شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة - 2 -
عامر: يلحق بها قائلاً عودي يا وضحه.. قبل أن تقتلك العاصفة.. عودي..
وضحه: لا تجيب نداءه بل تصرخ ولدي.. ولدي.. ولدي..
(أصوات مبهمة من النساء والأطفال تعلو وتنخفض.. تبدأ العاصفة في الهدوء ويخف هطول المطر فيقول عامر):
عامر: ارجعي يا وضحه.. الريح سكتت.. والمطر توقف.. وسيارة خالد في طريقها إلينا..
(تقف سيارة خالد وقد رأت الجموع الزاحفة التي بهرها نور السيارة فتوقفت هي أيضاً.. ينزل خالد وما أن رأته حتى اندفعت إليه وارتمت على صدره وهي تقول وتبكي):
وضحه: ولدي.. الحمد الله على سلامتك.. الحمد لله..
خالد: لا تبك يا أماه.. إنني بخير.. بخير والله الحمد..
أصوات: إنها دموع الفرح يا خالد..
خالد: والدي.. أهلي وأقاربي.. لقد كلفتم أنفسكم ما لا تطيقون فخاطرتم بأرواحكم في سبيل إنقاذي.. مشكورين.. مشكورين..
عامر: عودي يا وضحه ومن معك قبل أن يفتك بكن البرد..
خالد: خذها يا فرهود ومن معها بالسيارة.. أما أنا فسأمشي مع والدي ومن معه..
الجميع: بورك فيك.. بورك فيك..
(تختلط أهازيج العائدين وفرحتهم نسمع بعدها صوت عامر يقول):
عامر: شب النار يا سعد واطعمها حطبك الكبير وهات القهوة والشاي. وأنت يا حمد عجل بالزاد فقد اجهدنا ضيوفنا واتعبناهم معنا..
الضيف الأول: استغفر الله يا شيخ عامر.. نحن كنا مثلك خائفين على زين الشباب خالد...
الضيف الثاني: الحمد لله الذي نجاه ونجانا معه...
خالد: في الحقيقة مرت بنا ساعة زمان.. الريح تعصف والمطر ينهمر ومسّاحة السيارة من شدة المطر بطلت تشتغل فقررنا الوقوف حيث نحن حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً...
أحد الحاضرين: حقاً أنها مخاطرة ربنا سلمكم من السيول ما جرفتكم مع سيارتكم..
خالد: سائق السيارة اسمه ماهر وهو حقاً ماهر فقد وقف بنا في مكان عال عندما رأى أنه لا يستطيع السير...
عامر: المسلِّم ربنا وقد قدر لكم السلامة والحمد لله...
الجميع: الحمد لله.. الحمد لله..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (خطار) يقول):
خطار: لا حس ولا خبر عن هاني وتوفيق.. أين تراهما الآن؟
جبورة: يقيني أنهما الآن في طريقهما إلى الجهة التي أرسلتهما إليها..
خطار: أخشى أن يكون قد حدث لهما حادث فالسفر بالصحراء مخيف...
جبور: ولكنهما ذهبا مع سائق خبير بالصحراء..
خطار: ليتني ذهبت بنفسي ولم أوكل إليهما المهمة فما حك جلدك مثل ظفرك..
جبور: ولم المجازفة يا خطار والمهمة التي أرسلتهما لها لا تستحق كل هذا الاهتمام..
خطار: ولكنك تعرف أني رجل أعمال وأُحِِبَّ أن أفعل كل شيء بنفسي..
جبور: ولكن الثقة رأس مال رجل الأعمال فهل رأس المال من الليرات والدولارات..
خطار: هذا صحيح.. ولكنهما تأخرا يا جبور..
جبور: الغائب حجته معه يا خطار فاهدأ وضع أعصابك في ثلاجة وثق برجالك تنجح في أعمالك..
خطار: ولكني دخلت في مناقصة وأخشى تأخرهما يضيع عليّ فرصة الحصول عليها..
جبور: فليكن ما يكون.. فقد وهبك الله من المال الكثير فلتأت المناقصة أم لم تأت في (ستين داهيه)
(تصاحب دخول ليلى وهي تقول):
ليلى: بنسوار مسيو جبور..
جبور: قولي مساء الخير يا مدموزيل..
خطار: قولي لعمك مساء الخير فإنه عربي قبل كل شيء وعربي بعد كل شيء.
ليلى: صباح الخير يا أنكل..
جبور: ولماذا أمزجتها بأنكل يا روح عمك..
ليلى: إنها مثل (مدموزيل) يا عماه.. واحدة بواحدة...
جبور: يا سلام ما أشد ذكاءك يا حبيبتي ربنا يحرسك من العين.
خطار: ليلى... ما هو برنامجك ليوم غد يا حبيبتي..
ليلى: غداً الأحد (يا بابي).. أنسيت مشوار الأرز..
خطار: أوه.. والله نسيته تماماً.. ولم أتذكره حتى عندما رأيتك تحملين ما أعددته من أدوات الصيد على فكره يا جبور.. ليلى صيادة ماهرة..
جبور: صيادة غزلان أم عصافير..
ليلى: وأين هي الغزلان يا عم جبور..
جبور: في الصحراء..
ليلى: وهل نحن في الصحراء أم في لبنان وأحراش لبنان..
خطار: إنها صيادة عصافير ماهرة.. فنحن في كل رحلة نرجع بصيد كثير نأكل منه ما نأكل ونهدي منه أصدقاءنا.
جبور: ليتني من الأصدقاء..
خطار: ولكنك كنت في أوروبا يا جبور ولم تعد إلا من أيام. على كل حال حسابك (محسوب) في رحلات الصيد المقبلة...
ليلى: ما رأيك لو تسعدنا بصحبتك في رحلة الغد؟
جبور: حبذا يا بنيتي.. لو لم أكن مرتبطاً بموعد مسبق.. ولكني أرجو ألا أحرم من رحلاتك للصيد مستقبلاً وإني أعد نفسي مدعواً إليها من الآن..
ليلى: بكل تأكيد يا عمّو..
جبور: والآن استأذنك يا أبو ليلى حتى تستعدا لرحلة الغد التي أتمنى أن تكون ممتعة...
خطار: شكراً.. مع السلامة..
ليلى: مع السلامة..
(ليال الصحراء الجميلة نسمع بعدها صوت الضيف الأول):
ضرغام (1): كثر خيرك يا شيخ عامر..
ضرغام (2): ديارك عامرة..
عامر: مهَنََّى ولكنم عندك مثنَّى..
أحد الحاضرين: كفيّت ووفيّتَّ يا أبو خالد..
عامر: قهوة يا ولد.. قهوة..
ضرغام (1): سبحان الله ما أجمل سكون البادية بعد تلك العاصفة العاتية...
أحد الحاضرين: القمر يتلألأ والليالي صافية وكأن لم يكن هنالك مطر غزير أو رياح لها زئير...
ضرغام(2): إن هذا الصفاء وهذا السكون هما سر جمال البادية وسر تفضيل بعض الناس لها على المدن وضجيجها وصخبها..
عامر: شاي يا ولد.. سنِّعه زين..
ضرغام (1): وخالد أتراه يفضل حياة البادية على حياة المدينة..
خالد: لهذه جمالها ولتلك جمالها.. ولو خيّرت لفضلت البادية فقد رُبيت بين أحضانها...
ضرغام (1): أأنت عازم على السكنى بالبادية بعد تخرجك في الجامعة...
خالد: ولم لا.. فالبادية ستصبح جنة بعد أن يوضع مشروع تحضير البدو موضع التنفيذ...
ضرغام (2): هل هنالك مشروع لتحضير البدو...
خالد: أجل يا ضيفنا فحكومتنا تدرس المشروع مع الاخصائيين وستبدأ في تنفيذه فور انتهائها من دراسته..
ضرغام (1): حقيقة ستصبح بواديكم جنان الله على أرضه...
ضرغام (2): ومتى ستنتهي من دراستك يا خالد؟؟
خالد: هذه السنة إن شاء الله... وقد جئت لزيارة والدي بمناسبة عطلة الربيع..
ضرغام (1): أدعو الله لك بالتوفيق والنجاح..
عامر: خالد..
خالد: نعم يا أبي
عامر: ضيوفنا صار موعد نومهم...
ضرغام (1): وخالد يا شيخ عامر.. إنه بحاجة إلى الراحة بعد ذلك التعب الشديد.
خالد: لقد ارتحت وسعدت برؤياكم..
ضرغام (2): شكراً.. شكراًً..
عامر: هيا يا ضيوفنا.. هيا..
ضرغام (1): تصبحون على خير..
عامر: تصبحون على خير..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (وضحه) تقول):
وضحه: حبيبي ولدي خالد.. يا ما أنت كريم يا رب.. والله ما ظننت أني ألقاك بعد تلك العاصفة العاتية.
خالد: ولكنك خاطرت يا أماه بنفسك..
وضحه: والله ما دريت بحالي يا ولدي وما تمالكت شعوري وأنا أسمع صراخ النساء والأطفال إلا أن أخرج من خدري لإنقاذك..
خالد: ولكنها مجازفة أحق بها الرجال من النساء..
وضحه: الولد غالي يا خالد.. غداً تجرب وتعرف صدق ما أقول..
خالد: على كل حال ربنا قدر ولطف..
وضحه: كيف دروسك وعلومك..
خالد: زينه يا أماه وكل شيء على ما يرام...
وضحه: أبوك لم لم يأت معك..؟
خالد: إنه ذهب يتفقد أفراد العشيرة كعادته..
وضحه: أذهب وحده؟.
خالد: ذهب ومعه منصور وفارس..
وضحه: خيراً فعل فالليلة بردها قارس وستطوف بنا الذئاب والضباع وقد عضها الجوع بنابه..
خالد: لقد صادفت في طريقي عدداً لا بأس به من الذئاب والضباع..
وضحه: هذا يدل يا بني على أن سنتنا سيكون شتاؤها قاسياً..
خالد: أعانكم الله عليها يا أماه...
وضحه: ألست بحاجة للنوم يا بني؟
خالد: إني والله بحاجة شديدة إليه ولكن انتظر عودة أبي لأتحدث معه قليلاً ثم آوى إلى فراشي...
وضحه: حسناً.. إني أسمع خطو أبيك ومن معه...
خالد: أنت مرهفة الحس يا أماه..
وضحه: لقد أرهفت البادية حسّنا وشعورنا.. حتى صرنا نسمع دببب النمل وهو يدخل في أماكنه...
(يدخل الشيخ عامر دخول)..
خالد: أنك ترهق نفسك يا ولدي..
عامر: هذه ضريبة المسؤولية يا بني.. فالعشيرة أمانة في عنقي وعلي أن أحافظ على هذه الأمانة..
خال: ولكن ليس إلى الدرجة التي تضحي بنفسك فيها.. ثم لا تنسى..
عامر: أنسى ماذا؟
خالد: لا تنسى أنك دخلت في طور الشيخوخة فيجب أن تحسب لصحتك حسابها..
عامر: العمر بيد الله يا بني.. فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون..
خالد: والله سبحانه وتعالى يقول: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
وضحه: إن والدك يا خالد مولع بالمجازفة والمخاطرة.. ليتك تراه في ليالي الشتاء القارصة وهو يخرج من تحت فراشه الدافىء ليتفقد أفراد العشيرة ولا سيما الفقراء منهم...
خالد: ليتك توكل هذا الأمر يا والدي إلى أحد أتباعك.. مثلاً منصور يا أبي إنه شاب في عنفوان شبابه ويستطيع تحمل هذا العبء..
عامر: سأفكر في الأمر يا بني..
وضحه: لا بل يجب أن تقرر ذلك فتفكيرك يأخذ أياماً وليالي..
(نسمع عواء الذئاب ونباح الكلاب فيقول عامر):
عامر: ليلتنا ستكون شديدة وقاسية أعاننا الله عليها..
يشتد عواء الذئاب ثم يعقبه أصوات طلقات عيارات نارية نسمع بعدها صوت عامر وهو يخرج من الخدر صارخاً:
عامر: يا قوم! يا قوم! الذئاب! الذئاب! أوقدوا النيران وأطلقوا الرصاص وافتكوا بها قبل أن تفتك بكم..
(ضجيج وهرج ومرج وركض وجري وأصوات مبهمة تختلط بأصوات طلقات الرصاص وعواء الذئاب)..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :983  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 2 من 63
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.