخذ وتعطي معي فيما يهمنا الأخذ والعطاء فيه.. فقد كثرت مصادقتك لجسدك الصدفي هذا بداعي الخوف عليه.. فلم تعد تجرؤ على الجهر بما تؤمن به.. ولا على التشبث اللازب بالحرية المقدسة لمعتقداتك المقدسة.. باسم التقية التي صار لها المقام الأول لديك.. تتشكل باللون المؤمن لجانب السلامة.. والاطمئنان..
ولقد سمعت همساً طويلاً حولك.. وفي خلوتي بعيدة في الأيام الأخيرة عنك.. همساً يقول في جملته.. إنك لم تعد كما كنت.. فربما قضى لك البعض بالمعذرة.. لا تعدم المبرر والتسويغ.. ولكن الأغلبية تنقم عليك ما أنت فيه.. وما قد آل إليه حالك الحديث..
وأصغيت إلى نفسي خرجت اليوم عن الصدفة التي تلمنا سوية.. لا يسمع كلامها القاسي سواي.. فقلت لها في سفسطة ملتوية لا يهمها إلا تبرير المنكر منها في شخصي:
ـ يقول بعض المفكرين أن علينا دائماً أن نغير آرائنا وأفكارنا بنفس الطريقة التي نبدل بها ملابسنا.. كلما اتسخت.. أو كلما شعرنا بحاجة إلى تبديلها بسواها.. وهذا دليل التطور.. والحياة!
ـ لم أعد احتمل أن أتحدث مع سواي بلغة انقرض أداؤها ومفهومها كلياً.. على وجه التقريب.. بل لم أعد أجد من يفهم تلك اللغة.
ـ لقد أصبح من الشائع أن يكون لكل إنسان خارج الصدفة الزي السائد اليوم بين الناس.. وأنا منهم مهما كابرت..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :528  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.