شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد الحق النقشبندي
ومات الصديق والزميل الأستاذ عبد الحق النقشبندي. وقد عاش حياة عريضة فيم أثمر، طويلة. إذ عمر، كنا زملاء دراسة، وإن كان يكبرني بأكثر من سنوات خمس، فقد أدرك المدرسة العثمانية ولم أدركها. وتزاملنا في مدرسة واحدة. غير أن أسباباً دعته ألا يبقى في هذه المدرسة، فرحل إلى الهند. فهو من عرق هندي. أبوه الشيخ عبد السلام نقشبندي كان من الرجال الذين تمتعوا باحترام عارفيهم فالأستاذ عبد الحق كان وجيهاً، وإن لم يكن في وجاهة أصحاب الثراء أو الذين ينسون أنهم هاجروا إلى المدينة كأبيهم فأخذتهم الكبرياء ألا يروا مثالنا إلا من المجاورين تلك حقبة مضت وإن أتعبت.
وحين وصل إلى الهند انتظم في جامعة (جيوبند) يكلأه الشيخان خليل أحمد وحسين أحمد. بكل العناية. فأمضى مدة الطلب للعلم سنوات وجاء إلى المدينة يتزيا بزي علماء الهند، فاستقبلناه صديقاً وكنت أمشي معه يوماً، نذهب إلى العمرانية، البستان خارج باب العنبرية، أهيّىء للبشكة ما يحتاجون إليه حين يتكامل جمعهم نبيت هناك تحت رئاسة شيخنا عبد القادر شلبي الطرابلسي.. وبينما نحن نخرج من حارة (ذاروان) التي يسمونها أهل المدينة الآن (ضروان) جرى على لساني في خلال الحديث معه هذا البيت للمتنبي.
ماذا أريد من الدنيا وأعجبه
أني بما أنا باكٍ منه محسود
فقال هذا الشيخ الهندي، وهو مازال في زيه الدوبندي، وهو يربت على كتفي: ما شاء الله ما شاء الله تحفظ للمتنبي؟ قلت: غداً حين تلبس الغترة والعقال تخرج من هذا السؤال إلى زمالة النديد للنديد وضحك ولم يغضب فقال ما كنت أريد أي شيء خطر في بالك. قلت: لا شيء لكن تغيير الزي يعتدل به الأسلوب وتزاملنا أساتذة في مدرسة، وكان إذا تحرك إلى أمر، قد يفاجئ به، ولكنه لا يظهره إلا بعد تفكير وإمعان فاشترك مع السيد عثمان حافظ في تأسيس مكتبة وقد كان من حسن التوفيق أن الصحف والمجلات، وفي مصر بالذات قد بدأت ترد إلى هذه المكتبة بالسعي الحثيث من عبد الحق النقشبندي فهو بحق أستاذ لجيله ولأجيال بعده.. بهذه المنحة قراءة المجلات والصحف وقد تتلمذت عليها وكانت مجلة السياسة الأسبوعية والمقتطف والهلال ثم الثقافة والرسالة مؤثراً كبيراً في ثقافتي.. أضفنا إلى قراءة التراث إضافة جديدة مما احتفلت به هذه المجلات.
وخرج أكثر جيلنا من المدينة لسبب يتضح من قول ابن المقفع لأمر ما باعت سمسماً مقشراً بغير مقشور)) أما أستاذنا عبد الحق النقشبندي فقد أخذ يقول لنفسه ((أثبت أحد)) وانفرجت سبل العيش في المدينة فإذا هو يعمل في المحاماة موفقاً يكسب ما أعانه على الإِقامة.
وسافر إلى العراق فأخذ يكتب عن رحلته بأسلوب إذا ما قرأته كأنما تقرأ أمين الريحاني كتب عدة مقالات كانت حافلة عرفه بها إخواننا في هذا الكيان الكبير. وفي مكة وجدة بالذات.
ولا أدري ما الذي عدل به عن هذا الأسلوب الجميل، رفيع البيان. ولقد كتب في مجلة المنهل كتابات منجمة. ولعلّه قد كتب عني فلم أقرأ ذلك. وآخر مرة رأيته فيها كان ذلك في مؤتمر الأدباء الذي عقد في جامعة الملك عبد العزيز.. فرحبت به، أجدد الصداقة معه في كل ما ينبغي لها من الصدق، فنسينا ما كرب به منا من نزوات الشباب وما أغضبنا منه من غطرسة الأستاذ يرحمه الله والعزاء لكل أهله وأصدقائه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1936  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 378 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج