شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تقديم
بقلم: الأستاذ الدكتور غازي عبيد مدني (1)
المدينة المنورة، طيبة، المسكينة، و..، تعددت وكثرت مسمياتها. وقد درج العرب على الإِكثار من الأسماء لمن أو لما يُعظّمون.
المدينة المنورة ضاربة في أعماق التاريخ، تكاد حجارتها تنطق فتروي المجهول من التاريخ، وتصحح المغلوط منه. تاريخها هو التاريخ نفسه من قبل العرب العاربة وأيامهم وبعدهم.
المدينة المنورة زهت على جميع مدن الأرض، واكتسبت تقديساً وشرفاً وفخراً بهجرة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وإقامته ومن ثم مثواه. هاته الخصيصة أكسبتها منزلة في قلوب المسلمين ستظل تعيش ما ظل المسلمون يَعْمُرون الأرض.
المدينة المنورة تهفو قلوب المسلمين إليها دائماً وأبداً، فما بالنا بمن يسعده الحظ بالعيش على أرضها، يَتَنَسَّمُ هواءها يتغذى دمه وعظمه من مُنْتَجِ أرضها ولا غرابة أن نجد الدكتور عاصم حمدان، وقد فتح عينيه على خُلُقِ وأدب طيبة الطيبة أن تظل في خاطره لا ينساها بل يقول لنا أن لن ينساه.
لماذا حارة الأغوات؟!
المدينة، أي مدينة، في الفكر الإِسلامي وتبعاً لما يهدف إليه الإِسلام ذات صورة واضحة ومميزة. الصلاة هي المحور الذي يدور حوله كل شيء، والصلاة تقام في المسجد، فالمسجد، بذلك هو مركز المدينة. كل شيء يلتف حوله، وكل الطرق تؤدي إليه. وطيبة، المدينة المنورة تجسيد للفهم الإِسلامي في هندسة المدن، وفي جعل الناس يتمحورون حول مركز واحد يجمعهم كل يوم وليلة.
الحرم النبوي الشريف يخدمه فئة من الناس نذروا أنفسهم، ومنذ نعومة أظافرهم نذرهم آباؤهم وما انفكوا كذلك إلى عهد قريب يطلق عليهم مُسمَّى الأغوات. وهم ولوقوفهم على خدمة الحرم الشريف تكون سكناهم حوله وبالقرب منه. فلا يصبح ولا يمسي أحد يسعى إلى الحرم إلا ماراً بدارهم أو بالقرب منها. فسميت المنطقة بكاملها التي تجاور الحرم الشريف بمنطقة الأغوات تكريماً لهم.
كل من عاش في المدينة تنسم عبير حارة الأغوات. فهو لا بد من أن يعود إلى بيته وفي الحالتين يمر بأروقة منطقة الأغوات. من سكن ومن زار المدينة المنورة تظل صورة تلكم المنطقة في مشاعره لا ينساها ولا يريدُ أن ينساها.
أبناء المدينة المنورة، وخاصة في المرحلتين المتوسطة والثانوية، - كما نشأ الدكتور عاصم حمدان - كانوا يداومون على ارتياد المسجد ليس للصلاة فقط بل للاستذكار ورؤية بعضهم بعضاً بل وأحياناً مراجعة أساتذتهم.
* * *
تاريخ أم ذكريات؟
الصورة هي الحقيقة، وهي لا تعرف الكذب لأنها تعكس المُصَوَّرْ إنساناً أو حيواناً، أو جماداً. فالصورة تعرفنا بذلك الشيء المصور، وإذا كانت صادقة فإنها ترينا الحقيقة وكأنها ماثلة أمامنا. هذا العمل الذي يقدمه الدكتور عاصم حمدان يقدم صورة تنقل مشاعر القارئ إلى روعة الماضي.
الصورة يمكن أن تكون تاريخاً إذا صَوَّرتْ حدثاً أو أحداثاً مع متابعة تسلسل ذلك الحدث؛ ويمكن أن تكون محاولة لفهم دوافع وفلسفة ذلك الحدث. في كل من الحالتين تصبح الصورة تاريخاً. ولن يغيب عن فطنة القارئ أن الدكتور عاصم حمدان لا يؤرخ للمدينة أو لحارة الأغوات.
الصورة التي يقدمها الكاتب، أيضاً، ليست ترجمة لأفراد أو عائلات وقد أحسن صنعاً في تجنب هذا الخصم. ولا شك أن هناك عوائل وأفراداً لم يأت على ذكرهم، ولا أخال هؤلاء يفهمون أن هذا إهمالٌ من الكاتب أو إقلالٌ من شأنهم، لأن الكاتب، وببساطة لم يهدف إلى التاريخ.
الصورة التي أمامنا تعكس ذكريات وهي بذلك يحكمها ويحدد إطارها وتفاصيلها ثلاثة عوامل: عامل زمني، وعامل مكاني، وعامل ثقافي. العامل الزمني تحدده الفترة التي بدأ الكاتب يفتح عينيه فيها على الحياة، فانطبعت في ذهنه ذكريات رسخت في أعماقه، وتأثرت بها شخصيته. أما العامل المكاني فإن إطاره منطقة واحدة هي حارة الأغوات، بل بعض من الحارة، العامل الثقافي تحكمهُ النشأة الدينية والخُلُقِية التي نشأ عليها الكاتب وأثرت في نظرته للحيلة وللناس.
هذه العوامل الثلاثة تظهر بجلاء في هذه الصور الأدبية مكوّنة في مجموعها لوحة فنية اجتماعية ترسم ذكرى حارة الأغوات. الكاتب ينتقل بك من مخبز ((عم حجازي)) وفرن ((وحيدة)) (وحيدة سيدة هاجرت من صعيد مصر وافتتحت مخبزاً، وكانت تقف بنفسها تخبز عيش الحَب. وكان لها ولد وبنت. توفيت البنت وهي لم تبلغ الشباب بعد، وكان لوفاتها رنة حزن في جميع أنحاء الحارة)).. إلى صديقه الذي كان مثلاً للخلق والدين، الدنيا لديه لا تساوي شَرْوَى نَقِير، يود كثير من الناس لو يكونون أصدقاءً له. ثم ينتقل بك إلى المؤذن وهو يرفع صوته الجميل بالأذان إلى الصلاة والناس في خشوع تعرج أفكارهم ملكوت السموات والأرض. حقاً الله أكبر ولا إله إلا الله.
جميع الصور في اللوحة يُلْبِسُها الكاتب ثوباً رقيقاً من الدَّعة والسكينة، كأن كل شيء من تلك الحارة وقد تَهَذَّبَ شكلاً وضميراً. ولم لا؟! إنَّه بقرب مَثَوى ذي الخلق العظيم الهادي البشير عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
أرجو أن يجد القارئ مُتعة في استعراض هذه الصور الأدبية، فسوف يعيش فيها كما لو كان آتياً أو رائحاً في دروب حارة الأغوات.
وأخيراً أشكر الصديق الزميل الدكتور عاصم حمدان الذي أَوْلاَني ثقته في كتابة هذه المقدمة وأرجو أن أكون قد أديت جُزءاً مِمَّا كان يأمل.
وبالله التوفيق
غازي عبيد مدني
20/11/1412هـ
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :903  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.