شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رائد التراث وعالم اللغة د. محمد يعقوب تركستاني وبقايا من ذكريات العقود الثلاثة (1)
عندما قدمت مكة في مطلع التسعينيات الهجرية دارساً، كان عدد من أبناء هذا الوطن المعطاء قد سبقنا في التحصيل والدرس العلمي، وكان من بين هؤلاء هذا الأخ الكريم الذي يحلُّ ضيفاً على هذا الملحق الأغر وأعني به الزميل - عالم اللغة والمتبحر في فقهها - الدكتور محمد يعقوب تركستاني، وكان مثل زملائه الكرام الدكاترة عبد الله باقازي ومحمد العمري، ومحمد العثيمين، والفقيد الشريف عبد الله الحسيني البركاتي - رحمه الله - كانوا وغيرهم قد التحقوا بقسم الدراسات العليا العربية دارسين، ولقد سبقت كلية الشريعة - جامعة أم القرى لاحقاً - رصيفاتها في افتتاح أقسام الدراسات العليا في علوم الشريعة وحقول الأدب واللغة وسواها مما سوف يدوِّنه التاريخ - يوماً - وإنما أردنا أن نلمّ بشيء من هذا التاريخ توطئة أو تمهيداً للحديث عن ضيف جريدة المدينة - اليوم - وابنها البار منذ ما يقرب من ثلاثة عقود ونيف، كان فيها كاتباً بصفحة الأدب التي كان يحررها المرحوم سباعي عثمان، ثم سبَّاقاً لتقديم أول ملحق متخصص في التراث، وصدر عن هذه الصحيفة العريقة عام: 1396هـ إلا أنه سبق تقديمه في صفحة واحدة عام 1394هـ، ثم في صفحتين 1395هـ واكتمل في 96هـ.
ما زلت أتذكر وقفاتي الخاطفة مع الزميل الكريم الدكتور عبد الله باقازي والذي عرف في بداية حياته الأدبية بكتابة القصة مثل رصفاء له، أتذكر منهم: أنور حسن عبد المجيد الجبرتي، وسليمان سندي، وعلي محمد حسون، وقد شهدت صفحة الأدب التي أشرت إلى دور الرائد سباعي عثمان في تحريرها واحتضان الجيل الجديد - آنذاك - والاهتمام بإبداعاتهم، ومن الإنصاف للتاريخ أن أذكر بأن الزميلين الدكتور الأديب طاهر سالم تونسي، والأستاذ فاروق باسلامة قد كانا سباقين للكتابة الأدبية في عدد من الصحف... في واحدة من تلك الوقفات قال لي الدكتور باقازي: (زميلنا محمد يعقوب يبذل جهداً مضنياً في إخراج صفحة التراث مقابل مكافأة زهيدة) ثم يشاء الله أن أرتبط بعلاقة أوثق مع (أبي زلفي) وأصبحت من كتاب الملحق وأزعم أنني أعرف من شجون هذا الملحق وشؤونه أكثر مما يعرفه غيري، فلقد كان الدكتور التركستاني يخصص جزءاً كبيراً من وقته حتى يخرج الملحق على الصورة التي يرضى عنها وكان عزيزنا يهتم بالنقطة والفاصلة كاهتمامه بالكلمة والعبارة ويشرف على الإخراج والصف وسواهما من ضروب التقنية الصحافية ولا يداعب الكرى أجفانه حتى تتم ولادة الملحق من بين ماكينات الطباعة في المقر القديم لصحيفة المدينة بطريق مكة، ولما كان زميلنا ممن لم يتملكوا مركبة إلا بعد أن قطعوا شوطاً كبيراً من حياتهم العملية - وليس مما يدخل في باب المسكوت عندما أروي لجيل اليوم بأنني - أي - العبد الفقير إلى الله - لم أجلس على مقود سيارة خاصة إلا بعد حصولي على درجة الدكتوراه وعودتي من بريطانيا - وأنه لشظف العيش الذي عشناه ولقمة العيش التي ارتطمنا في سبيلها بكثير من العقبات، إلا أننا تخطيناها بصبر وعزيمة وقبل ذلك وبعده كان الملاذ هو الإيمان الفطري بخالق هذا الكون، وأن من شهد ومضة النور وتجليات اللطف عند الحطيم وزمزم في مكة، والروضة والمسجد والمثوى الطاهر في طيبة الطيبة - لا بد أن يكون إيمانه فطرياً وأننا لراضون في هذا المقام مقولة ابن عطاء الله الشكنوري صاحب الحكم ولطائف المنن، (لو علم السلاطين ما نحن فيه من لذة لجالدونا عليها بالسيوف) أعود للقول بأن الأخ التركستاني كان يضطر للذهاب إلى الموقف القديم في جدة ليجد مقعداً له في سيارة أجرة ولربما لم يصل إلى داره في الجودرية إلا مع تباشير الفجر بميلاد يوم جديد.
لم تنقطع صلتي بالدكتور التركستاني أثناء سني الدراسة بالغرب وأذكر أنه طلب مني تزويده برسالة علمية قدمها أحد الباحثين الغربيين عن الإمام السيوطي، وأنني لأتذكر وقوفي أمام مكتبة في (برنسس ستريت بمدينة أدنبرة الأسكتلندية) سائلاً عن الكتاب وزخات المطر تنهمر على جاكيت أسود كنت أرتديه، ولقد كانت القلعة الشهيرة تنتصب أمام عيني، وعين مني تسترق النظر لجمال في تلك التلال، وجمال آخر تكاد تتخطفه الأيدي وتسير به إلى بحيرات لوخ ليموند حيث الهدوء الذي لا نظير له والذي قال لي زميلنا الدكتور عبد الرزاق سلطان والذي كان يحضر للدراسة في فن تقدمت به - جامعة أدنبرة - آنذاك - على جامعات أخرى وهو الكيمياء الحيوية، لقد فتح نافذة شقته في ذلك البناء الحجري الجديد في ويليام ستريت، ثم أوصدها ليبتسم كعادته ويقول: إنك ستفتقد - يا عاصم - هذا الهدوء، وسوف تحن إليه، واليوم بعد ربع قرن من الزمن أعود لتذكر أيام خوال في تلك البلاد النائية لأقول شيئاً عن رجل التراث (التركستاني) فيتعانق المشهدان عندي في كل واحد.
وعدت من بعثتي الدراسية مع نهاية عام 1406هـ، ووجدت الفيروزآبادي أمامي في قسم اللغة العربية، ولهذا اللقب قصة اختصرها في أن أستاذاً معروفاً كان يعمل في قسم اللغة العربية بمكة المكرمة وهو الدكتور محسن العبيدي - أدرك بثاقب نظره تعمق هذا الشاب - آنذاك - في لغة القرآن - حيث نالته حظوة علامة اللغة ومادح العصر فضيلة السيد محمد أمين كتبي عن طريق زميله الإنسان المهذب السيد زيد كتبي أدرك العبيدي ما ينتظر هذا الشاب من مستقبل علمي مشرف فأطلق عليه اسم أحد أشهر مؤلفي القواميس العربية، فاعتز الشاب بهذا اللقب وأصبح يدون مقالاته به، ولم تكن الرياح مواتية في قسم جدة - آنذاك - ويؤسفني أن الدكتور عبد الله الغذامي في حكايته للحداثة جعل نفسه ضحية وأنه الوحيد الذي غبن، مع أن الذين غبنوا في عهده وعهد غيره كانوا كثراً وكان الدكتور التركستاني واحداً منهم، ولعل أبا زلفى أدرك مع الزمن من هم أولئك الذين آزروه، ومن الذين في خفاء أو علانية قد خذلوه.
بقي أن أقول إن قلة في الساحة من يعرفون أن أخانا التركستاني كان يكتب شعراً رقيقاً في مطلع حياته، وأن شاعرنا الكبير السيد محمد حسن فقي كان معجباً بتلك الإبداعات الشعرية، وأثمرت العلاقة الوثيقة بين الرائد الفقي - متع الله بأيامه - وبين رائد التراث عن بحث قيم كتبه الدكتور التركستاني عن شاعرية الفقي وإخاله بحث التخرج في قسم اللغة العربية، تلك نبذة يسيرة عن سيرة مباركة باعثها الوفاء لأيام خوالٍ في الشامية والجودرية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1828  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 473 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج