شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حوار الذات أم الحوار مع الآخر؟
يكثر أصحاب الكلمة في بلادنا من ترديد عبارة أو لازمة الحوار مع الآخر، ويقصدون به (الغرب) تحديداً، ويلاحظ بعد الحملة الغربية - المنفلتة من أي ضوابط - على العرب ودينهم وتراثهم وعاداتهم وقيمهم، أن هناك تزاحماً إن لم يكن ضجيجاً حول الاحتماء بهذه المظلة المستحدثة حتى وإن كان البعض لا يؤمن في أعماق نفسه بهذا الآخر ولا يرى في حضارته إلا الجوانب المظلمة أو السيئة، مع أن فئات أو تيارات أخرى في المجتمعات العربية لا يستهويها في الغرب إلا ذلك الانفلات الأخلاقي المتمثل في نوادي الليل المؤججة لنيران الجموح والموقظة لجوانب الضعف في النفس الإنسانية.
وإن هذا البعض ليشد الرحال ويتحمل الباهظ من النفقات - وربما كان ذلك على حساب أسرته وأولاده وأقرب الناس إليه بحكم المسؤولية المباشرة عنهم - حتى تتحقق أحلامه الوردية وكأن الغرب بالنسبة إلى هؤلاء يمثل حلماً رومانسياً لقتل الوقت دون الالتفات بجدية إلى العوامل الحقيقية التي كانت وراء بروز ذلك الجانب الإيجابي والعملي في حضارة الغرب المعاصرة.
لقد عرفت عصور الإسلام بروز عدد من الفرق الإسلامية التي كانت لها أخطاؤها أو اجتهاداتها التي أخطأت فيها، ومع هذا فإن أئمة المسلمين وعلماءهم كانوا أبعد ما يكونون عن تكفير من يخالفهم الرأي، ولهذا لم يزد الخليفة الرابع سيدنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في وصف فرقة الخوارج عن القول المنضبط (هم إخواننا بغوا وخرجوا علينا) ورفض رميهم بالكفر والنفاق، ولقد روى علماء السنة النبوية عن أحد كبار علماء (المعتزلة) وهو عمرو بن عبيد - رحمه الله - وقال فيه الخليفة أبو جعفر المنصور واصفاً ورعه وتقواه بالقول المأثور (كلكم طالب صيد إلا عمرو بن عبيد).
وحدد علماء الأمة أيضاً الشروط التي يمكن من خلالها إطلاق صفة الزندقة حتى لا يستسهل الناس هذا الأمر فيصم بعضهم البعض بهذا الأمر الفظيع، قال الإمام الحجة أبو حامد الغزالي - رحمه الله - في رسالته المعروفة والقيمة (فيصل التفرقة بين الكفر والزندقة) - قال الغزالي - رحمه الله - (وأما الزندقة المطلقة فهو أن تذكر أصل المعاد عقلياً وحسياً وتنكر الصانع للعالم أصلاً ورأساً)، ويحذر هذا العالم الجليل الذي ظهر قبل أقل من ألف عام. فلقد كانت ولادته في مدينة (طوس) بإقليم خراسان عام 450/هـ الموافق عام 1058/م يحذر من القول بالتكفير الذي استسهل أمره بعض طلاب العلم والذين كانت الكتب - وحدها - هي مرجعهم العلمي ولم يجلسوا لأهل العلم حقاً حتى يوضحوا لهم مقاصد الشريعة الإسلامية بعيداً عن هذه الحرفية التي ابتليت بها الأمة في القضايا المتعلقة بشؤون الدين والدنيا - معاً -.
فلقد أوصى الإمام (الغزالي) في الرسالة - نفسها - طلاب العلم بكف ألسنتهم فيما يتصل بموضوع رمي الناس في عقائدهم جهلاً أو ظناً أو استخفافاً واستهانة بالضوابط الشرعية المطلوبة في مثل هذه القضية البالغة الحساسية فنجده - رحمه الله -.
يقول: أما الوصية فأن تكف لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك ما داموا قائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله غير مناقضين لها، والمناقضة تجويزهم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذر أو غير عذر، فإن التكفير فيه خطر، والسكوت لا خطر فيه).
وربط شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بين التحريم وتوافر شروطه والمعرفة الشرعية اللازمة بموانعه وبهذا يكون شيخ الإسلام - رحمه الله - قد أراد من وراء هذا القول عدم التجرؤ على الفتوى لما يترتب على هذا الأمر من مخاطر ومفاسد... يقول شيخنا - رحمه الله - في كتابه القيم (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) (فإن التحريم له أحكام من التأثيم والذنب والعقوبة والفسق وغير ذلك، لكن لها شروط وموانع فقد يكون التحريم ثابتاً، وهذه الأحكام منتفية لفوات شروطها أو وجود مانع أو يكون التحريم منتفياً في حق ذلك الشخص مع ثبوته في حق غيره).
لقد آن الأوان أن نحاور بعضنا البعض على هدى من تراثنا الإسلام المليء بالأمثلة والشواهد الحية والمضيئة على وجوب تمتع أصحاب الأفكار المختلفة بالتسامح وسعة الصدر والحكمة والتعقل والبعد عن التعميم في الأحكام، فإن عدم توافر هذه السمات لدى الذين ينصبون أنفسهم - رعاة أو سدنة - لهذا التوجه أو سواه فيه من الضرر بوحدة الأمة الشيء الكثير وفيه من المساس بكيانها الذي ضعف من الداخل أكثر من ذلك الضعف الذي يسعى أعداء الأمة لإلحاق أضراره بها حتى لا تستطيع أن تتقدم في مسيرتها لتتحمل أعباء المسؤولية التي أنيطت بها من خلال الوحي الإلهي الذي أكرم الله به أمة الإسلام والعروبة، قرآناً يتلى وشرعاً يطبق، وخلقاً رفيعاً وصف الله به نبيه وخاتم رسله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4)، وبعد تحقق هذا المطلب الهام من الحوار البناء الذي أضحى يحتكر هو الآخر لنفسه حق تفسير ما يصلح لنا وما لا يصلح سعياً منه للحفاظ على مصالحه والتمتع بالمزايا الكثيرة والمتقدمة على حساب أصحاب الحق الشرعي، وإن أي حوار مع هذا الآخر يجب أن يركز بكل وضوح على إقصاء تدخله في شأن ما نقبل وما نرفض من قيم الحضارة المعاصرة التي لا تعترف إلا بمبدأ القوة والقهر والبطش وتبقي لمجتمعاتها الغربية حق التمتع بالمزايا الإيجابية الموجودة في هذه الحضارة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :678  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 368 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج