شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الشيخ عبد الرحمن محمد توفيق الباني ))
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاتة ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلحْ لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً. أما بعد فإنه قد وقع الاختيار علي لأتحدث في هذا المقام الكريم عن أخي وصديقي الدكتور محمد بن لطفي الصباغ في حفل تكريمه. وإنها لمناسبة كريمة وغرض نبيل أن نتحدّث عن ذوي الفضل وذوي الأثر في حياتنا المعاصرة بل وفي أجيالنا القادمة بإذن الله.
وما أُراني أهلاً لأن أتحدث عن الدكتور الصباغ لأمور أعرفها من نفسي ولعلّ أولَها أن شدة القرب حجاب كما يقولون وكما تعرفون. ولكن لا بدّ مما ليس منه بدّ ولذا أبدأ فأقول إنها - إذا استقامت المناهج سُنّة حميدة وعمل منهجي - تعريف الأحياء بفضل الأحياء. وإني لأشكر للأخ المفضال الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجة قيامه بهذا العمل وسيرهُ على هذه السنَّة الحميدة التي له أجرها وأجر من عمل بها دون أن ينقص من أجورهم شيء.
والحمد لله أن وُجِد فينا وفي زماننا هذا من يعرف لأهل الفضل فضلهم؛ ولا يعرف الفضل إلا ذووه.
وإن كلمتي هذه لا تحيط بكل جوانب شخصية أخينا وصديقنا الدكتور الصباغ، ولا تكفي للوفاء بحقّه عليّ وقد عرفته منذ نيف وأربعين عاماً، ولا بحقّه على الجيل؛ فقد أكرمه الله وأعانه بما ترك فينا من آثار علمية وعملية. وهل تكفي عشرون دقيقة للكلام على أربعين سنة أو تزيد؟ !، وهل تكفي أسطر قليلة للحديث عن ثمانين أثراً له بين تأليف وتحقيق.
والدكتور الصبَّاغ مدرّس موهوب وداعية موفق ومصلح ناصح ومؤلّف ممتاز في عالم التأليف كمّاً وكيفاً. وقد عرض لكم في ترجمته الذاتية مسرد مؤلفاته بذكر أسمائها وأما مضمونها أو مضامينها فتحتاج إلى دراسات من نواحي شتّى من ناحية أسلوبها ومن ناحية أفكارها ومقاصدها..
ولست بسبيل دراستها وتقديمها إليكم؛ فقد قرأتموها أولاً بأول وعايشتم كاتبها من خلالها.
- ولكني أقدم بعض النقط التي رأيت أن أشير إليها في هذا اللقاء المبارك، فالدكتور الصباغ حفظه الله يدعو إلى العودة إلى الله وإلى الإسلام للخلاص من الوضع الصعب الذي تعانيه الأمة الإسلامية في شتى ديارها. وله اهتمام خاص بالأسرة والتذكير بعظيم شأنها في المحافظة على الهويّة الإسلامية للأجيال المسلمة. وهو يدعو إلى اليقظة التامة؛ حراستها وحمايتها من العدوان والتهديم. وهي المعقل الذي لا يزال بأيدي المسلمين في معظم ديارهم بعد أن أستولى العدو على معاقل كثيرة في ميدان الحكم وفي ميدان التعليم وفي ميدان الإعلام وغير ذلك من الميادين. وقد نثر دعوته هذه في كثير مما كتب وفي مناسبات عدة منها مناسبات الاحتفال بزفاف إخوانه.
ولكنه خصّ الأسرة بكتابه (نظرات في الأسرة المسلمة) الذي صدر أول مرة منذ اثني عشر عاماً.
والدكتور الصبَّاغ حفظه الله أديب عالي الأسلوب وأسلوبه أقرب إلى السهل الممتنع، وهو ذواقة للنص الأدبي وأضرب على هذا مثالين؛ أما أولهما ففي كتابه الذي كان رسالته للدكتوراه فقد عايش فيه النص الأدبي الصادر عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، فدرس دراسة أدبية متأنية جامعة الأحاديث النبوية، وأمتعنا - من خلال تذوّقه البلاغة النبوية - بكتابه (التصوير الفني في الحديث النبوي). وقد قدّم لهذا الكتاب النفيس الأستاذ الناقد الكبير الدكتور محمد مصطفى هدّارة الذي لقي وجه ربه في الأسبوع الماضي رحمه الله رحمة واسعة. والمثال الثاني لتذوق النصّ الأدبي وحسن الاختيار، والأمر كما يقول المتقدّمون إختيار المرء قطعة من عقله تدل على تخلّقه أو فضله، فحولنا هذا المثال على علوّ كتب الدكتور الصباغ في حسن الاختيار مع تنوُّع لافت للنظر نعم. المثال الثاني كتابُهُ (أقوال مأثورة وكلمات جميلة) وقد صدر سنة 1409 هـ ثم أعيد طبعه مع مزيد من المزايا سنة 1414 هـ. ويقول المؤلّف إن هذا الذي ظهر إنما هو الجزء الأول من الكتاب، ولعله يوافينا بجزء بعده أو بأجزاء، فجزاه الله عن القارئ المتطلع إلى جميل القول خيراً.
- وقد لفت نظري أمر في بعض المقدّمات التي يجعلها أخونا الدكتور الصباغ بين يدي كتبه؛ فهو كأنه يؤرّخ لأحداث المسلمين وأحوالهم الشاغلة عند ظهور الكتاب. ولهذا أمثلة كثيرة أكتفي - لضيق المقام - بواحد منها؛ فهو يقول في مقدمة كتابه (أقوال مأثورة..) للطبعة الثانية، في 29 شعبان 1413 هـ (1) .
(وختاماً فإني أتوجه إلى الله العليّ القدير بأسمائه الحسنى) أن يرفع الغمة عن المسلمين؛ فما أشد ما يلاقي المسلمون في هذا العصر، الذي تداعى الأعداء [فيه]، على المسلمين من كل ناحية، يرمونهم عن قوس واحدة، ويخططون لتحويلهـم عـن دينهم - كما ذكر ربنا في كتابه يَسئَلوُنَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبْيرٌ وصَدٌّ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ وكُفْرٌ بِهِ والْمَسجِدِ الحَرامِ وإِخرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكبَرُ عِنْد اللَّهِ والفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ ولا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِيْنِكُمْ إِنِ استَطَاعُوا ومَن يَرتَدُدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وهُوَ كَافِرٌ فَأَولَئِكَ حَبِطَتْ أَعمَالُهُمْ في الدُّنيَا والآخِرَةِ وأَولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ. فلقد اعتدى نصارى الصرب على إخواننا في البوسنة والهرسك، فذبحوا وقتلوا مئات الألوف من المسلمين، وانتهكوا أعراض عشرات الآلاف من الحرائر المسلمات، وما زالوا حتى كتابة هذه السطور يدمرون البيوت، ويزهقون الأرواح، ويغتصبون النساء، ويحاصرون القرى والمدن، ويمنعون وصول الغذاء عن أهلها.. والمسلمون في العالم يسمعون ويقرأون ويرون ولا يصنعون شيئاً والصالحون منهم يتألمون.
واليهود ينكّلون بالمسلمين في فلسطين بغطرسة واستكبار وتؤيدهم القوى الكبرى والطواغيت، وقد أبعدوا أكثر من أربعمائة مسلم إلى جنوب لبنان، وهؤلاء المبعدون يقيمون الآن - ونحن في فصل الشتاء - في الخيام، والثلج يغمر تلك البقعة، والبرد يداهمهم في تلك الخيام، وقد مضى عليهم حتى الآن ثلاثة أشهر، والمسلمون يسمعون ولا يصنعون شيئاً. والهندوس يهدمونَ بيوت الله مساجد المسلمين، ويقتلون الآلاف في الهند وكشمير، والجوع يفتك بالمسلمين في الصومال وألبانيا وغيرهما من بلاد المسلمين. والدعاة إلى الله في أكثرَ من مكان يلاقون العنت. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذه الصرخات من الدكتور الصبَّاغ لها دلالتها العميقة، فهو يكتب ويؤلّف ولكنه ليس منفصلاً عن المعركة. وقلبه الحيّ يجعله بل يجعلنا في صميم المعركة. وهو ليس بيائس وهو لا يدع المشكلة دون حلّ بل الأمل ملء جوانحه وقـارورة البلسـم الشافي والحلّ الحاسم ماثلان أمامنا؛ فهو يقول بعد ذلك:
ومهما يكن من أمر فإن الأمل في تحسن أحوال المسلمين كبير؛ فالصحوة الإسلامية تتعاظم، والرغبة في الرجوع إلى الله وتحكيم شرعه تعم ديار المسلمين.
إن على المسلمين أن يتابعوا هذه الخطوة المتقدمة نحو النصر، وذلك بأن ينصروا الله في سلوكهم حتى ينصرهم الله والله عز وجل يقول: يَا أَيُهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرُكُمْ ويُثْبِّتُ أَقْدَامَكُمْ. ويقول: الَّذِينَ أُخرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ إِلاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وبِيَعٌ وصَلَوَاتٌ ومَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيْهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.
قد أطلت.. وما هذا إلا نموذج واحد أشير به إلى نماذج كثيرة..
- وبعد فإني أشير بعد هذا إلى جانب من فكر الدكتور الصباغ وهو الجانب النقدي أو جانب الفكر النقدي لديه؛ فقد عهدت الدكتور الصباغ مستمعاً إلى أقوال الآخرين وآراء الناس ولكنه تلميذ القرآن الذي يجعل تاليه بفهم من الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللهُ وأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبب.
وأكتفي ببعض الأمثلة مما خبرته بل استفدت منه؛ فهو - مع تقديره لكل من المنفلوطي في أدبه، ومحمد إقبال في فكره، وسيد قطب في دعوته الحارة، ومع انتفاعه بما لدى كل - له ملاحظاته النقدية الصائبة التي انتفعت بها وقدرتها حق قدرها.
ولما ألّف كتابه (الإنسان في القرآن) وتكلم في أول موضوع على (حقيقة الإنسان) انتفع بكلام نفيس لسيد قطب - رحمه الله - في الإنسان. ولكنه لم يوافقه - وله حجته وهو على صواب - إن شاء الله - لم يوافقه على فكرة كـون (الإنسـان خليفة الله) ولم يورد كلامه فيما أورد فقال: (وقد رأيت فصلاً ممتازاً للأستاذ سيد قطب - رحمه الله - نشر في كتاب "مقومات التصور الإسلامي" بعنوان "حقيقة الإنسان"..) وقال بأمانة العالم وتواضع طالب المعرفة في الوقت نفسه: (وبعد، فلنتحدث عن حقيقة الإنسان كما يعرضها القرآن معتمدين اعتماداً كاملاً على الجهد الأصيل الذي بذله سيد قطب. رحمه الله) (2) .
وقد أورد الدكتور الصبّاغ كلام سيد في الموضوع ولكنه لم يرَ إدراج كلامه في أن الإنسان خليفة الله. للسبب الذي أشرت إليه وقد أعجبني جداً هذا الكتاب الذي يضع كل فكرة أو خاطرة في صفحة واحدة، ففي هذا الأسلوب من التأليف وهذا اللون من الدعوة مزايا لا تخفى.
وبعد فالدكتور الصباغ يمثل ما كان سمّاه منذ 60 عاماً أستاذنا الكبير الشيخ علي الطنطاوي (الحلقة المفقودة).
فهو فقيه عالم له جولات في الفقه، يعيش بفقهه في عالمنا وعصرنا.. وهو جريء في غير تهورّ. كريم بغير سرف، داع إلى الله على بصيرة، وهو داعية إصلاح، نبيل أريحي يقصده إخوانه في الملمات فيجدون عنده الرأي والنجدة. نزيه يؤثر العدل وقد شاركته في تحكيم وإني لأشهد أنه توخّى العدل وما آثر غيره. وهو يحسن تدبير وقته ويستخدمه للكتابة فيما يرضى الله عنه لخدمة الإسلام.
وبعد فقد كانت لي خطة طموحة للوفاء بحق هذه النبذة اليسيرة ولكن ظروفي الصحية وأموراً أخرى حالت بيني وبين هذه الخطة أو هذا الأمل. فأكتفي بما قلت وأعده كإشارة الإصبع إلى بناء جليل وجميل أو طريق طويل..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على رسولنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من أتبّع سنته وجاهد في سبيل الله إلى يوم الدين.
وأسأل الله أن يعصمنا من الزلل ويثبّتنا على الحق ويتفضَّل علينا بحسن الخاتمة والسلام عليكم ورحمة الله.
- عبد المقصود خوجة: تفضل علينا الشيخ عبد الرحمن بدرر من كلمات جميلة وأسعدنا بحديثه الشيق الممتع ولكن نرجو من الأساتذة الذين سيلقون كلماتهم الاختصار لأن العدد كبير وهم يمثلون عدداً أقل بكثير ممن طلب الكلمة، والإطالة لن تعطينا فرصة لكي يتحدث الشيخ الصباغ ولا فرصة لكم للحوار، فأرجو أن لا نأخذ أكثر من خمس دقائق لكل منا حتى تتاح الفرصة للجميع وحتى نتمكن من حوار ضيفنا، فهل ترون ذلك أم نترك المجال مفتوحاً؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :746  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 119 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج