شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحرب ملهاة (1)
الحرب ملهاة عند الأبي الكمي، كلما اغتصب حقه، أو نبش عرضه، أو انتهكت حرمات بلاده، وكانت كذلك في العصور القديمة وما تزال ولن تزال إلى آخر رقم يُخَط في تاريخ الإنسانية.
وقد نضب معين الشجاعة أو هان أمره كلما التقى جمعان أو فردان من البشر مهما حدث في أفانين هذه الشجاعة من جلائل الأعمال، فأخذ كثير من المؤرخين الأعلام أو المغمورين مثل بلوتارخوس ومن حذا حذوه فجعل أبطال الإغريق وغيرهم يقاتلون "أبطال" اليونان الخرافيين والمردة وكواسر الوحوش وهُوَل التنانين، وجاء مؤرخون إسلاميون، [فخلطوا] (2) بين أمثال الإِمام علي وابن ذي يزن وعنترة وسواهم، وبين مردة الجن والغيلان وبُهم الأسود؛ وكان النصر المبين في كل هذه المعارك لبني الإنسان، وما تخلو من الأساطير من دلالة معنوية، وإن كان يصعب على الذهن إثباتها في مجال الحقائق المشاعة.
فالحرب إذاً ملهاة.. ونعني بالملهاة هنا، ما يقبل عليه الإنسان، وهو فرح مرح، واثق من الفوز، وإن خابت ثقته في أكثر الأحيان.
ولو لم تكن ملهاة لما جازف فيها نابليون فخسر معاركه النهائية، وأقدم عليها الألمان في حربين عالميتين، فخسروهما.
حدثني الصديق الأديب وهبي كردي -ولست أعرف رتبته في الجيش السعودي- فقال: إن ابنه الأكبر -وقد نسيت اسمه- وحيد أمه، وإن لم يكن وحيده هو، وقد طلب بإلحاح أن يذهب للجهاد في فلسطين، فجاءت أمه تستصرخ سمو الأمير وزير الدفاع، فرحم حالها، وأذن له أن يكون من القاعدين.
واستطير ابنها، وازداد شعوره توفزاً وحماساً، فصرخ لأبيه وأمه، وقال لهما: إن لم تخليا لي سبيلي، فإني سأنتحر، وستكونان مسؤولين عني.. فلم يسعهما إلاّ أن يتركا حبله على غاربه؛ ولم يكفه أن يكون مجاهداً عادياً، فانخرط في سلك الفدائيين (الكوماندوس) وما يزال -وأرجو ألا يزال- يبلى البلاء الحسن.
وقد كان أخي سعد ضابطاً كاتباً، ولكنه طلب بشدة أن يكتب ضابطاً عسكرياً للذهاب إلى فلسطين، وهدد بالتمرد إن لم يحقق له طلبه، فأجيب كما شاء.
وليس يعنيني أن أشيد بفعل أخي كما يتبادر إلى أذهان قصار النظر، ولكن يعنيني جداً أن أشيد بأعمال تبدو ضئيلة، وتنتهي كأكبر ما تكون الأعمال في أمثال هذه الحوادث التي يبدو فيها الشاب المرح الفرح، كأنه ذاهب إلى ملهاة فيها تسرية وفيها تسلية، وفيها متاع كبير.
وقد كان كثير من شجعان السلف الصالح يذهب إلى معركة وقد اكتحل وادَّهن وتضمخ بالطيب؛ كأنما هو مقبل على أبكار من العرائس، حرائر أوانس، فهل الحرب إلاّ ملهاة؟
والمسألة مسألة روح قبل أن تكون مسألة جسد أو سلاح؛ فلو قاتلت بساعدك وسيفك، وروحك ضعيفة خاوية، لأصبحت منهزماً مدحوراً، وإن تكن الروح بعد ذلك لا تكفي إلاّ بكامل العدة والعتاد.. فإن الروح جوهر، ولا بد للجوهر من عرض وإن كان يسيراً.
والذي يؤكد عندي أن الحرب ملهاة؛ هو أن المحارب فيها ينهزم تارة بعد أخرى، فيعاود الكرة بعد الكرة على الرغم مما يمنى به من خسائر في النفس والسلب.
أجل أيها العرب.. إن اليهود يقاتلون فيها جادين، فقاتلوا فيها لاهين هازلين، وإني لضمين لكم إن شاء الله بالنصر المبين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :410  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج