شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شجون لا تنتهي (1)
"هذه القصيدة الطَّويلة بدأها الشَّاعرُ بمناجاة الحُبّ والحَبيب، ثم تطرَّق إلى ما تعوَّدناه في شعرِه الوُجداني من محاولةِ الكشفِ عن الأضداد في الحياة.
وكانَ الشَّاعر يُقيمُ في مِصر فإذا أحداث الحياة السياسية تطغَى على مناجاة الحب والمحبوب. وإذا القصيدة تسجيلٌ لواقعٍ عاشَته مِصر العزيزةُ في ذلك الزَّمان، وإذا حنينُ الشاعر إلى مكة (مسقط رأسه) يتجلَّى كأحسنَ ما يكونُ التَّجلّي".
ما اصطِباري على الأسَى وثَوائِي
ونِدائِي مَن لا يُجيب نِدَائي؟ (2)
جمدَ الدَّمعُ في مَآقِيَّ يا حُبُّ
وقَرَّ اللَّهيبُ في أحشائي
عُدتُ مِن غُربتي إلى اللَّيلِ والفَجـ
ـرِ لِكَي يَسمَعا تَرانيمَ نائِي
ضِعتُ في تِيهكَ المُحَيِّرِ يا حُبُّ
تَمَزَّقتُ في أسَى بَلوائي
وتَسَاءَلتُ في نعيمِكِ: كَم أشـ
ـقَى! وكَم أرعَوِي بِغَير رِضاءِ!
كَم ألاقي العَذابَ منكَ، ولا أشـ
ـكو، وألقاكَ بالهَوَى والوَلاءِ!
كَم أرُوضُ الإباءَ على الصّبْـ
ـرِ وأُغضِي على جراحِ إبائي!
كَم أخوضُ الأحزانَ راكبَ تِيهٍ
ضَلَّ في لا نِهايةٍ سوداء!
يا دُروبَ الهَوَى! تَغَطيتِ بالوَرْ
دِ على الشّوْكِ، غَارقاً في الدِّماء!
الضَّحايا مِن تَحتِهِ مُهَجٌ حَرَّ
ى، ومِن فَوقِه رُؤى شُعراءِ
هكذا أنتِ، والمحبُّون، من قَبْـ
ـلُ، فَراشٌ مُسَيَّر للفَناءِ
رِحلةٌ تُثمِرُ اللُّغوبَ وخَيطٌ
من حَريرٍ، يقتادُنا للشَّقاءِ
وشُجونٌ لا تَنتهي.. وصِراعٌ
يَسْحَقُ الصَّبرَ دائمُ الغُلَواءِ (3)
الحِجَى فيهِ حائرٌ في ظلامٍ
والأماني مَوْءُودَةُ الأصداءِ
والخَيالاتُ في دُجاهُ شُموعٌ،
ثَرَّةُ الدَّمعِ، ذابلاتُ الضّياءِ
والأسى فيه للجراحِ يُغَنِّي
عَبرَ تِيهٍ، مُحْلَوْلِكِ الأرجاءِ
يَنشُدُ الفجرَ، وَهو ناءٍ غريبٌ
ضائعٌ، مثلَه، شهيد الدُّعاءِ
ألِهذا تَشقَى النُّفوسُ بما تَهـ
ـوَى، وتَكبُو الغاياتُ بالعُقلاءِ؟
ويَهيمُ الخيالُ في ظُلمةِ الحَيْـ
ـرَةِ يَسري على بَصيصِ الرَّجاءِ؟
وتَفيضُ القلوبُ، مُنطَوِيَاتٍ،
بِجراحِ الأسى على البُرَحاءِ (4)
* * *
يا بَريقَ السَّرابِ! أسرفتَ في الجَوْ
رِ وأثخنتَ في قلوبِ الظَّماءِ!
أنتَ، أنتَ الهَوى دنُوّاً وبُعداً
في تَصاريفِ غَدرِهِ والوَفاءِ!
ووعودُ الهَوى أجَلٌ عطايا
هُ، فهل يَرخُص الهَوى بالعَطاءِ؟
وعذابُ الحِرمانِ صَوَّرَ للعَا
شِقِ أنَّ الهَوى زِمامُ الشِّفاءِ
غَيرَ أنَّ الهَوَى يَحُولُ ويَذ
وِي كالرُّؤى والزُّهور والأنداءِ
إنَّها قصَّةُ الهَوى وأمانِيـ
ـهِ رَبيعاً مهَدَّداً بانطِواءِ
قصَّةُ الذِّكرياتِ في لجَّةِ العَيـ
ـشِ، شِراعاً، يهِيمُ في الظَّلماءِ
إنها من قلوبنا خفقاتٌ
عاثرات تشبَّثَتْ بالبقاءِ
إنّها وَقدةُ الشَّبابِ، ومَقدو
رُ خُطاه في دَعوة الأهواءِ
ومَرايا أحلامِه، يجتلِي فيـ
ـها خفايا هُيامِهِ، بالهناءِ
وَهْي دُوَّامةُ الحياةِ ومَجرا
ها، تَلُفُّ الأمواتَ بالأحياءِ
وَهْيَ، ما كان، منذ أشرقَتِ الشَّمْـ
ـسُ على الكونِ في سُطور القضاءِ
ما استراحَ الإنسانُ فيها من الجَهـ
ـدِ ولا انفَكَّ من قُيودِ البلاءِ
قصَّةُ ما لها خِتامٌ سِوى المَوْ
تِ، مُصاباً، لا يَنتهي لِعَزاءِ
والرَّدَى كالهَوى، يُصيبُ، ولا يُخْـ
ـطِيءُ مَرماهُ، مَوعداً، للِّقاءِ
ما تَوَقّاه دَالفٌ في أديمِ الـ
أرضِ يَسري، أو سابحٌ في الفضاءِ (5)
جَلَّ مَن قدَّرَ الرَّدَى وقَضَاهُ
غَايَةً في الضِّعافِ والأقوياءِ
مثلَما قدَّرَ الحياةَ وأجْرا
ها مجالاً لكلِّ دانٍ.. وناءِ
وجَلاهَا للنَّاظرينَ جَمالاً
وخيالاً جَماً، وفَيضَ ثراءِ
وأقام الأضداد جَزْراً ومَدّاً
تتحدَّى جهالةَ الحكماءِ
فاتِّساقُ الحياةِ، سَلباً وإيجا
باً، سبيلُ اطِّرادِها والنَّماءِ
* * *
يا نَعيمَ الهَوى! كرهتُكَ وِرداً
ووُروداً مُمَوَّهاتِ الطِّلاءِ
وسُعاراً يَهيمُ بالدَّمِ واللَّحـ
ـمِ، وناراً تقتاتُ بالأشلاء (6)
كلُّ صفوٍ يُمَلُّ، ما لم تُداخِلْـ
ـهُ دواعٍ من الأسى والعَناءِ
وحياةُ الخَلِيِّ، مِن وَصَبِ الدّنْـ
ـيا، حياةٌ خليقةٌ بالرِّثاءِ
رُبَّ أمنٍ يعيش، في ظلِّه السَّا
رحُ مثلَ البهيمةِ العَجماءِ
وصِعابٍ، تَخوضها عَزمةُ الطَّا
مِحِ، أعطته شارةَ العُظَماءِ
وتَهونُ الغاياتُ، حبَاً وبغضـ
ـاً، في ظِلال الهَوى، ولينِ الرَّخاءِ
حبَّذا الوعرُ والعَثارُ، وأخطا
رُ اللّيالي.. سُرىً على الوَعثَاءِ
ودُروباً لا تَنتهي، وعذاباً
تتحدّاهما خُطى التُّعساءِ
عازفاتٍ عن الهَوى ومغانيـ
ـهِ، هُياماً بالواحة الخضراءِ
حيث يَسمو الجَمال بالطُّهر والصِّدْ
قِ إلى قِمَّة الوفا والحَياءِ
حيثُ لا تَرتدي الصَّداقةُ أثوا
باً بِلَونَيْ خَداعِها والرِّياءِ
حيث لا يَطعنُ الرَّفيقُ رفيقاً
بين دَعوى تَقواهُ والإغواءِ
حيث تَجفُو النُّفوسُ كلَّ الحَقارا
تِ لِتَحيا بصفحةٍ بيضاءِ
لا كما تَسرحُ السَّوائمُ في المَر
عى على فَضلِ عُشْبِها والمَاءِ (7)
في قيودٍ من عيشِها ودواعيـ
ـهِ وأمنٍ من جهلها والغَباءِ
حيث لا تُنصَبُ الشِّعاراتُ زَيفاً
وفَجوراً يُروَى ومَحضَ افتراءِ
حيث لا تُمسَخُ النُّورَ خفافيـ
ـشُ، هَوَت فوقَ أرجُلِ الزُّعماءِ
حيث تَبقَى الصَّلاةُ تَقوى وطُهراً
لا فِخاخاً لِلبيع أو للشِّراء
حيث لا يَجبُنُ الشُّجاعُ لما يَخـ
ـشَاهُ من سامعٍ يَشي أو رَائي (8)
حيث يلقَى الرَّبيعُ أعيادَه فيـ
ـها جِناناً طليةَ الأمداءِ
حيث لا تَخضَعُ الجباهُ لِغيرِ الـ
ـلَّهِ، ربِّ البأساءِ والنَّعماءِ
حيث ما كان أو يكونُ سِوى الحـ
ـقِّ وصوتِ الهُدى ووَحي السَّماءِ
ربَّما تَصدُقُ المساعي فتنجا
بُ غيومُ الأسى عن الشُّرفاءِ
لم تَهِن عزمةٌ يسانِدُها الإصرا
رُ لم يُلقِ رايةَ الكِبرياءِ
وتَؤوبُ الأوطارُ بعدَ نِدادٍ
ويَعودُ الرَّبيعُ بَعدَ انقضاءِ (9)
وكذا كلُّ ليلةٍ تَلِدُ الفجـ
ـرَ، فَيُلوي بالظُّلمةِ الدَّكناءِ
وقُطوبُ الغيومِ بَشَّر بالغيـ
ـثِ ابتساماً في البقعة الجَرداءِ
ربَّ دانٍ نَأى، وناءٍ تدانَى
رَهْنُ قَيدَينِ، صبُحِهِ والمساءِ
* * *
يا سُطوراً! كتبتُها بِدَمي الحُرِّ
أنِيري جوانبَ الصَّحراءِ
وابعَثِي في رِمالِها اللَّهبَ الثَّا
وِيَ عَهداً يَفورُ بالأنواءِ
عهدَ عَمْروٍ يُحيطُ بالنِّيلِ بَحراً
نَبَويّاً سَرَى بِنورِ ذُكاءِ (10)
واعبُري في جيادِه تِيهَ سِينا
ءَ لِواءً يُزرِي بكلِّ لواءِ
وانشُري في مواطنِ العَرَب اللاّ
هينَ ناراً مَكِّيَّةَ اللألاءِ
لِتَقُصّي عَهدَ العباقرةِ السُّمـ
ـرِ كتاباً يَفيضُ بالأنباءِ
وأعيدِي تاريخَ مكَّة، في الآ
فاقِ، فتحاً يَسِحُّ بالآلاءِ
لا هُراءً، يُديرُه فَمُ مُلْقيـ
ـهِ على الهاتِفينَ والأُجَراءِ
استَخَفَّتهُمو الرُّؤى والأمانيُّ
بِيومِ يأتي وفيرِ الغِذاءِ
كالبراغيث ساقَها الجوعُ والبَرْ
دُ، وعاشَت على دمِ الغُرَباءِ
إيهِ! يا وَحدةً تبشِّر بالخيـ
ـرِ براغيثَها، خُذي بالإناءِ
واملأيهِ دَماً، من الجارِ والصَّا
حِبِ، باسمِ اشتراكهم في الإخاءِ
واضرِبي بالدُّفوفِ، في حَلَقات الذِّ
كرِ رقصاً، وبَرّزي في الدَّهاءِ
ما يَزال الخِداعُ مِيسَمَكِ البا
رِزَ بين الصِّحابِ والأعداء
فاركَبِي الرِّجسَ من طباعِكِ يَمّاً
والبَسِي للرِّياءِ ألفَ رِداءِ
لن تَسودي، ولن تقُودي سوى تلـ
ـك البراغيثَ تحتَ كلّ ادِّعاءِ
وستقضِي الأيامُ فيك وفيها
ما قَضَته في راكبِ العَشواءِ (11)
فالقوانينُ لا تُجير ولن ترْ
حَمَ مَن غاصَ في دَمِ الأبرياءِ
ومَن استعبَد الرِّقابَ فأجرا
ها على حُكمِه بدعوى البناءِ
إن لِلهِ غَيْرةً وانتقاماً
عصَفا بالطُّغاة، للضُّعفاءِ
عَمِيَ الظّالمون عن سُبُل الحَقِّ
فهاموا في الفِتنةِ العَمياءِ
والمَصيرُ المحتومُ يَزحفُ في صَمـ
ـتٍ، لأعناقِهم، بِشَرِّ الجَزاءِ
مِحَنُ الدَّهرِ تَنقضي، والضَّلالا
تُ تُوَلِّي، والموتُ للجبناءِ
يا سطوراً كتبتُها بدمِ القلـ
ـبِ! أهيبِي بساكني البطحاءِ (12)
واستفِزِّي جبالَها السُّمرَ، ترتَدُّ
بإرثِ الآباءِ للأبناءِ
من هنا رايةُ العدالة رَفَّت
وأنارت جوانبَ الغبراءِ (13)
* * *
يا خيامَ الصَّحراءِ! قد بَلَغ الصَّمـ
ـتُ مَداه على أذى الغَوغاءِ
فاركبي، واضربي، على طول مَسرا
كِ، فلولَ الخَيال والخُيَلاءِ
الفُلولَ التي يُسيِّرها ثَوْ
رٌ، بسَوطِ الزَّعامةِ الجَوفاءِ
صارَ معبودَها، كما كانَ من قَبـ
ـلُ، وقد خار مُمعِناً في الهُراءِ
وتحدَّى بالظَّلف والقَرْن والذَّيـ
ـلِ "وقد هَاجَ" قُدرةَ القُدَرَاءِ
مستَخِفّاً بالإنسِ الجِنّ، بالعا
لَمِ طُرّاً بِرفرَفِ الجَوزاءِ
ماضِياً في خُواره يُنذِر الدُّنـ
ـيا بِوَيلاتِ بَأسِه العَسراءِ
فاختفِي يا نجومُ!! قد أقبلَ العِجـ
ـلُ، إلهُ الكُهَّانِ... والعُرَفاءِ
الذي صَيَّر الخيانَةَ والغَد
رَ شِعاراً لِعهدِه الوضَّاءِ
والذي نازَعَ الرَّغيفَ رعايا
هُ، فضاقوا بِصَيفِهم والشِّتاءِ
غاصباً من حقولهم ثمرَ الكد
حِ رُكاماً، أحاله كالهَباءِ
فاذهبِي يا رياحُ! بالحَرثِ والنَّسـ
ـلِ، وعودي بالأينِ والثُّؤباءِ (14)
وانسَخِي آيةَ الحِقارِ، وطُوفِي
بالعَوادي... بالرَّاية الحمراءِ (15)
واطرَحي للحياةِ ألفَ سؤالٍ
عن أبيسٍ وسيَرِهِ للوراءِ
يا ألوهيَّةَ العُجولِ! أفِيقي
من خُمارِ الجنون والصَّهباءِ (16)
لم تَضِق رقعةُ الخيال بعجلٍ
سامَ عُبَّادَهُ حياةَ الإماءِ
سارِياً في هَشِيمِهمْ سَرَيانَ النَا
رِ، تَذْروهُمُو سُدىً في الهواءِ
يا عقولاً تألَّهَ العِجلُ فيها
أيُّ قَرنَيه مُؤْذِنٌ بالعَفاءِ!
للبرايا من كلِّ جنسٍ ولونٍ
لم تَلِن للدِّيانة النَّكراءِ
يا عقولاً تمكَّنَ الضَّعفُ منهـ
ـا فاستَكانَتْ لِلْخطة الخَرقاءِ!
عشِيَت هذهِ العقولُ وهانَت
فاستعارت تَلَوُّنَ الحِرباءِ
ليس يُلحَى عِجلٌ، يَخورُ، فيُلقِي
بينَ عُبّادِهِ، بآيِ الثَّناءِ (17)
كلماتٌ من الرَّحيقِ المصفَّى
عَتَّقتها يَدا أبي البُلغاءِ
جَلَّ، يا ثورُ! مَن بَراكَ وناجا
كَ على الطُّورِ في ليالي الجَلاءِ (18)
أيُّها السَّابحونَ في لجُجِ الوَهْـ
ـمِ! أفيقوا من غَمرة الإغفاءِ
وضَعُوا العِجلَ حيث يَكدَحُ في الغَيْـ
ـطِ، ذليلَ القَرنينِ في استخذاءِ (19)
حيث يَشقى، كيلا يَجوعَ ويَظما،
في صفوف الأشباهِ والنُّظراءِ
حيث لا تَعبُد العجول إلهاً
من ذواتِ الأظلاف في الأهراءِ (20)
لَيتَ شِعْري! ماذا دها النّيلَ في النَا
سِ؟؟ أصيبوا بأقتلِ الأدواءِ
حينما ألَّهوا أبيسَ، فأصْلا
هُمْ جحيماً.. مُستشرياً كالوَباءِ
يتَردَّونَ في الحياةِ إلى القا
عِ، وَهُم قبلَه، دعاةُ العَلاءِ
فاشْرَقِي يا عيونُ بالدَّمعِ للنِّيـ
ـلِ! مُصاباً بالمحنةِ الخرساءِ
حيث تَبدو الأقلامُ والفنُّ والفك
رُ ظلالاً عديمةَ الإيحاءِ
حيث يَسري الشُّحوبُ في كلِّ شيء
يَتَغَطَّى بالرَّمزِ.. والإيماءِ
حيث غطََّ التّاريخُ في شاطِئَيهِ
نائماً عن مَصيره.. والنّداءِ
عن أبيسٍ (21) .. وعن عِبادِ أبيسِ
وضحايا السّياسةِ الحَوْلاءِ
يا زمانَ العُجولِ! أسرفتَ في الوعـ
د فَمَرحَى للهادم البَنَّاءِ
يا زمان العُجولِ! أمطرتَ دنيا
كَ، فأغرقتَها بهذا السَّخاءِ
فركبْنا طُوفانَها نضرِبُ الما
ءَ، صِراعاً، يَمضِي بغير انتهاءِ
كَذَب السَّامِرِيُّ، ما كنتَ، يا عجـ
ـلُ، سِوى فتنةٍ بغيرِ كساءِ (22)
ضَلَّ فيها لاهٍ، وصَدَّقَ أعمى
وتَسَلّى بها ذَوُو الآراءِ
وتصَدّى لها بسخرية الها
زِئِ ذو العلم والحِجا والذَّكاءِ
كيف لا تُعْبَدُ العجولُ؟ وما تُخـ
ـلَقُ إلا للذَّبحِ والإقتناءِ
بينما تَبلُغُ الجيادُ ذرى السّبْـ
ـقِ تَلِجُّ العُجولُ في الإبطاءِ
وكذا أنتَ، يا أبيسُ! ثقيلُ الـ
ـخَطو، فيما ابتدعتَ من أخطاءِ
الخُوار الطَّويلُ آيَتُك الكُبـ
ـرَى، تُناجِي بها هَوى الدَّهماءِ
الجياعِ الذين قد رُزِئوا فِيـ
ـكَ، وعاشوا على الطَّوى والعَراءِ
أنتَ أكذوبةُ الزَّمان على النا
سِ، أطاحَت بقصَّةِ العَنْقَاءِ (23)
يا مُسيلَ الدّموعِ من أعين الغَرْ
ثى! ولم يُصغِ ذَيلُه للبكاءِ (24)
القرابينُ من عِبادِكَ تَتْرَى (25)
تبتغِي منكَ سُنَّةَ الرُّحَمَاءِ
أفلا كان ذَيْلُكَ القَلِقُ الحا
قِدُ في خَطْبها من الشُّفَعاءِ؟ (26)
أنتَ في النيلِ حجَّةُ اللهِ في الأر
ضِ على النَّاس في الرّضَى بالبِغاءِ
لِمَ لَمْ يُلزِموكَ مأواكَ في الغَيْـ
