شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قصة العلاقة الحميمة بين حرب وآل حافظ
سررت جداً بالكلمة الصادقة التي سطرها قلم رئيس تحرير صحيفة (المدينة) الغراء الصديق الأستاذ أسامة بن أحمد السباعي في عدد من أعدادها.. وهذه كلمة أكتبها وباعثها الحرص على حقائق التاريخ من التشويه، وإيجاد التآلف والمحبة بين الناس في هذه البلاد المباركة التي تدين بالإسلام شريعة وأخلاقاً وسلوكاً.
أكتبها بعد انتقال والدي - إلى الدار الأخرى - والكل يعلم سواء في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم أو خارجه أنه كان - رحمه الله - مخالطاً لمشائخ (حرب)، عارفاً بعاداتهم. فلقد عاصر الرجال الكرام منهم من أمثال المشائخ: عساف بن جزاء الأحمدي، وابنيه محمد علي وعباس، شاهر بن حمدان محمد بن سليمان الأحمدي، ومنصور الأحمدي، وأبنائهما وخليل العبيري، ومطلق بن شنيف الردادي وأسرته - رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته. كما أنه في حياته كان على صلة بذوي الفضل منهم من أمثال (عبد الرحمن بن خلف بن حذيفة، عائش الأحمدي، ثلاب بن زيد، عقيل الأحمدي، سليمان ونغيمش الأحمدي، خليل العبيري، خالد محمد علي بن عساف وأخوته وغيرهم - أمد الله في حياتهم - وكان مصدر هذه المعرفة الوثيقة هو انتقال الوالد قبل أن يبلغ العشرين من عمره إلى قرية (المسيجيد) وبقاؤه هناك حوالى ثلاثين عاماً وإن كان في خلال هذه الفترة لم ينقطع عن المدينة حيث يقيم أهله وأقاربه. ولقد حدثني أنه عندما أتى السيدان الكريمان (علي وعثمان حافظ) إلى المسيجيد، كان الوالد آنذاك مقيماً بها. ولقد ذكر السيد عثمان في مذكراته طرفاً من ذكرياته مع الوالد هناك، وأن والدي - رحمه الله - الذي لم يزل جسده طرياً في أطهر بقعة، وأشرف منزل في هذه الدنيا، كان يشيد بالسيدين الكريمين ووالدهما المرحوم السيد عبد القادر، ولقد سألته يوماً عن جد هذه الأسرة الكريمة.. فقال لي في كلمات لا تزال ذاكرتي تحتفظ بها: لقد كان سيداً وأي سيد؟ وأضاف: كان الناس يستدينون منه في السوق فلا يحرجهم بسؤال، ولا يضيق عليهم في قضاء، وكنت يوماً في مجلسه (بالزاهدية) فدخل علينا السيدان زهير وسعود حافظ، فذكر السيد زهير أن أخويه (علي وعثمان حافظ) استدانا من والدهما السيد عبد القادر مائة جنيه من الذهب ليستعينا به على إنشاء المدرسة، وأنهما لم يقضيا هذا الدين إلا بعد وفاة والدهما، فأمن والدي - رحمه الله - على قولهما. فكيف يعقل أن يغامر السيدان بما يملكان من متاع، ويفتحان مدرسة في قلب الصحراء. في الوقت الذي كانت فيه المدارس في المدن لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة - كيف يغامران مثل هذه المغامرة إن لم يكن هدفهما هو العمل المجرد لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟
ولم يعرف عن السيدين في حياتهما أنهما أساءا إلى أبناء قبيلة حرب، ولم يذكرا (المسيجيد) وأهله إلا بكل خير، فكيف إذن يمكن لكلمة تورد خطأ أن تجعلنا ننسى ذلك التاريخ المضيء والمشرق للسيدين الكريمين واللذين لا نستطيع أن نحصي مآثرهما في المدينة نفسها وغيرها؟ وحاشا أن يكون غرض السيدين هو التكسب أو الشهرة. فلقد حظي السيدان بمناصب عديدة وكانا يسلكان فيها خير مسلك ويتمتعان فيها بأعظم منقبة.
وعندما علم السيد (علي) في منتصف الثمانينيات الهجرية أنه لا يستطيع تقديم المزيد لرئاسة بلدية المدينة تركها في هدوء، وانسحب من الحياة العامة ليسكن (جدة) ويتفرغ للتأليف العلمي.
وإنني أذكر - تماماً - كيف أن صديقاً لوالدي تعرض في مجلسه - ذات يوم - لآل (حافظ) بما لا يليق، فنهره الوالد وقال له: إنني أعز آل (حافظ) ولا أريد أن يذكرهما أحد بسوء في مجلسي، وفي الوقت - نفسه - كان يشيد بكرم قبلة (حرب) وينثر على أسماعنا أخباراً عن رجالاتها المخلصين، وأهلها الأوفياء، وإذا كنا لا نرضى أن يشوَّه تاريخ السيدين بأي سوء، فلا نرضى أن يذكر أهل (المسيجيد) وأبناؤهم إلا بكل خير يتلاءم مع مقامهم ومنزلتهم الرفيعة.
وما دمت بصدد الحديث عن هذه المدرسة العزيزة على النفس فإنه لا بد من الإشارة إلى رجل أسهم عند إنشائها في تربية النفوس، وتثقيف العقول، وحمل الأمانة العلمية التي حمله إياها مؤسسا المدرسة، أما الأستاذ الرائد فهو الأستاذ (سالم داغستاني) الذي يعترف له أبناء المدرسة جميعاً بالفضل، ويقرون له بالمعروف، لقد خرج (سالم) من المدينة وكان يومها في (رغد) من العيش فهو سليل أسرة علم وفضل، لقد ضحى (سالم) بحياته في المدينة، وخرج (للمسيجيد) يحدوه باعث العلم والواجب الوطني وأخرج معه أسرته من المدينة، وظل هناك سنين عديدة يؤدي واجبه في صمت وهدوء، ثم عاد بعد رحلته تلك إلى الأرض الطيبة، وإنني لا أذكر تماماً، سمته الهادئ وهو يخرج من داره في (دكة الترجمان) بالعنبرية متجهاً صوب (قباء)، ثم يعود لداره قبل حلول الليل، وفجأة يفقد الرجل الفاضل فلذة كبده، فيطوي نفسه على أحزانها ويلزم داره، ولقد حدثته تليفونياً قبل وفاته فكانت كلماته موجزة، ولم أر أن أثقل عليه، فوضعت سماعة التليفون، والدمع ينحدر من عيني على هذا الرائد المتواضع ثم إذا به بعد وقت وجيز يفارق الحياة الدنيا ليستقر في (ربوة البقيع) حيث كان مؤمناً صادقاً ومحبًّا لله ورسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يتطلع أن تكون تربته بجوار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وتابعيه، أنعم بها من تربة، وأكرم به من جوار، والنفوس يا صديقي ظمأى لموارد الحب والوجدان، منابع الرضا والرضوان.
ولقد سمعت والدي بعد وفاته يقول: رحمك الله (يا سالم). ويعقب قائلاً: لئن كان (لآل حافظ) الفضل في إنشاء المدرسة فإن (للداغستاني) الفضل في إدارة المدرسة.
إن لحظة الغضب والانفعال يجب ألا تمنعنا من قول الحقيقة وهذه شهادة أدلي بها، والكل يعلم أن لي في (حرب)خؤولة أعتز بها، وقرابة أتشرف بها، ونسباً لا أتحاشاه.
رحم الله آل حافظ، ورحم الداغستاني، ورحم الرجال الكرام من شيوخ (حرب) ورجالاتها الأفاضل، فلقد كانوا قلباً واحداً، ويداً واحدة، وسوف يظل الحب هو تلك العلاقة التي تربط بين القرية التي نعتز بأهلها أعني (المسيجيد) وإنهم جزء من مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، البلدة التي شع منها نور الهدى، فاستقامت به النفوس وارتوت منه القلوب، وإنهم جميعاً في المدينة وما حولها من ضيع وقرى يجب عليهم أن يتمعنوا في معاني هذا الحديث النبوي الصادق الذي رواه عبد الله بن زيد بن عاصم، لقد قال حبيبي وسيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطباً (الأنصار) بعد موقعة (حنين) بالطائف: ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. انظر، فتح الباري لابن حجر، ج 16 ص 163.
ما أبلغك يا سيدي يا رسول الله وما أكرمك! فلقد جعلت الحوض المكان الذي سوف يلتقي فيها أحبابك وأنصارك بك، فاللَّهم اجعلنا جميعاً منهم، إنك على كل شيء قدير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :904  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 304 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.