فهذا أصلحكم الله بيان ما سألتم عنه حسب ما علمني الله عز وجل.. لم أقل شيئاً من ذلك من عند نفسي، ويعيذني الله أن أقول في شيء من الدين برأي أو بقياس، لكن حكيت(1) لكم ما قاله الله تعالى وعهده إليكم نبيكم عليه السلام. ولعمري إني لأفقر منكم إلى قبول ما أوصيتكم به، وأحوج إلى استعماله؛ فإني والله أعلم من عيوب [نفسي أكثر مما أعلم من عيوب] كثير من الناس ونقصهم، وقد توصل الشيطان إلى جماعة من الناس بأن أسكتهم عن تعليم الخير؛ بأن وسوس إليهم، أو لمن يقول لهم: إذا أصلحتم أنفسكم، فحينئذ اسعوا في صلاح غيركم.. وربما اعترض عليهم بقول الله عز وجل: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [سورة المائدة/105] وبقوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [سورة البقرة/44] الآية، والحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً يقذف به في النار فتندلق(2) أقتابه [251 ب]؛ فيقول له أهل النار: يا فلان: ألستَ الذي كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟.. فيقول: نعم كنت آمركم بالمعروف ولا أفعله، وأنهاكم عن المنكر وآتيه(3)، أو كما قال عليه السلام، فأسكتهم عن تعليم الخير. فاعلموا رحمكم الله أن الآية الأولى لا حجة فيها للمعترض بها؛ لأنه ليس فيها نهي لنا عن أن ننهى من ضل عن ضلالة، ولكن فيها تطييب لأنفسنا عن غيرنا ولا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، وقد جاء في بعض الآثار: أن المنكر إذا خفي لم يؤخذ به إلا أهله، وأنه إذا أعلن فلم ينكره أحد أخذ فاعله وشاهده الذي لا يقره(4)؛ فإنما في هذه الآية إعلام لنا أننا لا نُضَرُّ بإضلال من ضل إذا اهتدينا، و [على] من اهتدى بنا أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وأما الآية الثانية فلم ينكر فيها الأمر بالبر، وإنما أنكر استضافة إتيان المنكر إليه.. ونعم معترفون لها بذنوبنا، منكرون على أنفسنا وعلى غيرنا، راجون الأجر على إنكارنا، خائفون العقاب على ما نأتي مما ندري أنه لا يحل. ولعل أمرنا بالمعروف، وتعليمنا الخير، ونهينا عن المنكر: يحط به ربنا تعالى عنا ما نأتي من الذنوب؛ فقد أخبرنا تعالى أنه لا يضيع عمل عامل منا(5).
وأما الحديث المذكور فهو [عن] رجل غلبت معاصيه على حسناته، فإن كان مستحلاً للمنكر الذي كان يأتي ومرائياً بما يأتي به: فهذا كافر مخلد في نار جهنم ويكفي من بيان هذا قوله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ يره [سورة الزلزلة]؛ فمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وعصى مع ذلك فوالله لا ضاع له ما أسلف من خير، ولا ضاع عنده ما أسلف من شر، وليوضعن كلُّ ما عمله يوم القيامة في ميزان يرجحه مثقال ذرة، ثم ليجازين بأيهما غلب. هنا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد.. وقد أمر تعالى فقال: وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة آل عمران/140]، وقال تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [سورة التوبة/122]، فأمر تعالى من نفر ليتفقه في الدين بأن ينذر قومه، ولم ينهه عن ذلك إن عصى، بل أطلق الأمر عاماً، وقال تعالى: وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ [سورة آل عمران/115]؛ فمن رَامَ أن يَصُدَّ عن هذه السبيل بالاعتراض الذي قدمنا فهو فاسقٌ، صادٌّ عن سبيل الله، داعية من دواعي النار، ناطق بلسان الشيطان(6)، عون لإبليس على ما يحب، إذ لا ينهى عن باطل ولا يأمر بالمعروف ولا يعمل خيراً، وقد بلغنا عن مالك أنه سئل عن مسألة فأجاب فيها، فقال له قائل: يا أبا عبد الله: وأنت لا تفعل ذلك؟.. فقال: يا ابن أخي ليس [352/ أ] في الشر قدرة(7).. ورحم الله الخليل بن أحمد(8) الرجل الصالح حيث يقول:
اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي
ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
وذُكِرَتْ هذه المسألة يوماً بحضرة الحسن البصري رحمه الله فقال: وَدَّ إبليس لو ظفر منا بهذه؛ فلا يَأمُر أحدٌ بمعروف ولا [ينهى] عن منكر.. وصدق الحسن؛ لأنه لو لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يذنب: لما أمر به أحد من خلق الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكل منهم قد أذنب.. وفي هذا هدمٌ للإسلام جملة.. فقد صح عن النبي عليه السلام أنه قال: ما من أحدٍ إلا وقد ألَمَّ، إلا ما كان من يحيى بن زكريا(9) أو كلام هذا معناه.
فخذوا حذركم من إبليس وأتباعه في هذا الباب، ولا تدَعُوا الأمر بالمعروف وإن قصّرتم في بعضه، ولا تدَعوا النهي عن منكر وإن كنتم تواقعون بعضه، وعلِّموا الخير وإن كنتم لا تأتونه كله، واعترفوا بينكم وبين ربكم بما تعملونه بخلاف ما تعلِّمونه، واستغفروا الله تعالى منه دون أن تعلنوا بذكر فاحشة وقعت منكم؛ فإن الإعلان بذلك من الكبائر.. صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم(10)؛ فلعلَّ أحدنا يستحْيي من ربه تعالى إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وهو يعلم من نفسه خلاف ما يقول يكون ذلك سبب إقلاعه ومقته لنفسه، ولعل الاعتراف لله تعالى والاستغفار المردد له يوازي ما يقصر فيه؛ فيحط عنا تعالى ربنا ذو الجلال، وقد قال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ [سورة النساء/108]، وقد أمرنا الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستخفاء بالمعاصي إذا وقعت، ونهينا عن الإعلان بها أشد النهي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً معناه: كل الناس معافى إلا المجاهر ـ والإجهار أو من الإجهار(11).. الشك مني ـ: أن يبيت المرء يعمل عملاً فيستره الله عليه، ثم يصبح فيفضح نفسه(12) أو كما قال عليه السلام؛ فإنما أنكر فعل المعصية نفسها، ثم وصف عز وجل [أنهم] مع ذلك يستخفون من الناس وأنه معهم؛ فلا يمكنهم الاستخفاء منه، بل هو عالم بذلك كله.. وإذا رأيتم من يعتقد أنه لا ذنب له فاعملوا أنه قد هلك.. وإن العجب(13) من أعظم الذنوب وأمحقها للأعمال. فتحفظوا حفظنا الله وإياكم من العجب والرياء(14)؛ فمن امتحن بالعجب في علمه فليفتكر فيمن هو أفضل عملاً منه، وليعلم أنه لا حول ولا قوة له فيما يفعل من الخير، وأن ذلك إنما [252 ب] هو هبة من الله تعالى؛ فلا يتلقاها بما يوجب أن يسلبها، ولا يفخر بما حصل له فيه؛ لكن ليعجبه فضل ربه تعالى عليه، ليعلم أنه لو وكل إلى نفسه طرفة عين لَهَلَك.
وأما الرياء فلا يمنعكم خوف الرياء أن يصرفكم عن فعل الخير؛ لأن لإبليس في ذم الرياء حبالة ومصيدة، فكم رأيت من ممتنع من فعل الخير خوف أن يظن به الرياء، ولعلكم قد امتحنتم بهذا، ولكن أصفوا نياتكم لله تعالى، ثم لا تبالوا من كلام الناس فإنما هو ريح وهواء منبث، وقلَّ والله ضرر كلامهم وكثر نفعه لكم؛ فعليكم بما تنتفعون به في دار قراركم وعند من يعلم سركم وجهركم وعند من يملك ضركم ونفعكم، وحده لا شريك له.
صحيح: أخرجه البخاري (3094) في بدء الخلق: باب صفة النار وأنها مخلوقة، والبغوي في (التفسير) (1/55) من طريق سفيان.
وأخرجه البخاري (6685) في الفتن: باب الفتنة التي تموج كموج البحر، وأحمد (5/209) من طريق محمد بن جعفر (غندر) عن شعبة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في (المسند) (1/118 ـ 119) ومن طريقه مسلم (2989) (51) وأبو القاسم البغوي في (مسند أسامة) (54) عن أبي معاوية.
وأخرجه مسلم أيضاً عن محمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق بن إبراهيم، وأبي كريب عن أبي معاوية وأخرجه أحمد (5/207) عن أبي معاوية.
وأخرجه مسلم والطبراني في (الكبير (1/164، 395) من طريق يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية ومسلم أيضاً من طريق جرير، وأحمد (5/205) والبيهقي (10/94 ـ 95) من طريق يعلى بن عبيد.
كلهم عن الأعمش عن أبي وائل (شقيق) قال: قيل لأسامة: لو أتيت فلاناً فكلمته، قال: ‘إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم، إني أكلمه في السر، دون أن أفتح باباً لا أكون أول من فتحه، ولا أقول لرجل أنْ كان عليَّ أميراً: إنه خير الناس، بعد شيءٍ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: وما سمعته يقول: قال سمعته يقول: يجاءُ بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه. اللفظ للبخاري في الرواية الأولى. وأخرجه أحمد (5/206) عن عبد الصمد عن حماد عن عاصم عن أبي وائل به نحوه.
جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: إذا خفيت الخطيئة لا تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت فلم تُغير ضرَّت العامة أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (4770)، وفي سنده مروان بن سالم الغفاري. قال الهيثمي (7/271): متروك.
قلت: مرميٌّ بالوضع، والحديث خرَّجتُه وعلَّقتُ عليه عند رقم (94) من ((السياسة الشرعية)) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وثبت من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، أنهلَكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبَث. أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وعبد الرزاق، والبيهقي، والبغوي، وابن حبان، وانظر الأحاديث وشروحها في (الفتح) (13/60 و 109)، وانظر (تفسير ابن كثير) الآية (88) من سورة الأنبياء (3/203).
قال تعالى وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [سورة الإسراء/64] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((صوته: كل داعٍ إلى معصية الله)) واختاره ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى.
قال الذهبي رحمه الله في (السير) (7/430): الإمام صاحب العربية ومنشئ علم العروض، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، أحد الأعلام.. وكان رأساً في لسان العرب، دَيِّناً ورعاً قانعاً متواضعاً كبير الشأن، يقال: إنه دعا الله أن يرزقه علماً لا يُسبق إليه، ففتح له بالعروض، وله كتاب ((العين)) في اللغة، وثّقه ابن حبان، وقيل: كان متقشفاً متعبداً. قال النضر: أقام الخليل في خُصٍّ له بالبصرة لايقدر على فِلسَين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال، وكان كثيراً ما ينشد:
وإذا افْتَقَرْتَ إلى الذًّخائرِ لَمْ تَجِدْ
دُخْرَاً يكونُ كصالحِ الأعمالِ
وكان رحمه الله مفرط الذكاء، ولد سنة مئة، ومات سنة بضع وستين ومئة. وقيل: بقي إلى سنة سبعين ومئة
لا يصح مرفوعاً: أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (11/562) وأحمد (1/ 254، 292) والحاكم (2/591) وأبو يعلى في (المسند) (4/418) عن عفان، وأحمد (1/301) عن روح، والحاكم من طريق أبي سلمة، والبيهقي (10/186) من طريق سليمان بن حرب، كلهم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد من الناس إلا وقد أخطأ أوهَمَّ بخطيئة ليس يحيى بن زكريا....
قال الذهبي: إسناده جيد.
وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) (8/212) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني وفيه علي بن زيد ضعفه الجمهور وقد وثق، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.
قلت: يوسف بن مهران ضعيف، وقال الحافظ في (التقريب): هو لين الحديث. وأعله به وبابن جدعان في (تلخيص الحبير) (4/1579) قال: وهو من رواية علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران وهما ضعيفان.
وأعله ابن كثير رحمه الله تعالى في (البداية والنهاية) (2/47) بابن جدعان قائلاً: علي بن زيد ابن جدعان تكلم فيه غير واحد من الأئمة وهو منكر الحديث، وقد رواه ابن خزيمة والدارقطني من طريق أبي عاصم العباداني عن علي بن زيد بن جدعان به مطولاً ثم قال ابن خزيمة: وليس على شرطنا.
وقال الحافظ في (التقريب) (2/443): العباداني لين الحديث.
وقال في (تلخيص الحبير): وله طريق أخرى عند البزار من رواية محمد بن عون الخراساني وهو ضعيف.
وأخرجه البيهقي (10/186) من طريق عفان، وأبي سلمة عن حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد، ويونس بن عبيد، وحميد عن الحسن رفعه.
قال الحافظ في (التلخيص) (4/1579): وفي الباب عن أبي هريرة في الطبراني في الأوسط وكامل ابن عدي في ترجمة حجاج بن سليمان. وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح إلى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
قلت: أخرجه الطبراني في (الأوسط) (6/333) وابن عدي في (الكامل) (2/234) من طريق محمد بن سلمة المرادي، وأخرجه ابن أبي حاتم في (التفسير) (2/644) من طريق محمد بن سلمة وعيسى بن حماد زغبة، كلاهما عن حجاج بن سليمان عن الليث ابن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل بني آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا.
قال ابن عدي: حجاج بن سليمان الرعيني المصري يكنى أبا الأزهر يحدث عن الليث وابن لهيعة أحاديث منكرة وقال في آخر ترجمته: وإذا روى حجاج هذا عن غير ابن لهيعة فهو مستقيم إن شاء الله تعالى.
وذكره الهيثمي في (المجمع) (8/212) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه حجاج بن سليمان الرعيني وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله ثقات.
قلت: قال أبو زرعة: منكر الحديث.
وقال الذهبي: في حديثه مناكير. وفيه ابن عجلان وهو موصوف بالتدلس وقد عنعنه. وفي الباب ما أخرجه الطبري في (التفسير) (3/55) من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ابن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم يأتي يوم القايمة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا... وأخرجه الحاكم (2/373) من هذه الطريق، قال: عن عمرو بن العاص.
قلت: ابن المسيب معروف بالرواية عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
قال ابن كثير في (البداية والنهاية) (2/47): فهذا من رواية ابن إسحاق وهو من المدلسين قد عنعن ههنا.
قلت: تابعه علي بن مسهر ـ وهو ثقة له غرائب كما في (التقريب) ـ عن يحيى بن سعيد به عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رواه ابن المنذر في (تفسيره) كما في (تفسير ابن كثير) (1/369) من طريق سويد بن سعيد عنه، وسويد هذا قال الحافظ في (التقريب): صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول.
وأخرجه ابن أبي حاتم في (تفسيره) (2/643) من طريق عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب مع الشك في أنه عن عبد الله بن عمرو أو أبيه، وصفه ابن كثير في (تفسيره) بأنه غريب جداً. وأخرجه الطبري (3/255) من طريق شعبة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب مع الشك أيضاً لكنه موقوف.
وأخرجه ابن أبي حاتم أيضاً من طريق يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله عمرو بن بن العاص موقوفاً. قال ابن كثير في (تفسيره) بعد أن ذكره: فهذا موقوف أصح إسناداً من المرفوع. وذكر السيوطي المرفوع والموقوف في (الدر المنثور) (2/22) وقال: وهو أقوى إسناداً من المرفوع.
أخرجه البخاري (5721) في الأدب: باب ستر المؤمن على نفسه، وابن عبد البر في (التمهيد) (5/338 ـ 339) والعقيلي (4/89) من طريق إبراهيم بن سعد، ومسلم (52) ـ (2990) في الزهد والرقائق: باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه من طريق يعقوب بن إبراهيم، وأخرجه العقيلي (4/235) من طريق مبشر السعيدي. كلهم عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، قال سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتى معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه اللفظ للبخاري، وعند مسلم: وإن من الإجهار وقال زهير: وإن من الهجار.
وقوله عن (ابن أخي ابن شهاب) هو محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري. قال ابن حزم في (المحلى) (1/98 و 7/472 و 11/150): ضعيف، وقال الحافظ في (التقريب): صدوق له أوهام. انظر لزاماً (هدي الساري) ص (440)، وقال الذهبي في (الميزان) (3/434): مبشر السعيدي عن الزهري لا يعرف، وله شاهد عند أبي نعيم في (أخبار أصبهان) (2/64 ـ 65)، والطبراني في (الأوسط) (4498) وفي (الصغير) (632) من طريق عبد الله بن محمد بن عمران الأصبهاني عن الحسن بن علي الحلواني عن عون بن عمارة عن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس، عن ثمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه. وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) (10/195) وقال بعد أن نسبه للطبراني في الأوسط والصغير: وفيه عون بن عمارة وهو ضعيف.
قال عياض كما في (الفتح) (10/487): الجهار، والإجهار، والمجاهرة كله صواب بمعنى الظهور والإظهار، يقال: جهر وأجهر بقوله وقراءته إذا أظهر وأعلن.. وأما الإهجار فهو الفحش والخنا وكثرة الكلام... يقال: أهجر في كلامه، وكأنه أيضاً تصحيف من الجهار أو الإجهار وإن كان المعنى لا يبعد أيضاً هنا، وأما لفظ الهجار فبعيد لفظاً ومعنى؛ لأن الهجار الحبل أو الوتر تشد به يد البعير أو الحلقة التي يتعلم فيها الطعن، ولا يصح له هنا معنى والله أعلم.
قال الحافظ متعقباً: بل له معنى صحيح أيضاً؛ فإنه يقال هجر وأهجر إذا أفحش في كلامه، فهو مثل جهر وأجهر، فما صح في هذا، صح في هذا ولا يلزم من استعمال الهجار بمعنى الحبل أو غيره أن لا يستعمل مصدراً من الهجر بضم الهاء.