شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رثاء إنسان... السيد علي بن حسين عامر (1)
يشاء الله أن يموت علي بن حسين عامر، والعبد الفقير إلى مولاه يزور البلد الذي ولد فيه هذا الفقيد وتعلم في مدارسه وشهد نشأته الأولى ويوم تلقيت نبأ وفاته من رفيق الدرب وصديق العمر الأستاذ محمد عبد الستار عادت بي الذاكرة سنين إلى الوراء عندما كنت أسير في ((حي العنبرية)) مع والدي - أمد الله في عمره - فإذا هو يشير إلى إحدى الدور الواقعة على يمين الصاعد من ذلك الشارع، هذا يا بنيّ منزل الشيخ حسين عامر، ثم يصمت قليلاً، ليتابع حديثه قائلاً: ((لقد كان واحداً من رجالات المدينة في عصره)) ولم أكن لأتعجب عندما تعرفت إلى الفقيد - فيما بعد - وأنا أسمع منه عبارات تدل على اعتزازه بوالده والذي كان واحداً من رجالات المدينة الذين قاوموا سياسة التتريك في آخر الحقبة العثمانية فأخرجوا من المدينة إلى الأستانة وإلى الشام حيث تركوا ((لجمال باشا)) الوالي العثماني ليحقق معهم وكان ذلك في عهد السلطان رشاد، وكان خروج هؤلاء الرجال من المدينة بين سنة 1932 - 1933م وهم - كما ذكرهم لي فقيدنا ((زين بري، إبراهيم حمودة، محمد حمودة، يحيى دفتردار، محمود شويل، عمر كردي، حيدر مشيخ، حسونة البوسطي، حسين عامر، سعود دشيشة، زين صافي، محمد جمل الليل، أحمد جمل الليل، علوي السقاف، عبد المحسن أسعد)).
خرج السيد علي من المدينة مع والده وعمره لا يتجاوز ست سنوات، وهناك تعلم اللغة التركية، ثم عاد إلى المدينة ليدرس في المدرسة الرشدية، في العنبرية كان يحدثني رحمه الله عن هذه المرحلة من حياته ويقول : أغلقوا المدرسة يوم توفى الأخ الأصغر لسعود ومحمد دشيشة، يبتسم ما ذنبنا حتى تقفل المدرسة أبوابها؟
كان يحب ((النكتة)) يأتيني صوته مدوياً عبر أسلاك الهاتف أشعر رغم وحدته وتفرق الأحباب والأصحاب من حوله... أنه يضحك من أعماق قلبه الجريح، يوم عمل في خزينة الدولة مع الشيخ حسين جستنيه، سأله هذا الأخير أين درست في المدينة، يجيب السيد الفاضل في ((الرشدية)) يتعجب الشيخ الجستنية، ظناً منه أن علي عامر يحمل شهادة عليا في الاقتصاد أو المحاسبة، فلقد كان متقناً لعمله ولهذا لازم الشيخين عبد الله السليمان ومحمد سرور الصبان رحمهما الله - وكان الشيخ السليمان يصطحبه معه في جميع رحلاته، وكنت ذات يوم أتحدث مع الشيخ عربي سقاط في ((مكة)) وبحضور الوالد المرحوم الشيخ عبد الله بصنوي يقول لي الشيخ السقاط: كان السيد علي بن عامر من طليعة الشباب الذين شاركوا في بناء الدولة، وكان من أكثرهم ذكاء ومعرفة... يبتسم الشيخ البصنوي فلقد كان محباً للشيخ ضياء الدين رجب - رحمه الله - ولقد جمع باب الباسطية بين السيد الفاضل عالم البلد الحرام وشاعرها المحب محمد أمين كتبي وضياء الدين رجب وعلي عامر - أسكنهم الله فسيح جناته - وكثيراً ما تردد ذكر باب الباسطية في شعر السيد الكتبي، وأخال السيد علي عامر كان صديقاً لرجل من أهل الخير والفضل والإصلاح في البلد الحرام وهو المرحوم اللواء طه خصيفان، وكان المرحوم يحدثني كثيراً عن أصدقائه، يذكر محاسن الناس ولا يتوقف عند مواقف الجفوة، وهو يقرأ القرآن ثم يهدي ثوابه لأحبابه الذين رحلوا إلى دار الخلود، وكان القرآن جليسه بعد أن اعتزل الناس وهو الذي عاش بهم ولهم، في المدينتين المقدستين، وكانت داره في ((مكة)) ملتقى رجال الفكر والأدب، ولا بد أن معالي الأستاذ محمد عمر توفيق والسيد ياسين طه يعرفان أكثر مما أعرف عن هذا الجانب: فلقد عاصرا تلك الحقبة الزاهرة من حياة الفقيد - رحمه الله - يقول الشعر ويبدع المطولات منه، ثم ينفي عن نفسه سمة ((شاعر)) مع أن شعره لم يفقد جزالته وقوته حتى عندما كان يدلف بسنوات عمره إلى التسعين، ليتنا أيها السيد نتعلم مِنْكَ ومن أمثالك كيف يكون التواضع، وكيف يتحقق نفي الذات، والبعد عن الادعاء وعدم التعسف في طلب الشهرة، وكثير أولئك الذين يطلبونها اليوم ولا يملكون مقوماتها الحقيقية، فيصرون على أنهم شعراء العصر، ونقدة الآداب بمختلف حقولها وتخصصاتها...
تموت أيها السيد من الناس أجسادهم وتبقى أعمالهم ومآثرهم شاهداً على ذلك التاريخ الذي كتبوا سطوره بشمم وصدق وكبرياء وأنت واحد ممن كتبوا هذا التاريخ، حتى وإن كنت تؤثر الصمت وتكره الضجيج، وتفضل أن تلقي نظرة على ذلك العالم المتماوج والمضطرب من حولك، من شرفة تلك الصومعة التي آثرْتَ الاحتماء بها والسكون إليها، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فرحمك الله وعوضنا فيك خيراً يا واحد من بقية الرجال...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :803  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 472 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.