شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أشجان الشامية (3)
تنحدر خطواتنا من (الفلق) إلى (الشامية).. في الطريق يحدثني - رحمه الله - عن أصحاب الدور المفتوحة أبوابها. هذا منزل صديقي الشيخ إبراهيم خوج، أما ذلك الرجل الذي يجلس منفرداً فهو السيد علي برقه على اليمين تقوم دار يؤمها الناس من جميع الأحياء.. تلك دار الشيخ زيني حسن آشي - رحمه الله - أحد وجهاء مكة ورجالاتها وأبناؤه حسن وأحمد أمد الله في عمريهما. هناك شاهدت لأول مرة الشيخ إبراهيم سليم رحمه الله وثلة من الرجال أمثال حسين بوقس وعلي مختار ومحمد خياط وعباس بشاوري وصالح عاشور وحمزة قزاز ورشاد نقيب وعبد الرحمن أبو راشد رحمه الله. وهذا الأخير كان طلعة بين أنداده، حديثه عذب وشكله أنيق لا تقوم مناسبة في الشامية إلا وتراه مشاركاً فيها. كان شبيهاً بـ (اليابا رجب) في المسفلة، الأنيس أبو راشد انسلَّ من هذه الدنيا في هدوء، واحد من الرجال الذين لا تفارق صورهم ذاكرتي.. وكيف يُنسى رجالٌ صنعوا المعروف بين الناس ونشروا كلماً طيباً في مجتمعاتهم؟!
سألت نفسي قبل شهور أين ذهب الجمع؟ كيف انطفأ النور في المجلس؟ كيف أوصد الباب؟ أين غابت الوجوه؟ ولماذا خلت الساحة؟ إن كنت تحر - يا صديقي - جواباً فأجبني، وإن كنت مثلي أعياك السؤال فردد معي قول الشاعر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامرُ
وتصعد خطواتنا - أنا وهو - ذلك الجبل الذي ينتصب حاجزاً بين حارتي (الشامية) و(الشبيكة)، إنه جبل عادي. ففي أعلى الجبل كانت تقوم دار الشيخ أحمد استك - رحمه الله - يلتفت إلي الشيخ ((البصنوي)) رحمه الله قائلاً: كنا في شبابنا أربعة: الغزاوي والحُريي، والاستك والبصنوي نأكل سوية، وننام سوية، ونسري في الليل سوية. ثم يعلق رحمه الله. طوال عمري لم اعتد على أحد ولم يعتد علي أحد. أصمت فأنا أعلم ذلك وسمعته من أنداده، ولكنني أعلم أن محدثي كان شجاعاً، وكان الشباب في الحي إذا رأوه قادماً للحلقة تهامسوا فيما بينهم، وسمعت أحدهم يقول ذات يوم: إننا لا نجرؤ على الحديث معه ولكننا نومئ إليه فقط.
ولقد رأيت الرجل في فرحه وحزنه، وغضبه ورضاه، رأيته منفرداً، وفي الجمع، وفي الشامية وخارجها، فلم أسمع كلمة السوء تجري على لسانه، ولم أر الغضب يحمله على الانتقاص من حق الآخرين، وكان العجب يستبد بي من حلمه وسعة صدره وكان يؤم مجلس الناس على مختلف مشاربهم، وأذواقهم، ثم ينصرفون وقد استجاب - رحمه الله - لمطالبهم جميعاً. كان يطلب الدعاء من الأرامل والشيوخ. وكان يداعب الصغار بعبارات الحب والوداد، وكان يقول لذوي الحاجة من الفقراء والمساكين: هل أنتم راضون عنا؟ ويوم شيعناه إلى مثواه الأخير.. سمعت رجلاً يجهش بالبكاء ويقول: ترى مَن للفقراء ولأصحاب الحاجة بعدك يا أبا محمد؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :895  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.