شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تمهيد
لم يكن هذا العمل الأدبي المتواضع والذي استقر بين يدي القارئ على هذا الشكل، وليد عوامل طارئة دفعت بي إلى كتابته، ولكنه يبرز بعض تلك الصور التي اختزنتها الذاكرة منذ عهد الطفولة ويفاعة الشباب، وهو أيضاً تلك الأحاسيس التي تكوّنت بمرور الأيام عن بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم وخصوصاً عن ذلك الحي العتيق الذي كانت تطل عليه منائر المسجد النبوي، وتشع على أحيائه أنوار الروضة الشريفة، لطالما تنقلت بين أزقته ومكثت في دوره، وخالطت القوم من أهله، في هذا الحي ((الحارة)) رأيت خدم المسجد الشريف بهيئاتهم المتميزة يمسكون العصي بيد ويواسون الناس بيد أخرى. وفيه حملت ((الدَّورق)) بين يدي، ينسكب ماؤه العذب في فمي وتلامس وجهي تلك النسمات الباردة المنبعثة من أرض ((السبيل)) وجدرانه التي تتراص على جنباتها، وبطريقة منظمة، تلك الدوارق المصنوعة من تراب الأرض الطيبة.
في الحارة كنت أنصت للأذان يرتفع من المنارة ((الرئيسة))، يأتيني الصوت ندياً، يلامس وجداناتي ويبعث صوراً من الذكريات عن تلك العصور التي شهدت انطلاقة الإِسلام من هذه الأرض، فلطالما أَذَّنَ سيدنا بلال من فوق هذا المسجد الطاهر، ولطالما رتل فيه آيات الكتاب الحكيم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمثال عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري وسالم مولى أبي حذيفة - رضوان الله عليهم أجمعين.
عرفت ((الحارة)) و ((سويقة)) و ((المناخة)) و ((باب المَصْري)) وعِشْتُ ردحاً من الزمن أستمع إلى صفوة القوم من أصدقاء والدي - رحمه الله - يتحدثون أحاديث فيها الكثير من تلك الحكم والمواعظ التي تربي العقول وفيها أيضاً من الطرائف التي تروح عن النفوس وتدفع عنها الملل ودواعيه، وإنني في هذه الصور الأدبية التي ضمها هذا الكتاب مدين لوالدي الذي سمعت منه الكثير ولم أحفظ عنه إلا القليل، وهذه الصور لا أتطلع من ورائها إلى تدوين التاريخ ورصد الحوادث فكتابة التاريخ بمعناه الاصطلاحي شيء غير هذا الذي يجده القارئ في فصول هذا الكتاب، وهي ليست بالقصة أو الرواية، فللكتابة القصصية ملامحها الأساسية التي لا يتوافر بعضها في هذا العمل، ولكنها تستعير من القصة والرواية ملمحاً هاماً وهو ((السَّرد))، ومن هنا جاءت محاولة البعض لتصنيفها ضمن الأعمال القصصية.
إنه عمل يقف في منتصف الطريق بين التاريخ والعمل الروائي، ولم أجد عبارة تكاد تنطبق عليه أكثر دقة من (صورة أدبية) ولهذا فليعذرني البعض الذي كان يظن أنني أؤرخ للمدينة. وتساءل البعض لماذا ذكرت أناساً وأهملت آخرين؟ فالناس عندي جميعاً سواء، وإنني لأحمل بين جنبات نفسي لهذه المدينة وأهلها ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق جيرانه من صون ورعاية وتقدير، إنني يا عزيزي - القارئ - كنت مثل من يحمل آلة تصوير فيصور ما تقع عليه عيناه دون أن يعي لماذا وقف هنا ولم يقف هناك؟ ولم يدرك بواعث الإِغراء التي حملته على التقاط صورة دون أخرى، وأعترف أنني عجزت عن التقاط صور عديدة، فقدرة الكلمة على التصوير صعبة جداً وقد تَصِلُ أحياناً إلى ما يمكن وصفه بالاستعصاء أو الاستحالة، وما دمت قد اعترفت بالعجز فأسأل الله أن يثيبني إِنْ أصبت ويعفو عني إن أخطأت - بغير قصد وتعمد.
لم أكن بشخصي الضعيف - من يعزى له هذا العمل المتواضع، ولكن هناك بعد الله رجال وأخوة كرام يدين لهم صاحب هذه السطور - التي لم يكن وراءها دافع إلا حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم - فأنا مدين للشيخين الكريمين جميل شيناوي وعبد الله كامل ومعهما معالي الدكتور محمد عبده يماني بمشاعرهم الإيجابية تجاه هذا العمل. وكانت هذه المشاعر حافزاً قوياً وراء الإِقدام على نشره، كما كان للخطوة الرائدة التي أقدم عليها معالي الأستاذ أحمد زكي يماني، وهي تفضله - رعاه الله - بإهدائي مجموعة صور نادرة عن حارة الأغوات والتي تمثل نمط البناء والعمارة في عُصُور الإِسلام الأولى، وهذه المجموعة هي من مقتنيات السيد الفاضل المهندس سامي محسن عنقاوي - الذي ينفق جل وقته في الاهتمام بتراث هذه الأرض الطيبة، فلأبي هاني وللسيد العنقاوي خالص الشكر سائلاً الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتهم. أما صحيفة (المدينة) إدارةً وتَحْريراً فقد كانت الأرض الخصبة التي شهدت ولادة هذا العمل ورعته حتى شب واكتمل. ولا شك أن لملحق الأربعاء والعاملين فيه دوراً إيجابياً ومثالياً في الوقت نفسه في التعامل بروح إنسانية رائعة مع كاتب هذه السطور، وأود أن أشيد بتلك المشاعر الأخوية الفياضة التي غمرني بها زميل الصبا ورفيق الدرب الأستاذ محمد إبراهيم عبد الستار - وفقه الله.
أما الإِخوة الكرام والزملاء الأفاضل الأستاذ محمد صلاح الدين، والدكاترة: عصام فيلالي، جميل محمود مغربي، محمد خضر عريف، راكان حبيب، حسن باحفظ الله فقد لمست أن هذا العمل يعنيهم كما يعنيني شخصياً وتلك سلوكيات نادرة وأخلاق كريمة تعزي الإِنسان في زمن أضحت فيه النفس أحوج ما تكون إلى معاضدة الإِخوان ومشاركتهم الوجدانية.
ولا بد لي أن أتوقف عند دور صديقي معالي الأستاذ الدكتور غازي عبيد مدني مدير جامعة الملك عبد العزيز السابق الذي كان بتفضله بكتابة مقدمة هذا العمل، يرعى ذلك الود الذي كان قائماً بين آبائنا في بلد الرسول صلى الله عليه وسلم وكم كنت سعيداً أن تكون السطور الأولى في هذا الكتاب هي من نتاج هذا القلم النظيف نظافة صاحبه وطهارة سلوكه وكريم نسبه، ولن أنسى ثلة كريمة من القراء الذين كان لاستفساراتهم، وتعليقاتهم وتصحيحاتهم أيضاً دور رئيسي في أن يحتفظ هذا العمل بزخمه الخاص المتمثل في تلك الصلة الإِيجابية وذلك التعاطف الذي يتحقق بين القارئ والكاتب وذلك من أهم أسس العملية الأدبية التي لن تحقق غرضها من دون مشاركة هذا القارئ مشاركة فعّالة في إنتاج العمل الأدبي، ولعلّي أكون قد نسيت في غمرة المشاعل العديدة بعضاً من الأسماء التي لم تألُ جهداً في تقييم هذا العمل أو التعبير عن فرحتها به، فلها من العبد الفقير إلى مولاه كل شكر وتقدير، وصلى الله على سيد الخلق وصفوة البشر محمد بن عبد الله وآله وصحبه وسلم.
جدة: 17/11/1412هـ.
عاصم حمدان علي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :781  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج