| قالَتْ وفي دَمِها من لوعةٍ لَهَبُ: |
| علامَ عيناكَ يرسو فيهما التَعَبُ؟ |
| وَلِمْ قناديلُكَ الخضراءُ مُطْفَأََةٌ |
| كأنَّما نَسِيَتْها تلكمُ الشُهُبُ؟ |
| وَلِمْ جوادُكَ جُرْحٌ رُحْتَ تَرْكَبُهُ |
| فما يَضُمُّكَ بَيْتٌ حيثُ تَغْتَرِبُ؟ |
| فَبِئْسَت الشمسُ إنْ لم تُسْقِنا أَلَقاً |
| وَبِئُسَت الأرضُ لا ماءٌ ولا خَصَبُ؟ |
| وبئسَ عمرُكَ في التشريدِ تُنْفِقُهُ |
| نديمُكَ الخوفُ والحرمانُ والسَغَبُ |
| فقلتُ: عَفْوَكِ، بي من كلِّ ناحيةٍ |
| جُرْحٌ يُؤرِّق أحلامي وَيَغْتَصِبُ |
| أنا الذبيحُ الذي عُلِّقْتُ أِزْمِنَةً |
| على الدروبِ، ظَلومي: أَهْليَ العَرَبُ! |
| نَذَرْتُ للوطنِ المشنوقِ قافلةً |
| من السنين، عليها من هوىً ذَهَبُ |
| وأَصْعَبُ الجرحِ: جرحٌ لا يسيلُ دماً |
| وأَعْمَقُ الحزنِ: حزنٌ ما له سَبَبُ! |
| رَضَعْتُ حزناً من الثديين في صِغَري |
| وإذْ كبرتُ: فحزني إخوةٌ وأَبُ! |
| أُسامرُ الكأسَ لا حُبّاً بِنَشْوَتِها |
| لكنَّ ذُلِّيَ في آفاقِها: طَرَبُ! |
| أُخِيطُ جرحيَ بالسِكّينِ، يحرقني |
| ماءٌ، ويُثْلِجُني في جَمْرِهِ اللَهَبُ! |
| عريانُ تُلْبِسُني الذكرى عباءَتَها |
| وفي بحيرةِ عشقي يَغْرَقُ الخَشَبُ! |
| أما عبرتُ بحاراً دون أشرعةٍ |
| وفي حقول فؤادي أَعْنَبَ القَصَبُ؟ |
| فكيف يُثْكِلُني عشقي، وَيَذْبَحُني |
| عُشْبي، فَيَفْرَع في أشجاريَ الجَدَبُ؟ |
| * * * |
| فيمَ العِتابُ؟ وماذا يَنْفَعُ العَتَبُ؟ |
| أنا دُخاني وناري.. بل أنا الحَطَبُ! |
| عَشِقْتُ "دجلةَ" لولا أَنَّ طاغيةً |
| على العراقِ – يداهُ الجوعُ والجَرَبُ! |
| فكيف أطلبُ من غاباتِهِ عِنَباً |
| هذا الذي عَزَّ من بُستانِهِ الكَرَبُ؟ |
| يا عاشقاً لم تُسامِرْ قلبَهُ امرأةٌ |
| وسامَرَتْهُ دواةُ الحِبْرِ.. والكُتُبُ |
| يا راحلاً زادُهُ جرحٌ وَمَسْغَبَةٌ |
| وماؤُهُ في صحارى حزنِهِ الغَضَبُ |
| أَكُلَّ مَطْلَعِ فجرٍ ثَمَّ مَذْبَحَةٌ؟ |
| وكلَّ مَهْجَعِ ليلٍ ثَمَّ مُضْطَرَبُ؟ |
| وإنَّ من عَسَفِ الدنيا – وقدْ هَرِمَتْ – |
| أَنْ يكذبَ الصدقُ أو أن يصدقَ الكَذِبُ! |
| بيْ للأحبةِ شوقٌ ما عرفتُ لهُ |
| صَبْراً، ودون مُنايَ الضَيَّمُ والرُعُبُ |
| للواقفاتِ حياءً خلفَ نافذةٍ |
| يكتُمْنَ وَجْدَ فؤادٍ شَفَّهُ الوَصَبُ |
| لعاشقٍ تبعثُ السلوى رَبابَتُهُ |
| تَهُزُّني – فإذا شوكُ الهوى عِنَبُ! |
| وخاشعين إذا قام الأذانُ بهمْ |
| صلّى فمٌ طاهرٌ والخافقُ الخَضِبُ |
| وإِخوةٍ ليَ ما ضاقَتْ شواطِئُهم |
| يوماً، ولا مرةً في دِينهم كَذَبوا |
| نشقى فَنَرْضَعُ من إيمانِنا لَبَناً |
| وإذْ يحينُ رحيلٌ فالتُقى أَرَبُ |
| وَرُبَّ ظُلْمَةِ ليلٍ رغم قَسْوَتِها |
| أضاءَها حُلُمٌ، أوْ شَفَّها أَدَبُ |
| وَلَسْعَةٍ من سياطِ القهرِ تَجْلِدُنا |
| تَشدُّنا للمنى، والفجرُ يقتربُ |
| * * * |
| آهٍ على وطنٍ كاد النخيلُ به |
| يكبو، وَيَبْرَأُ من أَعْذاقِهِ الرُطَبُ |
| وكاد يَبْرأُ حتى من كواكِبِهِ |
| ليلٌ، وَيَخْجَلُ من أجفانِهِ الهُدُبُ؟ |
| لا يا حبيبة، هل يُشقيكِ قَفْرُ يدي؟ |
| ليَ الضنى، ولغيري الجاهُ والرُتَبُ |
| يَظَلُ فقريَ أسمى من وجاهَتِهم |
| ما دمتُ – من شرفٍ – للطهرِ أَنْتَسِبُ |
| * * * |