ـطِ، لِتَشقى بالحَرث والإرواءِ؟
لِمَ لَمْ يُثقِلوكِ بالنِّيرِ والحَبـ
ـلِ، قِياداً، يَصُونُ حَقَّ الأداءِ؟
فَاحتَكِمْ، والتمسْ بأظلافِكَ النَّقـ
ـمَةَ فيهم بالحَيف والإزراءِ
والهُ، والعَبْ بهم، فما زال في جِلـ
ـدِكَ طِفلٌ، يَهِيمُ بالحَلوَاءِ؟
أفما مارسُوا الكَهانَةَ من قَبـ
ـلُ، وعاشوا من بعدِها للحِوَاءِ؟ (27)
أفما شَيَّدوا الهياكلَ للأر
بابِ من عِلْيةٍ ومن أُمراءِ؟
فَلْتكن أنت للمهازلِ، طُغْرا
ءَ يُوارِي المهازلَ -العرجاءِ (28)
لِتَكن ما يشاءُ ذيلُكَ والقَر
نُ إلهاً حقّاً.. بِغيرِ مِراءِ (29)
لستَ إلاّ عِجلاً تَردَّدَ في الغَيْـ
ـطِ، وشيئاً مِن أتفَهِ الأشياءِ
لستَ إلاّ أسطورةً في الأساطيـ
ـرِ، أضلّت سذاجةَ البُسَطاءِ
سيكُرُّ الزَّمانُ يوماً فَيَطويـ
ـها، ويَهوي بِرَهطها السُّخفاءِ
غفلةُ الدَّهرِ يا أبيسُ! أتاحت
لكَ دَوْرَ الظّهورِ بعد الخفاءِ
لم تكن في القطيعِ صاحبَ شأنٍ
يُرتَضَى بين أسوَأ القُرَناءِ
إنَّما كنتَ يا أبيسُ، وما زلـ
ـتَ، عقاباً لِنزوَةِ الأكفاءِ
خَسِئَ الواهمونَ، ما أنتَ فيه
غيرَ رمزٍ لشدَّة اللأْواءِ (30)
يا نذيرَ الخرابِ! نَكَّلتَ بالأحـ
ـرارِ، من أهلِه بغيرِ اتِّقاءِ
وَهُمُو أجلسوك في مجلس القا
ئِدِ يُلقِي الآمالَ رُكنَ التجاءِ
فإذا أنتَ أغْدرُ النّاسِ بالصَّحـ
ـبِ، وأوفَى لِفطرَةِ اللُّؤَماءِ
غِلتَهم، وانطَلقتَ، وحدَك، في النِّيـ
ـلِ، فَحِيحاً، كالحيَّة الرَّقطاءِ (31)
تنفثُ السُّمَّ حيثُ رُحتَ، حريقاً،
في دماءِ الجِيرانِ والأقرباءِ
وتألَّهتَ، واعتَليتَ مكاناً
في أمان الحرَّاسِ والرُّقَباءِ
الرَّعايا أمامَ هيكَلِكَ الرَّا
ئِعِ سَكرَى الإذعانِ والضَّوضاءِ
إيهِ يا عِجلُ! إنَّما كنتَ دلْواً
حَرَّكتْهُ الأقدارُ بيْنَ الدِّلاءِ
فدَعِ الماءَ من حَوافِيكَ ينصَبّ
ومِن قَعرِكَ العَديمِ الغَنَاءِ
لا لصَوْنٍ، ولا لِعَوْنٍ، تُرَجَّى
بَل لِلَغْوٍ، يا سَيِّدَ الفُصحاءِ! (32)
إن يَطُل ليلُكِ المؤرَّقُ، يا عَيْـ
ـن فَشِيمي مَصارعَ الشُّهداءِ (33)
أو يَطُلْ صبرُكَ الممزَّقُ، يا قلـ
ـبُ، تَرَقَّب نهايةَ البُلَهاءِ
قَلَمِي! قد ركبتُ صَهوتَكَ اليَو
مَ فعَرِّج بساكني الدَّهناءِ (34)
أطلِقِ الصَّوتَ في مُروءاتِ أهليـ
ـها، تُحَرِّكْ كوامنَ البَيْداءِ
فلقد أذَّنَ الصّباحُ ودَوَّت
صرخةُ الثأرِ من أعالي حِراءِ
صرخةُ الحقِّ والعدالةِ والإيـ
ـمانِ والنَّصرِ والهُدى والفِداءِ
رقَصَت رايةُ "العُقاب" عليها
في نَشيدٍ يَحدو خُطى "القَصْواء" (35)
إنَّه دربُنا القديمُ جِهاداً
نَبَوِيَّ المِعراجِ والإسراءِ
* * *
قَلَمِي! قد ركبتُ صهوَتَك اليو
مَ، فَخُضْ رِحلَةَ السَّنى والسَّنَاءِ
وأرِحْ سَرجهَا على شاطِئِ النِّيـ
ـلِ، تُحَرِّرْهُ من قيودِ التِّواءِ (36)
فلقد صَوَّحَتْ زهورُ مغانيـ
ـهِ، وغَصَّت طيورُهُ بالغِناءِ
ولقد جانبَ النسيمُ مساريـ
ـهِ، فِراراً من رِيحه النَّكباءِ
قَلَمِي! لم تَزَل لمجدِكَ أهلاً
في دواعي النُّهوضِ بالأعباءِ
لم تَزَل في مآزِق الضَّنكِ سيفاً
صارمَ الحَدِّ يَعرُبِيَّ المَضاءِ
لم تَزَل حاملَ اللِّواءِ وداعي
عِرقِه الحَيّ في أبي الزّهراءِ
قَلَمِي! إنْ بلَغتَ غايتَك اليَو
مَ، فَاقبِل إلي الكؤوسِ المِلاءِ
من حُمَيّا الجهادِ في نُصرَةِ اللَّـ
ـهِ، تَرَدَّى به نُسُورُ الجِواءِ (37)
واروِ عَنّا حديث عَمرو إلى النِّيـ
ـلِ وعهدَ الرُّعاةِ والخُلَفاءِ (38)
قصَّةٌ نَوَّرَت، وقادَت، وشادَت،
وارتَقَت شَأوَها بلا استعلاءِ
ما استَبَدَّت، ولا تحدَّت، ولكن
مَهَّدَت للهُدى بغير اجتراءِ
قلمِي! إنْ بلَغتَ غايتَك اليو
م، فحاذِر ضَلالةَ الأدعياءِ
قَلَمِي! عشتَ كوكباً يرسلُ النُّو
رَ، ويُعْلِي هدايةَ الأنبياءِ
* * *
يا حنايا أمِّ القُرى! فيكِ قَرَّت
مُهَجٌ، ما انطَوت على شَحناءِ (39)
بَيْدَ أنَّ الأذى، وعدوانَه السَّا
دِرَ، قد أجَّجَا لَهيبَ العِداءِ
فَليكنْ وِزرُهُ على رأسِ جانيـ
ـهِ هَجيراً يَلوبُ في رَمضاءِ
قد بَلَغْنا بالصَّمت آخِرَ حَدَّيـ
ـهِ لِياذاً بِشيمةِ الكُرَماءِ
وصَبَرنا.. وقد صَبرنا طويلاً
لتَحدّي السَّفَاهِ والبَغضاءِ (40)
فانطلَقنا إلى الحفيظةِ لا نَلـ
ـوي على العاذِلين والنُّصَحاءِ (41)
لا نَهابُ الرَّدى فما زال مَسرا
نا ومَسرى أجدادِنا القدماءِ
فلْتَهُبَّ الرِّياحُ من كلِّ صوبٍ
فَهْي من تَحتِنا ثُغاء الشَّاءِ
وَلْتَدُفَّ الأخطارُ شرقاً وغَرباً
فَهْي منّا ليست من الدُّخلاءِ (42)
* * *
نحن خُطَّابُها على السَّهل والوَعـ
ـرِ، وركّابُها على الدَّأماءِ (43)
وبأثوابِنا غُبارُ مَراميـ
ـهَا، بَدِيلَ الألقابِ والأسماءِ
* * *
قَلَمي! أنتَ للطَّلائعِ حَادٍ
للسَّرايا من لَعْلَعٍ وقُبَاءِ (44)
لَكأنّي بفَجرِ يومِكَ في الآ
فاقِ يَمحو الظَّلامَ بالأضواءِ
وكأنِّي بالبيتِ والرُّكنِ والقَبـ
ـرِ مَناراً للسِّدْرة العَصماء (45)
* * *
رُبَّ طاغٍ عَتا، فساءَ مَصِيراً
حيثما ازدادَ وَهمُهُ في النَّجاءِ
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1030  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج