شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الصلة بين الأدب والبيئة في تراث الجاحظ والنقد الغربي الحديث
أشار الدكتور جابر عصفور في مقالته عن الرائد المنسي ((أحمد ضيف)) بصحيفة الحياة ((29 جمادى الآخرة، 1421هـ)) أن ((ضيف)) اهتم بمذهب ((سانت بيف))، ومذهب ((هيبوليت تين)) في أهمية الرابط بين الكاتب وبيئته، ولا بد لنا من التعرف بداية على رأي هذين الناقدين الغربيين في هذا الموضوع النقدي الهام.
يقول سانت بيف - وهو من أكثر النقاد الفرنسيين شهرة 1804 - 1869م: ((إن العلاقة بين العمل والمؤلف - بما يكتنفه من ظروف عائلية، وقومية، وحقبة تاريخية، وارتباط تلك الحقبة بالحقب الأخرى، بما يشكل دوائر ذات مركز واحد - أمر ضروري لعملية التقويم التي يقوم بها الناقد)) (انظر: مقالات في النقد الأدبي، د. إبراهيم حمادة، دار المعارف، ص 92).
أما هيبوليت تين (1828 - 1893م)، فقد التزم كما يذكر د. حمادة بمعايير ثلاثة في تحليل العمل الأدبي وتصنيفه، وهي: الجنس، الحاضر، البيئة، أي الشخصية القومية، والعصر أو الحقبة، والظروف الاجتماعية العامة، ويخرج بنتيجة مفادها أن العمل الأدبي في الغالب هو نتاج هذه العوامل مجتمعة.
ولسوف نعرض لنظرية الأديب والناقد العربي عمرو بن بحر الجاحظ، للتنبيه إلى أن ما ذهب إليه نقاد غربيون من أمثال ((سانت بيف)) و ((تين)) في العصر الحديث من ربط بين الأديب وبيئته وجملة العوامل الأخرى المؤثرة في نتاجه الأدبي، هو مما سبق إليه النقاد العرب وفي مقدمتهم محمد بن سلام الجمحي، وعمرو بن بحر الجاحظ، ويرى الناقد العربي الجاحظ الذي عاش في الحقبة الزمنية الممتدة بين سنة 159م - إلى 1255هـ ، بأن الشعر يعتمد على ثلاثة عناصر: الغريزة ((أي الطبع المواتي للشعر)، والبلد ((أي البيئة))، والعرق ((أي الصلة من حيث الدم))، ونص عبارته في هذا الارتباط الوثيق بين الشعر والعناصر المحددة تحديداً دقيقاً، هي: ((وإنما ذلك ((أي قول الشعر)) عن قدر ما قسم الله لهم من الحظوظ والغرائز والبلاد والأعراق)). (انظر: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، د. إحسان عباس، ط 4، 140 - 1983م، ص 96).
وعند المقارنة بين آراء ابن سلام النقدية وآراء الجاحظ الموازية لها من حيث تأثير البيئة في الأدب عامة، نجد أن الجاحظ طور كثيراً هذا المفهوم وتوسع فيه فكانت ((نظرته إلى دواعي الشعر أقدر على تفسير ظواهر أدبية كثيرة، وأشمل من فكرة ابن سلام عن البيئة وأثرها، فاختلف موقف الجاحظ عن موقف ابن سلام من أثر البيئة في الشعر، وخالفه أيضاً في اعتبار مظهر من المظاهر يساعد على كثرة الشعر، أو قلته، وبهذا لم يعتبر الجاحظ أن عاملاً واحداً كالحروب يكفي لإكثار شعر قرية أو قبيلة. (انظر: النقد في العصر الوسيط، د. حسن عبد الله شرف، ط 1984م، ص 160 - 161).
إذا كانت البيئة لها ارتباطها بما يبدعه الفنان أو الأديب وإن إنتاج الأديب لا يمكن تفسيره إلا في ضوء جملة من العوامل ذات الصلة المباشرة بالإنسان، فإن السياق الحضاري والفكري والاجتماعي له هو الآخر أثره في نشأة الفنون الأدبية وتطورها، فبيئة الأندلس بكل خصائصها الحضارية أدت إلى نشأة الموشحات في القرن الخامس الهجري، كما أن شعر التفعيلة في العصر الحديث لا يمكن تفسير نشأة قصيدته الخاصة بلغتها وصورها وإيقاعها الموسيقي بعيداً عما شهدته الأمة العربية من عمليات تحرر من المستعمر الأوروبي البغيض، وتطلع الأمة إلى مستقبل تبنى لبَنَاته على ضوء ما تتطلع إليه المجتمعات العربية - آنذاك - من أهداف وطنية وتطلعات حضارية مستقلة.
وإن كان الباحث س. موريه S. Moreh، يرى في كتابه (الشعر العربي الحديث (Modern, Arabic, (Potery, 1800 – 1970 أن التراث الشعري الأوروبي وخاصة قصائد ت.س. إليوت، كانت وراء عملية التطور الشعري العربي في العصر الحديث، ومع هذا التأثر لا يزال هذا الشعر مرتبطاً بالبيئة العربية في دلالته ورموزه وحتى أساطيره.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :4338  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 305 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج