شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فيلسوف الكلمة وشاعر الروح خالد بن سعود الزيد (1)
لن أتجاوز المكان والزمان عند حديثي عنك فالمكان الذي تنتسب إليه يستغيث من ظلم الغادرين بعد أن كان مأوى آمناً تهوي إليه قلوب الناس من كل صقع ومورداً عذباً لا يرد ذووه أخا وابن عم وصديقاً ومنار فكر يستهدي بضيائه كل أولئك الذين يعيش الحرف في وجداناتهم وتنصهر المعرفة في عقولهم وتتلفت أنفسهم بحثاً عن مرافىء العلم والحقيقة.
أما الزمان فهو حقبة سوداء سوف يدرج التاريخ أسماء من عبثوا بصبحها الأغر ونهارها الأبلج في زمرة طغاة الأرض وسفاكي الدماء ومقوضي الحضارات.
ما زلت أيها الفيلسوف أتذكر المكان الذي حظيت بلقائك فيه لأول مرة ولم يكن المكان إلا ساحة من ساحات العلم التي يشد الناس رحالهم إليها وهل في الدنيا من بقعة تستأثر باهتمام وتطلع الإنسان مثل بقعة تروي ظمأ المعرفة فيه،وتمنح نفسه أكسير الحياة وترتقي بروحه إلى مدارج الوعي تلك المدارج التي حثه الله على البحث عن أسبابها ليحقق إنسانيته وليسمو فوق المطالب الدنيا والمحدودة.
لقد جمعتني بك قاعات الدرس في جامعة مانشستر ببريطانيا كان كل شيء حولنا غريباً تلك الزخات الشديدة من المطر وتلك الوجوه التي تختلف سحناتها عن سحناتنا وألسنتها عن ألسنتنا وتقاليدها عن تقاليدنا ويوم رأيتك سكنت نفسي وتبددت وحشتي ثم انطلقت في تفكير هادىء عميق لم ينتشلني منه سوى صوتك الجهير وأنت تترغم بمقاطع من إبداعك الشعري فامتلأت عند ذلك نفسي بالصوت العربي والكلمة الفصيحة واللحن الخالد ولم أتردد يومها في القول بأنك واحد من أولئك الناس الذين نضجت الكلمة في أعماقهم وتثقفت على ألسنتهم تثقف ذلك الصارم الذي يحمله ابن هذه الجزيرة لا ليخيف به الآخرين ولا ليغرز نصله في أجسادهم ولكن ليحمي به ((ربعه)) ويصد كل كيد يتربصه به أعداؤهم.
ثم جلست إليك فإذا أنت تعكس تلك الصورة الزاهية للمثقف العربي الأصيل لا تمنع عن عقلك شعاع المعرفة أياً كان مصدره ولا ترضى بالتنازل عن قيمة من قيم الحضارة التي تنتمي إليها وكنت إذا التقيت الآخرين امتد شعور صادق بين روحك وأرواحهم فلا يرونك إلا منصتاً بأجمعك إلى حديثهم من غير أن يلمحوا في سلوكك شيئاً ينم على تعاليك عليهم أو استغنائك عن معرفة يدفعهم تطلعهم البشري للمشاركة بها وإن كانت ملامح شخصيتك تنبىء كل من يشاهدك بأنك أستاذ جيل وفيلسوف كلمة وموجه روح ولعلي أتذكر أنني كنت أتحدث معك عن نماذج من سلوك علماء الأمة ورعيلها الصالح من أمثال الحارث المحاسبي وأبي حامد الغزالي وابن القيم فإذا أنت تستزيدني من ذلك الحديث وإذا الدمع يترقرق في عينيك والوجد يسمو بك وهتاف الروح يتجسد عميقاً في كل إيماءة تصدر عنك أو كلمة تتفوه بها.
إن الشعور الذي تختزنه في نفسك لا يمت إلى ما حاول الأعداء ترويجه زوراً وبهتاناً عن صفات الإنسان الكويتي وسلوكه إنه شعور الإيمان العميق والقيم الطاهرة والممارسة النظيفة ولعلي أكشف هنا عن وجه مشرق من أخلاق المثقف الكويتي وهو مشاركته لإخوانه من أبناء العروبة والإسلام لقمة العيش في داخل الكويت وخارجها لم تحدثني أنت أيها الرجل النبيل عن ذلك المنحى الكريم في شخصيتك ولكن كاشفني الآخرون أنفسهم بأنك يوم كنت تجتمع بالطلاب العرب في الجامعات البريطانية يقودك حسك الصادق وبعد نظرك إلى معرفة من تقصر بهم وسائل الحياة عن مجاراة بقية إخوانهم فإذا أنت الحدوب عليهم والعطوف بهم وإذا هم ألسنة تدعو لك وقلوب تخفق بالحب لشخصك ومشاعر صادقة تتدفق كلما نحا الحديث نحو الأرض المعطاء التي أنجبت الرجال وحمت الذمار ورعت العلم وأهله وستعود كما كانت وإن غداً لناظره قريب.
خالد الزيد أديب وشاعر كويتي معروف وله العديد من الدراسات الجادة عن الحركة الفكرية والثقافية في الكويت كما رأس رابطة الأدباء الكويتيين لفترة من الزمن.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :778  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 462 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.