شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مذبحة التراث بين جورج طرابيشي وهاشم صالح (1)
كتب هاشم صالح تلميذ ((محمد أركون)) ومترجم معظم أعماله من الفرنسية إلى العربية، كتب في الحلقة الثانية بصحيفة ((الحياة)) من دراسته التي دعاها ((تراث التراث من خلال جورج طرابيشي)) والتي ناقش فيها مقولات هذا الأخير عن التراث وما كتب حوله وما استخدم في نقده من مناهج، وهي مقالات أيضاً ظهرت على صفحات الصحيفة المذكورة قبل مدة وجيزة.
كتب صالح هذا ((الحياة يوم الثلاثاء 6 يوليو 1993م)) مناقشاً الدكتور زكي نجيب محمود الذي يرى أننا لا نستطيع أن نعيش العصر لسبب بسيط يعود في اعتباره إلى أننا لم نحرر أنفسنا بعد من تراثنا، أي لم نحرر أنفسنا من أنفسنا كما فعل الأوروبيون منذ القرن السادس عشر وحتى التاسع عشر فكيف يمكننا إذن أن نقيم علاقة صحية أو طبيعية مع الحاضر ونحن لم نصف بعد حسابات الماضي، ومشاكل الماضي وعقد التراث..
يعترف صالح بأنه يتفق مع زكي نجيب محمود على إحداث القطيعة مع التراث ولكن ليس بالشكل الذي يتصوره أي إن القطيعة التي ندعو إليها ليست عدمية أو قفزية إذا جاز التعبير وإنما هي متدرجة، صراعية، داخلية، وبما أن صالح يتحدث الفرنسية فهو تلميذ وفي وناقل أمين لبعض المناهج الغربية التي نبتت واستوت في البيئة الفرنسية ثم ما لبثت أن قضت في أرضها وبين أهلها ومن بين هذه المناهج المنقرضة البنيوية والتفكيكية والتشريحية إلى آخر القائمة، لذا فإن ((هاشم)) يتفق مع زكي نجيب محمود في وجوب التخلص من التراث نهائياً ولكن ليس على طريق أهل الراية الحمراء، والشعارات الثورية، بل بطريقة أخرى لا تحدث تلك الجلبة والضوضاء التي يتبناها صاحب الفلسفة الوضعية ((بالمناسبة فإن زكي نجيب محمود توقفت قراءته عند هذه الفلسفة، ومع أن هذه الفلسفة أصبحت من مخلفات الماضي في الفكر الأوروبي فإن - نجيب يصر على العض عليها بالنواجذ)) أما الطريقة التي يحبذها هذا ((الصالح)) فهي التفكيكية وكثيراً ما يعشق مثقفو أمة العرب مثل هذه المصطلحات ويتغنون بها ليلهم ونهارهم، وفي غدوهم ورواحهم، يقول كاتبنا ((إذن فاستبدال الجديد بالقديم عملية لا تتم بين عشية وضحاها، أو بضربة عصا سحرية لو تمت على هذا النحو لهان الأمر، ولو كانت الأمور بمثل هذه السهولة لاستطاعت جميع الأمم أن تحقق التقدم بأقصى سرعة ممكنة وتلحق بركب الحضارة الحديثة، فقبل بناء أي شيء ينبغي تفكيك ما هو موجود لأن ما هو موجود يمنع بعطالته ورزوحه الشيء الجديد من الوجود، إذن فالمرحلة السلبية من عملية التحرير سوف تسبق المرحلة الإيجابية لا محالة... بل إن العمل الإيجابي الوحيد الممكن اليوم، وربما لسنوات طويلة هو العمل السلبي أي التفكيك: تفكيك ما هو موجود، وتعريته من الداخل، تبيان تاريخيته ونسبيته، فضح بداهته الأصلية التي غطت عليها القرون...
وينظر ((صالح)) الذي يتوهم أنه أصبح فرنسياً من شعر رأسه إلى أخمص قدميه، ينظر نظرة فيها كثير من الاستخفاف إلى ماضي الأمة وتاريخها، ونسي أن هذا الماضي هو الذي كان وراء المنجزات الإيجابية في حضارة الغرب المعاصرة، ويجسد هذه النظرة ما نقله من عبارات لزكي نجيب محمود وتأمينه عليها ومباركته لها مباركة مطلقة.
يقول صالح في هذا الصدد: ((فالواقع أن الموتى يحكمون الأحياء، كما يقول زكي نجيب محمود، والماضي يحكم الحاضر، وليس العكس، ولا يمكن التخلص من أسر الموتى وتحكمهم برقابنا قبل تصفية الحسابات التاريخية التي خلفوها لنا إرثاً ثقيلاً...
ويدعو في مكان آخر إلى تحرر مطلق من التراث فيقول: ((والتحرر الحقيقي لن يتم إلا بعد تفكيك البنية القديمة ومن خلال هذا التفكيك بالذات وينبغي أن يصل التفكيك إلى أعمق نقطة، إلى أعمق طبقة من طبقات التراث.
ولم يحدد لنا صالح مفهومه للتراث الذي يسعى هو وأنصاره من الفئة المستعمرة للغرب فكرياً وثقافياً التخلص منه كلية، على اختلاف - فيما بينهم - في الوسيلة التي يمكن استخدامها للقضاء على عدوهم الأول والأخير وهو التراث الإسلامي والعربي، مع أنهم يحاولون إيهام الآخرين بأنهم ضد كل أنواع الاستعمار وأشكال التسلط الغربي، فما بالهم لا يجدون عدواً لهم إلا هذا التراث الذي أضاء لهم ولأمم الأرض جميعاً دروب الحياة المعتمة،ولن يستطيع الغرب أن ينكر - وكثير من علمائه المنصفين يقرون بذلك - أن المنهج العلمي الذي توصلت به الحضارة المعاصرة إلى هذه المنجزات والاكتشافات المتعددة، هذا المنهج المنضبط كان من جهود علماء المسلمين من أمثال جابر بن حيان، والحسن بن الهيثم والفارابي، وابن رشد، وأبي حامد الغزالي، ولعلنا نسأل هذه الفئة التي توجه سهام نقدها غير الموضوعي إلى تاريخ أمتها فتقوى بذلك من شوكة أعدائها - الحاقدين - نسألها كيف استطاع أن يخرج هؤلاء الأحياء إلى الوجود، أم أن هذه الزمرة ما زالت تترنح راقصة على أنغام الحقبة الجاهلية معتقدة أنها مصدر التنوير ونقطة الانبعاث للأمة العربية،و إذا كان ما يقلق هؤلاء هو ارتباط هذا التراث بالإسلام الذي هو منهج متكامل للحياة لا تنفصل فيه العقيدة عن السلوك ولا الفكر عن الممارسة والتطبيق، لذا فهم يسعون للإجهاز عليه، فلينظروا حولهم كيف تدق أجراس الكنائس في جميع عواصم الغرب بل من داخل ردهات جامعاته ومؤسساته العلمية والسياسية وكيف أن السلوك السياسي الغربي لا ينفصل عن المسيحية كدين، وهذا الواقع بين أيديهم وتحت أنظارهم في الإمبراطورية اليوغوسلافية السابقة حيث يعلي الغرب المتحضر والعلماني من شأن الصليب على حساب شعب مستضعف أعزل من أمة الإسلام التي يحاربها أعداؤها بأيدي وأقلام أبنائها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :746  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 469 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج