شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جابر عصفور بين هوس التجريب وعداء الدين (1)
يمكن ((لجابر عصفور)) أن يحدثنا عن البنيوية كمذهب أدبي منقرض في الفكر الغربي... ويمكنه أيضاً أن يتحدث عن مفاهيم أدبية معينة كالشعر والبلاغة وسواهما من حقول الأدب التي يبدو أن الدكتور عصفور قد استنفد الحديث عنها أو حولها، ولكن لا يمكن لهذا ((العصفور)) أن يتحول فجأة ((إلى فقيه)) فيخوض غمار تجربة جديدة يخالها كتجاربه السابقة، والتي يتطلب الحديث فيها حدوداً لا يحسن تعديها وضوابط يجب مراعاتها والأخذ بها، لقد أخذ ((عصفور)) كغيره من دعاة البنيوية في عالمنا العربي بمفهوم التجريب في الأدب وأراد أن يطبقه على ((الشريعة)) وهو الذي كثيراً ما هاجم الإسلام كدين والشريعة كمنهاج ويكفينا مثالاً على ذلك بحثه المعروف ((إسلام النفط)) والذي صدر ضمن بحوث عديدة عن ((دار الشافي)) في لندن عام 1989م، بعنوان ((الإسلام والحداثة)) والذي خلط فيه بين الإسلام كدين منزل من عند الله وبعض السلوكيات الفردية الخاطئة والتي لا يمكن قياس الدين عليها أو التشكيك بسببها في حقائقه الثابتة أو التجرؤ على وصف معتنقيه بسمات باطلة لا يقدم على قذفهم بها أعداؤهم من الملل والمذاهب الأخرى، ولكنه هوس الفكر الماركسي المتهاوي وفتنة الأيديولوجيات البائدة التي لا تزال تلقي بظلماتها على قلوب وعقول مجموعة من الكتاب العرب وتدفعهم لارتكاب حماقات فكرية مشينة.
ويظهر توجه ((عصفور)) للأخذ بمفهوم التجريب في الشريعة في مقالته المنشورة بملحق آفاق ((الحياة 23 ذي الحجة، 1413هـ)) والتي كان عنوانها ((التجريب والدولة المدنية)) والتي أشار فيها إلى استنتاج يدعي أنه أفاده من عبارة وردت في كتاب ((الإسلام وأصول الحكم)) لعلي عبد الرازق، وأن العبارة تدعو إلى استعمال العقل والتجريب في قضايا الدولة المدنية.
يقول عصفور: ما لفت نظري في الجملة هو ما ينطوي عليه ((الحكم المدني)) من إيمان بالتجريب من حيث هو مسعى للعقل في تأسيس قواعد التمدين بوجه عام وعلاقات المجتمع المدني بوجه خاص، فالتجريب - في الجملة - يرتبط بالخروج على الإطار السائد المتعارف عليه والبحث عن صيغ جديدة تجيب عن أسئلة قديمة وتطرح أسئلة جديدة في الوقت نفسه))!!
وهذا الاقتباس من مقالة الدكتور عصفور يوضح هوس الرجل بمقولة قراءة النص قراءات متعددة كما يقول بذلك البنيويون، وإذا كانت القراءات المتعددة للنص الواحد في الأدب هي محل اختلاف كبير بين أصحاب هذا الاتجاه الأدبي الذي انقرض في الغرب منذ الستينات الميلادية، وما قبلها في الغرب وعلى وجه أخص في ((فرنسا)) التي شهدت انبعاث وانقراض مذاهب أدبية - مرتبطة بسياقات حضارية واجتماعية معينة - وهو ما يجهله كثير ممن يتصدون لترجمة هذه المذاهب ترجمة حرفية لا تتعدى نقل الألفاظ والمصطلحات من لغة إلى أخرى، بمعنى أنه إذا كان عدد من النقاد ينكرون على التوجه البنيوي ما يطلق عليه بالقراءات المتعددة للنصوص الأدبية ((الشعرية)) والنثرية منها على حد سواء، فهل يمكن المجازفة بتطبيق هذا المعيار على حياة الناس فيكون لهم في كل مرة سلوك يختلف عن السلوك الذي صدر منهم تجاه تجارب مماثلة في الماضي، وإذا ترك كل فرد يجرب السلوك الذي يراه مناسباً ثم يقره ويدعو الآخرين للامتثال به، فما الوضعية أو الحالة التي سوف يكون عليها المجتمع في نهاية الأمر، إن النتيجة التي تترتب على مثل هذه الحيثية هي الفوضى والتخبط وعدم وجود ضوابط تحكم حياة الناس وتربط وجودهم بأهداف عليا يسعون لتحقيقها والعمل على إنجازها.
لا شك أن ((عصفور)) ينطلق من فكر علماني محض يدعو إلى فصل الدين عن الدولة وهو في هذا لا يخرج عن دائرة هذا الفكر المنغلق الذي يرضى بأن يحكمه قانون البشر ويرفض أحكام الله التي تبرهن الأيام حاجة الناس إليها بعد أن جربوا كثيراً من القوانين البشرية الخاضعة لأهواء الناس ونزعاتهم البشرية والمتبدلة مع المكان والزمان، وتأتي حاجة الناس إلى هذه الأحكام من أن الله هو خالق المكان والزمان معاً فلم يشرع الجديد في مقالة ((عصفور)) التي اتكأ فيها على بعض مقولات صاحب كتاب ((الإسلام وأصول الحكم)) هو دعوته إلى اتخاذ التجريب وسيلة جديدة للوصول إلى نظام مدني يحكم الناس ويحدد علاقتهم بأشياء هذا الوجود، ولكن ((عصفور)) نسي أو تناسى أن الأدب شيء، وأن مكونات الأمة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية شيء آخر، وأن هذه المكونات لا يمكن أن تترك للآراء المتغيرة من لحظة إلى أخرى والمتباينة بين شخص وسواه، ولو تركت هذه المكونات التي تقوم عليها حياة الناس لأهواء التجريب وعبثيته وهذيانه كما ينادي بذلك ((أدونيس)) وزمرته - وهم من يستهدي عصفور بآرائهم الشاذة والغريبة على تراث الأمة وفكرها وطبيعة تكوينها - لو تركت هذه المكونات لهذا العبث التجريبي الذي يصفه ((عصفور)) بأنه خروج على الإطار السائد وبحث عن صيغ جديدة في حياة الأمة فإن ذلك يعني الدخول في نفق التجريب وعدم الخروج منه كما هو الشأن في الفكر الحداثي الذي يدعو للأخذ بهذا المنهج ولم يستقر بعد على صيغة معينة ومقياس مضبوط محدد يمكن من خلاله تمييز الجيد من الرديء والقوي من الضعيف في الأعمال الأدبية الخالصة، وهذا أمر لا يقول به عاقل ولا يدعو إليه متبصر وذلك لأن شؤون المجتمع وقضاياه تحتاج إلى ضوابط محددة لا تحتمل التأويل ولا يمكنها أن تنتظر آماداً طويلة حتى تتفتق عملية التجريب عما يمكن اعتماده كمنهج للأمة أو شريعة للمجتمع، أو رؤية لأشياء هذا الوجود الذي لا تقبل حقائقه مثل هذا الهذيان والهوس.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :621  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 470 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.