شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَمْ سَدِّيقْ..
وسائل الإعلام الحاضرة لدينا ابتداء من جرائدنا اللي زي بعضها.. حتى لكانها توائم يخشى أباؤها.. وأولياء أمورها.. وهم أصحاب المؤسسات الصحفية أن تتغالى أحداها في الإنفراد بسحنة خاصة جديدة.. كما بدأت تفعل عكاظ.. فتحرم من الانتساب العائلي.. وانتهاء بمذياعنا الوقور.. وتلفازنا المبارك.. كل هذه الوسائل الإعلامية ألهتنا في عجلة من أمرنا عن حلول الذكرى الخمسينية المقامة في جدة أمس الأول.. في غفلة.. وسكون.. وتجاهل تام لأول جهاز إعلامي بشري متحرك فيها.. أي في جدة.. أم الرخا والشدة!!
وفي هذا الدليل الحي على سرعة نسيان الأحياء للأموات الذين طاحوا.. ولم يسقطوا.. في ساحة النضال لرفعة شأنهم.. وسد نقصهم.. والقيام بواجباتهم.. وذلك بالإعلان الهام عن كل ما يهمهم مما حز في نفس كاتب هذه السطور.. بقلم ناشف.. ودعاه بعد أن خلع ملابسه إلى إعادة ارتدائها من جديد بعد منتصف ليلة أمس الأول وذهابه حالاً بالاً إلى مقر بقية العائلة الكريمة من أبناء وأحفاد العم سديق.. كما كان الأوائل من أبناء بلدنا ينطقون الصاد سينا في لهجة شعبية.. سادقة!!
والاسم الكامل لعم سديق.. هو عم صديق حلواني المنادي.. والمنادي إضافة مهنية لحقت اسمه ولقبه بعد الاحتراف.. والحلواني لقب العائلة يعود كذلك إلى صنعة جد جده.. حيث حل محل لقبها الأصلي بالطبع.. وهي عادة درجت عليها ألسنة الناس.. يضيعون بها على الناس ألقابهم حين يرددون بدلها حرفهم فتشيع.. وتلصق بصاحبها.. وهذا بحث اجتماعي طويل لا نرى داعياً له الآن.. وإن كان قد دعانا له الاستطراد كالعادة درجنا عليها.. أو كمرض مزمن في لساننا!!
الشاهد.. أو الأمر وما فيه.. إن كاتب هذه السطور حين ذهب في الذكرى الخمسينية لوفاة العم سديق إلى دار عائلته بعد منتصف الليل.. وبعد أن فتحوا له باب الشقة.. ولم يجد ما كان مقدراً وجوده.. وقف حالاً.. ودون دعوة منهم.. خطيباً بينهم.. قائلاً لهم في صوت حزين:
يا أفراد العائلة الحلوانية!! ما لي أراكم هكذا.. بين نائم.. ومن كأنه قائم من النوم؟! هل نسيتم الإعلامي الأول عم صديق؟ كيف طاوعتكم قلوبكم الصلدة.. ونفوسكم الجادة أن تتجاهلوا ذكرى وفاته الخمسينية إلى هاته الدرجة؟ بل كيف سمحتم لأنفسكم أن تقرؤوا الجرائد اليومية.. وأن تستمعوا للراديو.. وأن تشاهدوا التلفزيون من بعده وبالأخص في ليلة ذكراه الماسية؟ تالله لئن ضاعت أصداء صوته الجهوري القوي من أزقة جدة وأسواقها وشوارعها فإنها باقية في أسماعنا نحن صبية الأمس.. شيوخ اليوم!!
إن من حق تلك الأصداء أن تبقى بين جدران بيتكم الضيق هذا.. والضيق في الصدور.. وفي رحبة الحوش المجاور للزقاق الذي بقي من أصل سوق الندا الكبير القديم.. الأصلي.
ويا ريت.. أو ليت.. وهل تنفع هذه الليت. ليت أن المسجل قد فن في أيام المرحوم فسجل لنا ولأحفادنا ذلك الصوت الذي قلما يجود الزمان بمثله.. ولكنني أبشركم.. نعم!! أقولها بعلو صوتي أنا.. أبشركم أن هناك بحثاً علمياً تكنولوجياً يدور من حوالي العشرين سنة لفرز الأصوات التي يقولون إنها باقية في الفضاء من قديم الزمان وسالف العصر والأوان.. ولسوف، إنْ أخذ الله وداعة الجميع منا ومنكم. يتمكن أحفاد أحفاد أحفادنا بسماع صوت المرحوم من جديد!!
أخواني!! ها؟ ايش قلتوا؟ هيا قولوا لي.. كيف سويتوا كذا يجماعة؟ ليش يناس عملتوا فنفسكم هادا اللي عملتوه؟ يعني هو عيب؟ يعني هادا يسير؟! ايش فيها الجرايد هادي اللي بتقروها كل يوم.. و.. و..
وعند و.. وهذه.. وقبل أن أعطف ما بعدها على ما قبلها من قولي المحرك للشؤون وللشجون معاً في قلوب ونفوس بقية أفراد عائلة عم صديق.. ابتدأ الكل ينشجون.. أو يمخطون ويلطعون وفي نفس الوقت يتعاتبون ويتلاومون.. وذلك فيما عدا الشاب الذي لم يدرس علم الآثار.. ولم يلم بعلوم الاجتماع.. أو بفنون الفولكلورات الشعبية بأنواعها.. حيث هب جالساً.. بعد أن كان واقفاً.. ثم صاح في وجهي بقلة أدب متناهية.. وأشار الولد المتعجرف إلى الباب الخارجي علامة لطردي من البيت صائحاً بأعلى صوته: ومن هو عمك صديق حلواني هذا حتى تجيء في مثل هذا الوقت لإزعاجنا من أجله؟
هنالك.. والحق يقال للتاريخ وللأمانة الفنية.. تحركت ست الشاب ـ أي جدته ـ قائله له في أسى وصبابة.. وه!! وه!! يصادق.. هو أنت الين دحين ما تعرف أن أبو أبوك.. وقالتها وكأنها تشتمه.. اسمو صديق؟
بهذه التحميلة الموسيقية ـ على طريقة بعض كتابنا ونقادنا العصريين ـ ندخل إلى سرد سيرة شخصية شعبية لها في التاريخ الجداوي البعيد القريب أعمق الآثار وأبعدها في جميع النفوس والأسماع.. سيرة العم صديق حلواني المنادي.. والشهير بعم سديق!!
ولقد عثرنا لحسن الحظ مصادفة على استمارة قديمة من استمارات أيام زمان.. ومنها يمكن إلقاء الضوء كما يقولون.. على هذه الشخصية الخطيرة في دنيا الإعلام القديم.. وهذه الاستمارة مخطوطة بخط الكاتب العمومي الأستاذ المشاط المشهور مكانه بقهوة الجماله على عهد شيخ المخرجين النجاوي:
س: اسمك؟ واسم أبوك؟ وعائلتك يشيخ!!
ج: صديق صادق حلواني!!
س: اسم الحارة يبويا؟
ج: المنادي.
س: تيلادك.. يعمي؟
ج: أول السنة اللي جا فيها البابور جها نقير لجده أول مرة!!
س: محل ما انولدت.. يخويا؟
ج: جده.. سوق الندا.. جنب زاوية أبو سيفين!!
س: طولك بالدراع المعماري.. يشيخ؟
ج: والله أنا قط ما قست نفسي.. بس أنا أعرف إني أطول من عمي ياسين!! واقصر من خالي طاها اللي كانوا يقولوا لو: طاها.. الذي رخاها!!
وتقول بقية الاستمارة المكتوبة نيابة عن العم صديق المنادي بقلم الكاتب العمومي بقهوة الجمالة الأستاذ المشاط:
س: ـ العلامات الفارقة.. يوليد؟
ج: ـ فقشة حجر في جبهتي.. وتشريط بالموسى في خدي.
س: ـ أحسن غدوه.. عندك؟
ج: ـ الصيادية.. والمشرمل للغموس!!
س: ـ والعشوة..؟ خلصنا قوام!
ج: ـ الفص.. يعني الفول.. ويا اما الكباب الميرو والا المقلية!!
س: ـ بتستعمل ايش لحسك.. يعني لصوتك اللي زي الضاهية!!
ج: ـ النبات الشيناوي.. وهو في أحسن منو؟
س: ـ يا الله.. امظي هنا يشيخ.. وروح فحالك!! تعرف تمظي؟
ج: ـ لا.. ما أعرف أمظي.. لكن عندي المهر حقي.. خد.. خد.. اهو!!!
ورحمة بأذواق الأنجال والأحفاد من الجيل الجديد.. فإننا نقتصر على ما سلف.. ونترك الباقي من الاستمارة لمن سيوفقهم الله مستقبلاً للحفاظ على تراثنا الشعبي الباقي.. لننتقل إلى إعطاء هذه الشخصية حقها من السرد.. والشرح.. والتعريف.
لقد انفردت شخصية عم صديق حلواني المنادي بالشهرة المستفيضة في طول مدينة جدة وعرضها طيلة نصف قرن من الزمان.. بل وأكثر من ذلك بكم سنة وبضعة شهور.. فلا يمكن.. تعرف ايش يعني لا يمكن؟.. لا يمكن أن يوجد آنذاك أحد.. أي أحد صغيراً كان أم كبيراً.. أم بين.. بين.. من سكان جدة وملحقاتها من الضواحي والقرى يجهل اسم عم صديق المنادي كما كان يسميه الصبيان الذين كانوا منه وله بمثابة الجوقة.. يكونون أعضاء الفرقة الموسيقية يحيطون ويحفون به.. وهو ينادي على ما ينادى عليه.. كما تحف أعضاء الفرقة بالمطرب الشهير.. طائفاً بالأسواق.. دائراً بالشوارع.. لافاً بالأزقة.. ملعلعاً.. مترنماً.. في تنغيم وتطريب بصوت يخترق الأذان.. ويتعدى الجدران.. ليغزو كل مغلق.. أو مبسط.. أو دكان.. ليصل به.. أي بصوته.. إلى حيث تريد طبقته العالية جداً والمشابهة من حيث المقابلة المعمارية بناطحات السحاب في قلب.. لا صوت.. نيويورك.
أما اسمه بالكامل.. كما خطته يدا كاتب قهوة الجماله العمومي.. وحسب منطوق لسانه.. فهو صديق صادق حلواني.. وقد ولد لأبوين فقيرين بالنسبة للتقييم المالي المادي.. ذلك أن أباه كان.. والا بلاشي!! وإن أمه.. وإلا أقول لك.. برضو.. بلاشى!! كما أنه كما تذكر الداية التي تلقته بيديها قد جاء إلى هذه الدنيا الفانية صارخاً صراخاً لم تعهد مثله في مواليد الحارة.. بل ومواليد جدة شملاً كملاً كما تقول.. ولهذا فقد تنبأت إحدى العجائز القرم الحاضرات وقت النفاس بقولها: الولد هادا راح يطلع منادي! فسرت بذلك جميع الحاضرات من النساء.. وضحكت أمه رغم آلام الولادة لسرورها من هذه البشارة!!
ويقول عم صديق عن نفسه وحين تقدمت به السن.. واحتاج إلى ترديد الذكريات القديمة.. شأنه في ذلك شأن كل من تتقدم بهم الأسنان والسنون.. إنه نشأ هاوياً.. بل عاشقاً للصراخ.. ورفع الصوت.. وهي صفة غير جداوية على العموم مما آثار ((حفيظة نفوس)) الكثيرين عليه.. ومما دعاه إلى التفكير في استغلال طبقاته الصوتية العالية في غير ما يؤذي الناس.. فاتجه إلى الغناء.. ولكن الجسيسة المحترفين ضيقوا عليه الخناق والمجال.. فانصرف رغماً إلى ممارسة الأذان مجاناً.. ثم انقطع عنه مرغماً كذلك.. حسب أمر القائمقام نزولاً على شكوى الأهالي!!
وهكذا انتهى أمر العم صديق بالجلوس في بيته بالليل.. مفكراً فيما ينبغي عليه أن يعمله.. مصرمحا بالأزقة.. فالشوارع.. فالمقاهي بالنهار.. لعل وعسى.. وفجأة.. ولأمر يريده العزيز القدير.. ولا راد لأمره.. فقد صادف أن اختلف عم صديق مع القهوجي المجاورة قهوته لمسجد الباشا على الحساب.. وتصايحا.. وحد العم صديق الطبقة.. وتصادف أيضاً أن مر في تلك اللحظة التاريخية المناسبة الخواجه هنكي وكيل البواخر الأجنبية.. ومؤسس بيت جلاتلي هنكي وشركاه.. وهو البيت الإنجليزي التجاري العتيق.. والمعروف في جدة كلها والذي كان مقره بجوار الكنداسة القديمة.. وعلى مقربة من مسجد الباشا.. وحيث القهوة التي وقع فيها الخصام وسمع الخواجه صوت عم صديق.. ودون أن يعرف معاني الكلمات والمعاني المنطلقة من فم العم صديق انطلاق القنابل والقلل.. فأعجب كثيراً بهذه الموهبة الصوتية.. وهز رأسه بل وخلع قبعته ـ أي برنيطته ـ من فوقها.. وتمتم في انجليزية سليمة: فري.. فري قود!!
هنالك.. ولحسن الحظ.. لاحظه عم صديق.. فاقترب منه.. ووشوشه في أذنه بالعربي.. فلم يكن من الخواجه هنكي إلا أن يزيح فم عم صديق عن أذنه.. لا لأجل انزعاجه من رائحة البصل بل رغبة في انجاز نيته التي أضمرها.. وأشار لعم صديق أن يرفع صوته وأن يصرخ بعزم ما أعطاه الله. فأدرك العم سديق غرضه.. وزعق قائلاً:
يا هنكي.. بامارية وصول البابور الطايف.. بوسطه خديويه اليوم لجدة.. وزي ما قلت لي بالانقليزي إنك تبغي تدفع حساب القهوجي هادا.. جبا من عندك.. وإن كان الجبا ممنوع.. والزعل مرفوع.. فأنا ما عندي مانع أنك تحاسب عني.. وإني ما راح أزعل.. والحاضر يعلم الغائب!!
هذا.. وتقول الرواية الثابتة شعبياً أن الخواجه هنكي بعد أن سمع صوت العم صديق ـ المشهور بالمنادي ـ لم يتمالك نفسه من الإعجاب. فقام حالاً بتسديد حساب القهوجي.. بل ومد يده إلى جيبه ثانية.. وأراد أن يغرز للعم صديق ما جادت به نفسه.. ولكن العم صديق صاح في وجهه: افا.. أنا المسلم.. أخذ منك أنت يخواجه.. ينصراني صدقة؟ لا.. لا.. الجبا معليش عشنو فن!!.. بس الصدقة.. لا.. لا.. هادي ما يقبلها المسلم إلا من مسلم زيو!!
هنالك.. كما يقول الفتيني صاحب القهوة.. رد الخواجه هنكي فلوسه إلى جيبه.. ومد يده مصافحاً العم صديق معجباً بهذه الروح العالية.. وودع الجميع ذاهباً إلى مقر مكتبه حيث بادر حالاً إلى كتابة تقرير سري لمركز شركة أوبيت جلاتلي هنكي وشركاه الرئيسي في لندن يقول في بعض فقراته ((حيث إن من أكبر أعمال مؤسستنا توكيلات البواخر.. ونظراً لأننا تعبنا كثيراً في إعلان قدومها وسفرها بالطريقة المرضية.. وبناء على إنني سمعت اليوم بالمصادفة صوتاً عربياً فريداً في نوعه لشخص يسمى ((الام سديق هالاواني)).. فإنني أرشح المذكور فهادا هو اللي يسلح للإعلان.. وقبل أن أنسى أذكر لكم أن الهالاواني هذا زكاه كل من المساتر.. أثمان.. ناشار.. اشماوي.. ((يقصد المرحومين المشائخ عثمان باعلمثان.. محمد نشار.. أحمد عشماوي)) وبموجب هذا التقرير السري جاءت الموافقة بالتلغرام.. وعن طريق وكالة روتر على تعيين عم صديق حلواني منادياً على بواخر جلاتلي هنكي وشركاه.. ولعلها أول موافقة وتعيين تأتي بالتلغرام في تاريخ جدة القديم..
وهكذا.. ابتدأ صوت عم صديق يعلو رسمياً وشعبياً في سماء جدة.. وعلى طريقة الخير لمن يقدف.. يقدف.. فقد وصل الخبر بطريقة سرية أيضاً إلى بيت الحاج زينل رضا وشركاه.. ثم بنفس الطريقة وصل لبيت فاضل عرب وشركاه.. فتعاقد كل من البيتين التجاريين مع العم سديق الذي أصبح لا ينادي إلا ((المنادى)).. فابتدأ بمنظوماته الإعلانية التي يدين لها الانتعاش ودار على جميع الأسواق.. والشوارع والأزقة والبرحات.
ولما كان العم سديق فناناً صوتياً.. فقد استغل أولاً طبقات صوته العالية في هذا المضمار.. وثانياً قام في سكوت تام ترتيب وتنسيق كل طبقة في أرشيفها الخاص بها.. وخصص كلا منها لما يليق به.. فجعل.. مثلاً.. للولد الضائع طبقة خاصة به.. كما أفرد لقدوم أو سفر الباخرة رضواني طبقة تجارية مميزة بلحن مميز.. كما اختص الإعلام الرسمي بطبقة وقورة مهذبة.. لا تتبدل ولا تتغير!!
ومن الأمثلة على ذلك.. دون ترتيب فني.. ولكن لأخذ فكرة عن الطبقات ونماذجها الآتي:
أ ـ يا خوانا.. يا هل البلد.. بابور بوسطه خديويه اسمه الطايف ميعاد وصولو بكره من السويس.. أو.. البابور جهانقير.. أو علوي.. أو رضواني بكره ميعاد وصولو.. ويقوم من جدة يوم الخميس الجي لبومبي وكراشي.. فعلى كل من عندو ((صر)).. يعني تحويل نقدي.. أو بضاعة مراجعة كوبانية هنكي.. زيني.. عرب.
ب ـ يا خوانا.. يا هل البلد.. مين شاف الولد الضائع.. والحلاوة حاضرة.. لابس كدا.. الخ.
ج ـ يا خوانا.. يا هل البلد.. كل مين يشوف الهلال.. يروح الاقتصادي إلى حد كبير.. وخطير..
ولم تكد تمضي بضعة أسابيع على قيام عم سديق الشهير ((بالمنادي)) بالإعلان عن البواخر.. حتى تنبه أهالي جدة إلى فوائد ومزايا الإعلام الشعبي.. وميزات الإعلان.. فأقبلوا.. أو هرعوا كما يقول حبيبنا وأخونا غير المذكور.. إلى بيت العم سديق.. لتسجيل إعلانات لهم.. ابتداء من الولد الضايع.. إلى تعيين مواعيد المناسبات الهامة.. مثل الصرافة.. والزواج.. والطهور!!
ولقد رأت الجهة المعنية ضرورة تركيز هذا الجهاز الإعلامي البشري فجددت عقدها معه لإذاعة وبث الأوامر والممنوعات وما يلزم.. فكان محل الثقة والأمانة.. وحسن الأداء.. ابتداء من دخول أو خروج رمضان.. إلى صلوات العيد.. والاستغاثة.. و.. و.. من كل ما لا بد من الإعلان الرسمي عنه.. فكان الناطق الرسمي والشعبي معاً.. دون مزاحم.
وبذلك كله.. لا بعضه.. دخلت شخصية عم سديق حلواني الشهير ((بالمنادي)) التاريخ الشعبي من كافة أبواب جدة الأربعة وهي باب جديد شمالاً.. باب شريف.. جنوباً.. باب مكة شرقاً.. وأخيراً باب البنط من الجهة الغربية الملاصقة لبحر الحجر وبحر الطين.. فتربع العم سديق.. بل وقف.. وتمشى.. وطاف ولف للمحكمة يبلغ باللي شافو..
د ـ أما القفلة للثلاثة الأنواع التجارية.. والأهلية.. والحكومية.. فهي دائماً.. أبداً:
والحاضر يعلم الغائب!!
هذا.. ويذكر بعض المعاصرين الخبثاء أن هواية عم صديق.. بعد جلوسه في القهوا للقط أنفاسه وأخد سكة.. أو دور.. داما.. هي ولعه وحبه للجنيهات الذهبية.. فقد كان يضع الجنيه أبو بنت وراء شفته السفلى وحين ينادي يحركه لدى نهاية كل مقطع ليراه الحاضر فيعلم الغائب.. وقيل أن الذهب يقوي الصوت!!
ذلكم.. هم عم صديق حلواني الشهير بالمنادي.. وهذه الشهرة لا تحتاج إلى تعليل.. أو تفسير.. وقد مرت ذكراه كما وصفنا.. لذلك فقد رأينا تكريماً له لا لها رثاءه في حدود الصنعة اللائقة بالمنادي الأشهر.. حيث لم يكن خليفته فيها المرحوم أيضاً الشيخ سعيد أبو الجدائل.. وهو آخر المنادين في مستوى عم سديق!
فقلنا في ذلك:
صديق.. يا كل الجرائد شفتها
في لحظة.. متسلقحا
يا بحة الراديو توحد في البرامج
بائتاً.. أو صابحا
يا صيحة التلفاز والبطل الأميركي
قد تعنقل طائحا
من قبل ما فن الجميع.. على الجميع
وكان وقتاً صالحا
يا من إذا رفع العقيرة بالنداء
فإنه ما كحكحا!!
وإذا رأى التنويع في بعض المقا
طع.. نحنحا
يا ليت سجلنا صراخك في الشوا
رع.. والأزقة صائحا
جنقير.. أو علوي: كما
الولد الذي قد ضاع منا البارحا
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1814  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.