شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري (6)
لقد احتُفل، أخيراً، بالشاعرة الرائدة نازك الملائكة، بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر، وقد وصف النقاد ديوانها (شظايا ورماد) الصادر عام 1949م، بأنه من أبرز التجارب المؤسسة في حقل الشعر الحديث (1) . وانطلاقاً من هذا فإنه يحق لنا أن نحتفل بهذه الظاهرة الأدبية التي برزت في تاريخنا الأدبي المعاصر نعني ((حمزة شحاتة)) وكان بروزها أخاذاً ومدهشاً، حتى إن أديباً وناقداً، كبيراً، مثل الأستاذ عزيز ضياء - رحمه الله - لم يمنعه اعتزازه بثقافته وشخصيته الذاتية أن يدون في لحظة صدق، وفي أسلوب فني رائع مشاعر رصفائه من رواد الأدب في بلادنا إزاء شاعرية ((شحاتة))، ونثره، وفكره الذي وصفه بالعمق والتحليل والخروج على المألوف، قائلاً: ((ورصفائي من الشيوخ، هم أصحاب تلك العيون التي أخذتها القمة بشموخها، وهؤلاء الرصفاء، رغم ما طال وامتد من الزمن معاشرة لها، وتفاعلاً مع ما يشبه تفجر الينبوع الثر من عطائها، ليس في الشعر فن، آسر، أخاذ، وليس في النثر درر ولآلىء فحسب، وإنما في الفكر غواص في الأعمال في أبعد الآفاق، ومتمرد على المألوف والتقليدي والمتبع ما وصفه محبوه قبل شانئيه بأنه لا يطاق)) (2) .
ويرى (شيخ النقاد الأكاديميين) في بلادنا الناقد الأستاذ الدكتور منصور بن إبراهيم الحازمي - الذي عرف أسرار الحياة الشعبية في مكة المكرمة من خلال سكنى أسرته العريقة في جرول، كما عرف آباء وأجداد له من قبل أسرار الحياة الجميلة والممتعة في (لاب) بالخيف على طريق مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن الأستاذ (عزيز) كان يلقي الأسئلة في حميمية ودفء عن شخصية (شحاتة) المدهشة ولكنه يتعمد عدم الإجابة عن هذه الأسئلة، وربما كان للأسلوب القصصي الجميل الذي استخدمه الأستاذ (عزيز) في حديثه عن شخصية (شحاتة) وراء جعل القارىء يلهث خلف إجابات ليس من السهولة الوصول إليها ولعلها تحتاج إلى كثير عناء قبل بلوغها... يقول الناقد الحازمي: ((والحقيقة أن موقف ((عزيز ضياء))، من ((حمزة شحاتة)) هو موقف المنبهر... المندهش، الذي تتساءل - دوماً - ويمتنع عن التفسير أو الإجابة، ولا أظنه عاجزاً عن ذلك، ولكنه يتعمد إثارة فضول القارىء ويشركه معه في الإعجاب والدهشة، بدله... فقط، على موطن التميز والتفرد، ويتركه فاغراً فاه أمام تلك الشخصية العملاقة المستحوذة، ولا أشك في صدق عزيز ضياء حين يحدثنا عن دهشته وإعجابه، فهناك الكثيرون الذين دهشوا وأعجبوا - مثله - بحمزة شحاتة في حياته وبعد مماته، ولكنني أتكلم هنا عن الفن أو طريقة التناول)). ويرى الدكتور الحازمي أن الذين سيتصدون لدراسة (شحاتة) في المستقبل، سوف يجدون الطريق أمامهم ممهداً. ولكنه يشير - كناقد أكاديمي - بأنه ربما أزيح النقاب عن الأسطورة فغدت واقعاً مألوفاً ولكن كيف يكون للحياة نكهة بدون غموض فطري أو أسطورة يلعب الخيال كثيراً في تزويقها، وإضفاء صفات الغرابة عليها؟‍!
ولننظر إلى أستاذنا الحازمي، وهو يرسم معالم الطريق أمام دراسة نقدية وموضوعية عن شحاتة وأدبه:( (ومن يتوافر على دراسة - حمزة شحاتة - في المستقبل سيفيد كثيراً مما كتبه عزيز ضياء، ولكن لن تتاح له دفء كلماته، وفنية لمساته، ووقد حماسه. سيضطر إلى إخضاع الحالة للتشريح والتحليل، في موضوعية باردة، مليئة بالهوامش والتعليقات، ولكنه سيجيب عن كثير من الأسئلة التي ظلت عالقة في ذهن ((ضياء)) دون إجابة لا عن عجز - كما أشرنا - بل عن أشفاق أن تغتال تلك الصورة الأثيرة القديمة التي تطل عليه من وراء السنين في كبرياء وصمت (3) .
وفي العبارات التالية التي سوف نتابع من خلالها ما بدأناه من قراءة نقدية في البيان الشعري للرائد شحاتة من خلال دراسة المقدمة النقدية المتميزة التي كتبها شحاتة لكتاب لا يضم شيئاً من إنتاجه الشعري أو النثري، وكان ذلك قبل ما يقرب من نصف قرن من الزمن. في هذه العبارات يحدد (شحاتة) دور الشاعر في الحياة، ويراه دوراً مختلفاً عن الأدوار جميعها، ولكن هذا الدور لا يتحقق إلا عندما يكون قد تهيأت له - أي للشاعر - دواعي التمكن وأسباب القدرة، وهي في رأيه الانفعال لتصويره والتحليق من خلاله في عوالم الفتنة والجمال. وهذه العوالم هي التي طبعت شخصية شحاتة بدءاً من قامته الفارعة ومروراً بلباسه الأنيق، وانتهاء بقدرته على توليد الأنغام من بين أنامله وحلاوة حديثه التي جعلته من أبرز المتحدثين في عصره. وقد أقر له بهذا المرحوم الأستاذ حسن بن عبد الله آل الشيخ الذي رثاه بكلمة بعد وفاته في مطلع التسعينيات الهجرية أتذكر منها بعد مرور ما يقرب من حوالي ثلاثين عاماً على هذا الحديث: ((لقد كان حمزة شحاتة من أبرز المتحدثين الذين سمعتهم على الإطلاق، وكنت أستمع إليه أكثر مما أحدثه)).
تقول عبارة شحاتة مصورة الشاعر، ودوره، وطرق أداء هذا الدور الفاعل والمؤثر في الحياة: ((والناس أفلا يحبون ويتألمون، ويحسون، ويصفون الشاعر ويستثير بعضهم بعضاً، ويفكرون ويحللون، ويتنادرون ويتمثلون الأمثال والحكم. على نحو لا يختلف إلا باختلاف صيغ الكلام وأساليبه؟؟ فما حاجتهم - إذن - إلى الشعر والشاعر إن لم يكن أسلوبه في العرض والتركيب، والتلوين والتصوير، واستخدام الخيال، والتصرف بعناصر الجمال تعقيداً... وتبسيطاً، وتوليداً، جاعلاً لكل ما يعرفون ويحسون أبعاداً وصوراً وفتنة أعمق وأغنى وأحفل ببواعث التأثير وهكذا فما حاجتهم إلى النجّار والبنّاء؟؟ أفلا يسع أحدهم، أو يسعهم بالتعاون والاشتراك أن يصنعوا من الحجر والخشب ما يشاءون على النحو الممكن ومعناه المقصود؟)) (4) .
وهذه الأبيات من قصيدة (الحياة) للشاعر (حمزة شحاتة) - رحمه الله - والتي تذكرنا بالشاعر الحكيم أبي العلاء المعري - رحمه الله -:
أيّها الكادح الذي اتخذ الوع
ر سبيلاً إلى السعادة رفقاً
هي وهم مجدد أنت منه
في نضال، به تنوء وتشقى
وهي لغز تمضي الحياة ولا تك
شف عنه الظنون خرقاً ورتقاً
كم سرينا على سناها حيارى
نركب الوعر والعواصف خرقاً
وانتشينا بها خيالاً من الرا
حة أحنى مهدا، وأنضر أفقاً
فإذا نحن في كفاح مرير
بين سارٍ على الكلال، وملقى
* * *
قل لمن يبتغي المذلّة بالصّب
ر عليها قد ارتضيت الأشقا
إنّما الصبر، والمنيّة غيب
أن تخوض الغمار غير موقى
كم نجا من كريهة مستميت
وأصابت سهامها من توقى
حكمة أن تصان بالصبر والذّ
ل حياة لو أن حيًّا سيبقى
غير أن البقاء أحبولة المو
ت أقيمت لنا، نسوراً وورقا
شرب النّاس بالرّذيلة صفوا
وشربنا على الفضيلة رنقاً
قال لي صاحبي على الفوز مرحى
ولو استشعر القلى قال: سحقا
لا يسرن حالم بمناه
فمساري الأحلام أخطر طرقا
ولقد يعجل السليم فيقضي
ولقد ينهض السقيم فيبقى
 
طباعة

تعليق

 القراءات :785  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 270 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .