شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عصر القوميات...
بمناسبة صدور كتاب ((عربي المستقبل))
لعبد الرزاق الحصّان ببغداد (1)
نحن نعيش في عصر القوميات، هذه القوميات التي تتصارع وتتنازع البقاء مثل الأمواج في يم مضطرب، فما سما منها على غيره واكتسح ما في طريقه بقي ذكره وارتفع شأوه، وما تلاشى منها لأول وهلة فذلك آخر عهده بالحياة، وذلك الذي يبقى على صفحات الأجيال شيئاً مذكوراً.
كل عنصر يأبى بعنصره ويفضله على غيره، حتى الزنوج في مجاهل أفريقيا يرون أنفسهم الصفوة المختارة من البشر، وليس عليهم في ذلك من تثريب فمن هو الذي يقر بما في نفسه من الضعة؟ ومن هو الذي يعترف بما فيه من مثالب؟
ولقد جاء في الأنباء العالمية الأخيرة أن "أدولف هتلر" جعل للجنس الآري من الامتيازات والخصائص ما ليس لسواه وفضله على غيره، وأطلق لمن ينتمي إليه الحرية الكاملة في ما يختار من مهنة أو منصب نابذاً جميع الأجناس الأخرى على السواء، وهذا "موسوليني" قبله يصطفي الجنس الإيطالي وينزع في سياسته إلى "الرومانية العتيقة"، وهذه الشعوب البريطانية لا يزال الشعب "الأنجلو سكسوني" منها يقبض على مقاليد الحكم ويختص نفسه بالسيطرة والنفوذ، هذا في أمم الغرب! أما أمم الشرق فهذا "مصطفى كمال" يحجر على الأجانب حريتهم الطليقة ويتملص من كل قومية غير تركية ليخلص إلى تركيته العريقة في القدم.
وهناك غير هذا ما لا يحصره العد ولا يحيط به الوصف؛ فلقد بطلت النظرية القائلة "بالجامعة الإنسانية" وظهر فسادها ذلك لأنها سفسطة لا يقبلها العقل ولا يدعو إليها عاقل.
بين هذه الأصوات القومية العديدة التي تدوي في الفضاء الشاسع يجب أن نسمع صوت "العروبة" رناناً قوياً يشق الجو ويأخذ طريقه بين الأصوات لينتهي إلى مكانه المشهود. فمن أحق بالفخر وأجدر بتبوؤ المكانة السامية من "العرب"؟ إن أمة قال الله صدق قوله فيها: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (2) (آل عمران: 110) يجب أن تحتفظ بمركزها حق الاحتفاظ، وتعرف وظيفتها حق المعرفة، فتأخذ ما لها كاملاً وتؤدي ما عليها وافياً وتقوم بما ناء به كاهلها العتيد من واجب شريف ودعوة سامية إلى الحضارة وإلى طرق الخير وسبل الرشاد.
ذلك لأنها بمثابة القلب الحي الذي ينبض بالحياة ويوزع الدم ويفيض بالإحساسات ويختلج بالعواطف؛ فلقد وأد العرب أنفسهم في الجاهلية، ولكنهم أحيوها في الإسلام حياة ما تزال تشرق بالنور وتبعث الهدى وتدعو إلى الإعجاب والإكبار.. ولقد وأد العرب أنفسهم أيضاً في العصور الأخيرة فيجب إذن أن يحيوها في حاضرهم ومستقبلهم ويجب أن يفهموا كيف يتجهوا للحياة، وكيف يسعدوا بها، وكيف تبقى لهم.
العرب من أقدم الأمم السامية التي عرفها التاريخ واتصلت بها الشعوب، وهذه [كتب] (3) التاريخ تفيض بأنباء هجراتهم إلى الأمم المجاورة في ما قبل التاريخ، وفي كتابَي "اتجاه الموجات البشرية في جزيرة العرب" لمحب الدين الخطيب و "العالم الإسلامي" لعمر رضا كحالة مرجع [وافٍ لمن أراد] (4) أن يعرف أحوال العرب وتقلب الزمان بهم ودولاتهم وشعوبهم ونزوحهم إلى الاصطياف وركوبهم للبحار واشتغالهم بالتجارة والملاحة -قبل التاريخ- وهذا بين يدينا كتاب "عربي المستقبل" لمؤلفه الكاتب العراقي النبيل عبد الرزاق الحصَّان، والكتاب -وإن كان صغير الحجم- غير أنه جليل المغزى عظيم الخطر يفيض بالروح القوية والآراء الناضجة التي تساعدها العقلية المستوعبة ويباركها المرمى الشريف، وهذا هو الصوت المحبوب الذي قلت إنه يجب أن نسمعه بين مئات الأصوات القومية، ولقد أسمعنا الأستاذ "عبد الرزاق" وأسمع العالم وكان له [دوي هائل] (5) ، وما انفك العراق مأرزاً أميناً من مآزر العروبة المجيدة، وما زال مشهوراً بحدبه عليها وزياده عنها وافتخاره بها، ولكنك "أيها العربي" لا تدري من أنت؟ والذي يهمنا أن تكون تدري من أنت؟ بل المشكلة العالمية متوقفة على أن تكون تدري من أنت.. ولكن كيف أجعلك تدري من أنت؟ بل كيف أصيرك لأن تعرف من أنت وأنت لا تعرف نفسك.. والخلاف "أيها العربي" بين أن تكون تدري أو لا تدري.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :383  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج