شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الكُتَّاب الغربيون... والموقف من المفاهيم الدينية (1)
الروائي البريطاني ((جراهام جرين)) الذي توفي عام 1991م تناوله كتاب السيرة الذاتية ومن بينهم ((مايكل شيلدن)) الذي تناول جوانب من حياة هذا الأديب في كتاب أطلق عليه اسم ((أعماق الرجل)) أما الكاتب ((نورمان شيري)) فلقد أصدر جزءين يتناول فيهما الجوانب الإيجابية من حياة الأديب الذي حققت أعماله الروائية مثل ((الرجل الثالث)) ((عميلنا في هافانا)) ((الأمريكي الهادىء)) ((قلب الأحداث)) ((نهاية علاقة))... حققت هذه الإبداعات الروائية المتميزة انتشاراً واسعاً حتى إنه بيع منها ما يقرب من 20 مليون نسخة، كما ترجمت لأكثر من أربعين لغة ((أخبار الأدب المصرية، العدد 62 - 18 سبتمبر 1994م)).
إلا أن اللافت للنظر في حياة هذا الروائي الإنجليزي هو تعصبه لمذهبه الكاثوليكي الأمر الذي دفع بعض المتعلقين بأدبه أن يغيروا مذهبهم الديني وينضموا للكنيسة الكاثوليكية ومن بينهم زوجة اللورد العمالي البريطاني ((هاري والستن)) ولم يكن ما فعله ((جرين)) من تكريس لأعماله الروائية لخدمة معتقده المسيحي الكاثوليكي شذوذاً في تاريخ كثير من الشعراء والروائيين الغربيين، فالشاعر الأمريكي الأصل، والبريطاني الجنسية ((ت.س. إليوت)) كان كاثوليكياً متعصباً، وتنعكس هذه العقيدة بصورة واضحة في قصيدته المعروفة ((الأرض الخراب)) والتي بناها إليوت على مفاهيم دينية محضة، وبما أن الشاعر أنشأها بعد مشاهدته للدمار الذي عانته البشرية من آثار الحرب العالمية، رأى إليوت - من وجهة نظره - أن الخلاص هو في التعاليم المسيحية الكاثوليكية، بل إن من أكثر الشعراء الذين نلمس لهم حضوراً في قصيدته المشهورة تلك هو الشاعر الإيطالي المعروف ((دانتي)) حيث تأثر بقصيدته المعروفة ((الكوميديا الإلهية)).
ويؤكد كاتب سيرة إليوت Peter Ackroyd في كتابه T.S. Eliot الذي طبع عام 1984م أن إليوت إبان نشأته التعليمية الأولى في جامعة هارفارد، كان كثيراً ما يردد أشعار ((دانتي)) مما يدلل على إعجابه وتأثره بإبداعه الشعري القائم أيضاً على مفاهيم دينية محضة.
أما فرانز كافكا الروائي اليهودي المعروف، فلقد كتب باللغة اليدشية ((اليهودية القديمة)) في مطلع حياته، وكانت بعض رواياته تبشر بميلاد دولة يهودية دينية، انظر: Kafka, Judaism, Politics, and Literature, By R. Robertion..
هؤلاء شعراء وكتاب غربيون تجاوزت شهرتهم مجتمعاتهم واتخذهم البعض من الشعراء العرب في العصر الحديث قدوة لهم، بل إن حركة الشعر العربي الحديث كانت متأثرة إلى حد بعيد بعمل (إليوت) المعروف (الأرض الخراب) ويرى بعض الدارسين أن قصيدة ((بدر شاكر السياب)) المعروفة ((نشيد المطر)) هي انعكاس لقراءته لأعمال إليوت المشهورة وفي مقدمتها ((الأرض اليباب)) إلا أن بعضاً من المحسوبين على حركة الشعر العربي الحديث، يخجلون من تضمين أعمالهم نصوصاً إسلامية، ويعدون ذلك خروجاً على قاعدة الإبداع التي تقوم عندهم على الخروج على المألوف وهي عبارة اقتبسوها - بطريقة وأخرى - من الشاعر أدونيس الذي يحمل في داخل نفسه حقداً دفيناً على الإسلام وتعاليمه ولغته، وهو شيء معروف للجميع، ومن أراد التعمق في هذه الناحية فعليه الرجوع إلى كتاب الناقد الكبير الأستاذ عبد الله عبد الجبار ((الغزو الفكري)) الذي صدر في سلسلة ((مكتبة الرفاعي الصغيرة)) أو إلى المقدمة التي كتبها الأستاذ الكبير أحمد الشيباني لكتاب الزميل الكريم الدكتور محمد خضر عريف ((الحداثة... مناقشة هادئة لقضية ساخنة)) ويأسى الإنسان عندما يجد الكتاب الغربيين يفتخرون بدينهم المسيحي الذي دخلته التحريفات وحفلت به الأساطير، بينما يخجل البعض من الكتاب المسلمين من الإشادة بدينهم الإسلامي الذي لا يأتيه باطل ولا يمسه تحريف، حيث تكفل بحفظ كتابه العزيز خالق هذا الكون ومبدعه، وإذا كان البعض يخجل حتى من وضع ((البسملة)) في فاتحة كتابه، فإن البعض الآخر يعتبر الإشارة إلى المفاهيم الدينية في الشعر يدخل هذا الإنتاج في باب الوعظ والإرشاد، ويبقى السؤال قائماً لماذا لم نسمع ناقداً غربياً انتقد إليوت... أو عزرا باوند أو فرانز كافكا أو جراهام جرين لاعتزازه بدينه وتبشيره بتعاليمه شعراً وقصة ورواية؟... ولماذا يحتفل بعض النقاد العرب بهذه الأعمال الغربية ولا يضيرهم ما فيها من مفاهيم دينية غربية أو أسطورية؟ إنها أسئلة تنتظر جواباً من الذين يديرون ظهورهم لتراثهم وأصالتهم، ويفتخرون بتراث وأدب وفكر الغير من الأمم الأخرى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :722  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 461 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.