شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ومات الشاب النبيل في رثاء الأستاذ نبيل عبد الرؤوف حفظي (1)
فجأة وبدون مقدمات يأتيني صوت الابن البار الأستاذ مروان قماش ((أستاذي... عظم الله أجرك في صديقك نبيل حفظي)) ويضيف: ((قبل أيام كان يحدثني عن زمالتكم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم... كان يحن حنيناً عجيباً لتلك الأيام)).
أضع سماعة الهاتف ثم أبدأ رحلة التذكر لماض زاه بدأناه سوية قبل حوالي ثلاثين عاماً... حلقات تعليم القرآن الكريم تنتشر في مؤخرة المسجد وأشهرها حلقة المرحوم أستاذنا رجب أبو هلال.
كان نبيل يأتي من باب المجيدي وكنت أقطع المسافة بين المناخة والحرم قادماً من حارة العنبرية... وكان إبراهيم مزيد الخطاب وغازي عينوسة وعبد الرؤوف طاهر وسعود محمود نعمان رحمه الله يأتون من مواقع مختلفة في البلدة الطاهرة.
كان نبيل قليل الكلام ودائم الابتسامة وكنا نمازحه بسبب صمته... يجلس في الحصوة معنا في آخر المسجد ولكنه لا يتربع في جلسته مثلنا... كان نظره يتجه نحو القبة الخضراء وعيناه تدمع عندما يرتفع صوت ((الريس)) الأستاذ عبد الستار بخاري رحمه الله وكانت الأصابع تشير إليه من كل صوب... ((هذا شاب نشأ في طاعة الله))... وتفرقت بنا سبل تحصيل العلم فالتحقت بالعلوم الشرعية ولعل المرحوم كان في ((الفهدية)) ويوم دخلنا مرحلة الشباب كان نبيل واسطة العقد بين أحباب له اتخذوا من الحرم موطناً لهم... يتذاكرون العلم ويقرؤون كتاب الله... كان صديقاً حميماً في هذه الحقبة لمحمد علي إبراهيم ووليد أبو الفرج وإبراهيم علوي وعبد الله أبو سيف وأسامة خليفة وصالح كريم وعمرو حمزة حافظ وسواهم.
ومع أنني كنت آنس إلى هذه الصفوة المباركة من الشباب فلقد كنت مشغولاً مع زملاء آخرين بما عرف فيما بعد بندوة الأصدقاء... والتي كانت تعقد مساء كل اثنين وخميس في الحصوة الأمامية من المسجد النبوي الشريف... وكنت بين الحين والآخر أجلس مع نبيل في مجمع المؤذنين نأنس إلى حديث الرجل الحافظ لكتاب الله والراوية لأشعار العرب المرحوم الأستاذ عبد الستار بخاري... لقد نسيه البعض وتنكر له البعض الآخر ولكن ((أبا حسن)) يبقى دائماً دائرة مضيئة في تاريخ العلم والمعرفة بالبلد الطاهر... ويظل الذين تنكروا له أستاذاً ومعلماً لا يذكرهم أحد حتى وإن تبوؤا أمكنة زائلة وصعدوا قمماً زائفة... ويبقى التاريخ محفوظاً في نفوس الرجال منقوشاً في قلوبهم... ولا بد من يوم يأتي تبرز فيه الحقائق وتظهر فيه الشواهد.
وتشاء الأقدار أن يستوطن نبيل جدة... ولكن في المناسبات المحدودة التي قابلته فيها كان الحزن يكسو وجهه المشرق بنور الإيمان وقابلته قبل مدة في دار السيد عمر علي هاشم ففرح بلقائي وقال ممازحاً ((كيف الحال يا أبا العصم))؟
أعادتني الكلمة إلى الوراء وتذكرت الحصوة واستعدت طمأنينة الحرم الآمن وارتسمت أمامي معالم القبة الخضراء والمنارة الرئيسية وسألت نفسي أترى من عودة إليك يا طيبة؟ أترى يجود الزمان ونجلس بين المنبر والمصلى نقرأ كتاباً في السيرة النبوية ونراجع كتاباً في الفكر والأدب... أم ترانا نرجع إليك محمولين على الأكتاف يمرون بنا أمام الضريح المعظم نلقي النظرة الأخيرة على أطهر موضع في الأرض وأشرفه وأجله وأكرمه وتقرأ منا الأرواح ذلك القول الملهم والكلم البليغ.
يا خير من دفنت في القاع أعظمه
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
يا صديقي رحلت وخلفت وراءك سيرة عطرة يتناقلها الأبناء الذين هذبت أرواحهم وصقلت نفوسهم وربيت منهم العقول وأبعدت عنهم شبح الجهل في زمن يندر فيه الرجال الذين يخلصون للكلمة الطيبة ويحاولون جهدهم لإيصالها إلى هذا الجيل الذي هو أحوج ما يكون لتربية الروح وغذاء الوجدان وصفاء النفس وطهارة الجوارح... اللهم اغفر له واسكنه فسيح جناتك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2192  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 471 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثالث - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج