يا مَنْ دَرَجْتَ عَلَى اللِّذَّاتِ واللَّعِبِ |
وما ظَفِرْتَ بِغَيْرِ الشَّيْنِ والغَضَبِ |
ضَيَّعْتَ عُمْرَكَ يا مَفْتونُ مُلتَهِياً |
تُعاقِرُ الكَأْسَ في جَوٍّ مِنَ الصَّخَبِ |
ها أنْتَ أَفْرَطْتَ في التَّهْويم مُنْخَدِعاً |
تلهو مع الصَّحْبِ في شَدْوٍ وفي طَرَبِ |
فَحَاذِرِ اليَوْمَ لا تُجْدي مُلاعَبَةٌ |
واسْتَلْهِمِ النُّورَ في الأَعْمَاقِ عَنْ كَثَبِ |
فالخَيْرُ كَالنُّورِ يَجْلو نَفْسَ صَاحِبهِ |
جَلْوَ الضِّيَاءِ بِلَيْلٍ مُعْتِمٍ كَئِبِ |
والنَّفْسُ كالمُهْرِ إن لم تَرْعَهَا جَمَحَتْ |
واختارتِ اللَّهْوَ والإِسْرَافَ في اللَّعبِ |
نَقِّ الضَّمِيرَ مِنَ الأَدْرَانِ واغْسِلْهُ |
حَتَّى تَفِئَ إلَى ظِلٍّ مِنَ الرَّهَبِ |
وتَهْجُرَ الغيَّ في عَزْمٍ وَتَبْصِرَةٍ |
لا تُحْكَمَنَّ بنَزْعِ النفسِ والرَّغَبِ |
واسْتَنْبِضِ الحِسَّ إِيمَانَاً وتَزْكِيَةً |
تَحَسِّس النَّفْسَ بِالإِصْفَاءِ في الوَجَبِ |
ولْتَحْزِمِ الأَمْرَ في هَجْرٍ لما اقْتَرَفَتْ |
يَداكِ بالأَمْسِ مِنْ فُحْشٍ ومن عَطَبِ |
وما تبقَّى من الأيَّامِ تَبْذُلُهُ |
في ساحةِ الخَيْرِ إِسْعَادَاً لِمُكْتَربِ |
فليس مِثْلُ رَوابي الخَيْرِ مُنْتَجَعاً |
يَأْوي إِليهِ ذَوو الأَحْسَابِ والنَّسَبِ |
ـ رَمَضَانُ ـ أَقْبَلَ والأَجْوَاءُ عَاطِرةٌ |
تَصْفو بِهِ النَّفْسُ في حُبٍّ وفي حَدَبِ |
يَنْثُو عَبِيرَاً مِن الإيمَانِ مَوْرِدُهُ |
يَنْدَى به القَلْبُ أَنْفَاسَاً مِنَ الطِّيَبِ |
يَرْفَضُّ بالخَيْرِ نَبْعَاً لا يُخُالِطُهُ |
نَزْوُ الغَوايَةِ أَوْ إِسْقَاطُ مُنْقَلَبِ |
روِّضْ فؤادَكَ بالأَذْكَارِ واشْغِلْهُ |
واستخلصنَّ رفيقَ الخَيْرِ في الصُّحُبِ |
حتى ترى النَّفْسَ كالأنداءِ طاهرةً |
تَشِفُّ كالنُّورِ كالإرْواءِ.. كالسُّحُبِ |
فالخيرُ في الناسِ ما دامتْ غرائزُهُمْ |
تسمو على الذُّلِ.. والأَحْقَادِ.. والشَّغَبِ |
يكفيكَ يا غرُّ ما أَدْلَجْتَ في عَمَهٍ |
وما اكتَنَزْتَ مِنَ الأموالِ والذَّهبِ |
يا مَن تَصُولُ على أَدْرَاجِهَا صَلِفاً |
فُتِنْتَ بِالجَاهِ.. والأَهْلِينَ والنَّشَبِ |
هَلْ غَرَّكَ المَالُ في دُنْيَا مُغَلَّفَةٍ |
بِالزُّورِ بالسَّقْطِ.. بالبُهْتَانِ بالكَذِبِ |
إِنْ كُنْتَ تَرْجو مِنَ الأيَّامِ طائِلَةً |
فَسَاحَةُ الخَيْرِ أَبْوَابٌ بِلا حُجُبِ |
لا تُفْرِطِ التِّيهَ والإِبْعَادَ عن مَلَلٍ |
فما يَمَلُّ ـ كريمُ الأَصْلِ والحَسَبِ |
إن شاغَلَتْك هُمُومُ النَّاسِ في طَلَبٍ |
فَاقْنَتْ إلى اللَّهِ إِذْ أَصْفَاكَ للِطَلبِ |
فالحبُّ للناسِ حُبٌّ لا يُعَادِلُهُ |
حُبُّ المُدَامَةِ للغاوينَ في الشُّرَبِ |
من يَتَّقِ اللَّه في الأَعْمَاقِ مُتَّجِهَاً |
إِلى الإِله سَيَرْقى عَالِي الرُّتَبِ |
حتى يَفيءَ بِهَدْيِ الدِّين مُجْتَلِياً |
مِنْ هَدْي ـ أَحْمَدَ ـ نُوَراً حَالِمَ الوَطَبِ |
فَهَلْ تُراهُ مُصِيخَاً أمْ بِهِ صَمَمٌ؟ |
يُجَاوِزُ النُّصْحَ بالإِيغَالِ في الرِّيَبِ؟ |
ويَفْرِشُ الأَرْضَ بِالأحْلاَمِ زَاهِيَةً |
يَغُرُّهُ الحُلْمُ في زَهْوٍ وفي عَجَبِ |
ويجتلي الزَّيْفَ في نَفْسٍ تخادعُهُ |
فالنفسُ تَخْدَع مِثْلُ الآلِ.. بالخَلَبِ |
أَمْ هَلْ تُرَاهُ يَفيقُ بِصَحْوَةٍ خَلُصَتْ |
من الرَّذَائِلِ والإكْبَابِ في الوَصَبِ |
فَيَحْطِمَ الكِبْرَ في أَعْمَاقِهِ فَزِعاً |
حَيْثُ الفَضِيلَةُ إِشْرَاقٌ بِلا وَجَبِ |
يَسْمو إِلى الخَيْرِ في أَعْطَافِهِ وَلهٌ |
يَشِفُّ بِالحُبِّ والإِسْعَادِ في النُّوَبِ |
ويَلْتَأُ الصَّوْلَ في عَزْمٍ يُنَاهِضُهُ |
حَتَّى يَعُودَ رَقيقَ الحِسِّ والأَدَبِ |
فَيَنْهَلَ الحَقَّ شَلاَّلاً بِخَافِقِهِ |
ويَلْجِمَ النَّفْسَ إذْعَانَاً لِمُجْتَنِبِ |
ذَاكُمْ لعَمْرِيَ إحْسَاسٌ لِمَنْ جَنَحَتْ |
مِنْهُ المَطِيَّةُ إرْقَالاً إلى الثَّلَبِ |