يطيب لي في هذه المناسبة السعيدة - ذكرى (2) الجلوس الملكي أن أحيي هذا اليوم المبارك الميمون بكلمة موجزة تحمل بين طياتها أعمق شعور الاعتراف بالفضل وأجمل آيات الحب والإخلاص والشكر والثناء لحضرة صاحب الجلالة قرة عيون العرب والمسلمين جلالة المحبوب (سعود بن عبد العزيز) أمد الله في حياته وبلغه خير أمنياته.
ولا يسعني أن أحمل الكلمات أكثر مما استطاعت حمله من المعاني المتداولة حتى الآن.. وأعتقد أنني عاجز عن التعبير عن كل ما يدور بخلدي ويجيش بصدري من معاني الإجلال والحب والإكبار لشخصية صاحب الجلالة مولاي الملك المفدى.. فقد تجاوزت أياديه وفواضله الكبرى مل ما عهد الناس من بواعث المجد والفخر والاعتزاز وقد ضرب جلالته أرقاماً قياسية في كل مجد أثيل وخلق نبيل وعمل جليل..
ولا يستطيع أي كاتب مهما بلغت مقدرته البيانية.. ولا أي شاعر مهما خلق وأبدع أن يوفيه حقه من الوصف والإنصاف والشكر والاعتراف.. إلا أن يعترف طائعاً مختاراً بالعجز والتقصير وليس ذلك كما عرف الناس في العصور الغابرة من قبيل التزلف ولكنها الآيات البينات والدلائل الباهرات:
وليس يصح في الإفهام شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
إن الشعب بأسره بدوه وحضره كبير وصغيرة شبابه وشيوخه وفي جميع ربوعه ومرابعه ومدنه وقراه يلهج في إيمان ونصح وإخلاص "بسعود" وما أغدق الله به على شعبه من نعم لا تحصى، وما قرن الله به أعماله ومساعيه من نجاح وتوفيق وكله يرنو إليه ببصيرته قبل بصره داعياً لجلالته بالعز والتمكين، لا لأنه الجالس على العرش أو الرمز العالي الذي جرت عادة الله في خلقه بأن يوقر ويعزز ويحترم ويطاع فحسب، بل ولأنه يبذل من ذات قلبه وعقله وصحته ورفاهيته ما يستمتع به أفقر الناس وأكثرهم تواضعاً في الحياة.. إنه يسهد ويسهر في غسق الليل وبين كلاكل الشجون.. إنه يقتحم الفضاء والأجواء والبحور والبرور والحزون والسهول ويتجشم من المشاق ما تنوء به العصبة أولو القوة كل ذلك في سبيل العزة والشرف والكرامة وفي سبيل الذود عن العرب والدفاع عن الإسلام والمسلمين.. يستوي في ذلك لديه كل من نطق بالضاد وشهد أن "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" إنه يسخو بكل ما في يديه من كنوز وذخائر وأموال في تحقيق الأهداف العربية والإسلامية والإصلاحية مما يعلمه عباد الله، ومالا يعلمه إلا الله وحده.. إنه صاحب عقيدة لا تتبدل ولا تتحول في إخلاص سعيه وعلمه وكل تصرفاته الظاهر منها والباطن لله وحده - وادخار ذلك كله ليوم الجزاء.. (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً) إنه لا يقابل أحداً إلا بما يكره إلا أن يكون الغضب عليه والنفور منه انتصاراً لدين وشرعه الحنيف، إنه يشمل كل من يحظى برؤيته والسلام عليه بعطف الأب الحنون والأخ الصديق، إنه يشمل كل من يحظى برؤيته والسلام عليه بعطف الأب الحنون والأخ الصديق، إنه يغدق على كل المشاريع الإنشائية بما لا يدخل تحت حصر من الأموال الطائلة.. لتقدم بلاده ورفاهية شعبه إنه الملك الوحيد بين الملوك.. الذي يستطيع أن يطمئن إلى حب شعبه وتفانيه في هذا الحب لأنه لم يعمل له إلا مل ما يغرس لجلالته هذا الحب البريء الصادق في أعماق القلوب، إنه كنا يرضي الله ورسوله ديناً وتقوى، وكما يود العلماء تأسيساً واقتداء في أقواله وأعماله إنه الرشد والعقل والحكمة سياسة وتصريفاً للأمور على ضوء الهدى النبوي الكريم والخلق العربي النبيل، ولو ذهبنا نحصي بعض ميزاته وأولياته في تكوين شعبه وتطور بلاده خلال خمسين سنة مضت لاستغرق ذلك كثيراً من الصحف والمجلدات.. و (قد حفلت بذلك الكتب القيمة).
ومن الآثار والمآثر التي اختص الله جلالته بها وادخرها لتكون في ميزان حسناته الراجح إن شاء الله.. توسعة وتجديد (المسجد النبوي الشريف).. و (المسجد الحرام) توسعة وتجديداً لا يتمثلها إلا الخيال المجنح؟.. وفيما انتهى عمله من ذلك حتى الآن ما هو بمثابة العنوان على الكتاب الكبير.. وما يسع الشاكر المنصف إلا أن يدعو لجلالته بطول العمر ودوام العز والنصر والتوفيق.
وفي المجالات العديدة التي تنم عن أعماله العظيمة ليتحير الكاتب بأيها يبدأ؟ وفي أي شوط منها يقف؟.. فهي كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها؟.. وهي إذا أردنا الإيجاز ولم نجازف.. زبدة أمجاد العرب - إبان عصورهم الزاهية في مختلف عواصمهم الكبرى في (بغداد) و (دمشق) و (قرطبة) و (القاهرة).. وهي على ذلك مواكبة لركب الحضارة فيما يتصل بالتقدم الصحيح الثقافي والصناعي والزراعي والعسكري دون موبقاتها ونقائضها وأوزارها وأخطارها.. مع التمسك بالعقائد الصحيحة القويمة والأخلاق والآداب العربية الكريمة.. إباءاً وعفافاً شمماً مروءة ووفاءاً وشجاعة وكرماً وإيثاراً.. الخ.
ومن ذا الذي يستطيع أن يكابد أو يحتمل بعض ما كبده وتحمله جلالته من المشقات والأتعاب في سفره وإقامته ؟ وفي حربه وسلمه: في شبابه وكهولته ؟ بل في كل ما عاناه ويعانيه من مسؤوليات الحكم والقيادة والسياسة والإدارة ؟.. الحق يجب أن يقال..إنه التوفيق من الله تعالى فإن الزمن أضيق من أن يتسع لكل هذه الوثبات والتطورات السريعة المتلاحقة التي قلما ينهض بها غير العظماء من أولي العزم الذين اختارهم الله لهداية عباده وإمامتهم، وما أجدر الذين ينصبون أنفسهم للنقد أحياناً بالالتفات إلى الماضي القريب أو البعيد للجزيرة العربية عامة وبلاد الحرمين الشريفين خاصة وكيف أنها كانت مصارع وفجائع!.. وسلباً ونهباً وهتكاً وفتكاً وكيف كانت قوافل الحجاز تغادر أوطانها مودعة على أن لا تعود؟؟.. وكيف كانت الضرائب والمكوس تثقل كواهلهم والحر والقر يقذف بهم إلى مصائرهم المحتوم؟.. وكيف أن الصحاري كانت تتعاوى بها الذئاب وتتلمظ بها السباع وأشباح الموت تقف بكل مرصد في ضواحي المدن وأطراف القرى، وكيف كانت طرائق الحكم قائمة على القهر والهوى؟.. وكيف كان الشعب ينتكس ويرتكس خلال القرون الطويلة الفارطة؟.. ثم أتاح الله لها فرص الإنقاذ والحياة فبلغت ما بلغت في ربع قرن من الزمن هو أقصر ما يعد في حياة الأمم والشعوب، ألا أن من الجور وعدم الإنصاف أن يتمحك كاتب فيقارن بين حاضرنا الناهض فقط وبين ما وصلت إليه الأمم قبلنا منذ مئات السنين دون أن يقرر الفروق بين الماضي وهذا الحاضر ويعترف بالفضل لأهله؟ ويقيني أن (سعوداً) وقد استعان بالله وحده في اضطلاعه بمسؤولياته الخطيرة قد أنجز الله له وعده... وفي ذلك خير للعرب والمسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها..
هذا هو "سعود" سيد الجزيرة العربية وحامي الحرمين الشريفين، وهذه نبذة قصيرة عن فترة أقصر من حكمة الراشد الطويل إن شاء الله وإن الشعب ليرفع أكفه إلى الله العلي القدير أن يحفظه ويبقيه وأن يسدد خطاه إلى كل ما يحبه ويرضاه.. وفي ذلك لا شك دعاء شامل لكل عربي وكل مسلم يوحد الله فإن "سعوداً" لم يقتصر فضله وبره وما أفاضه الله عليه من نعائمه على شعبه السعودي وحده.. بل شمل كل بعيد وقريب.. ممن يؤمنون بالله واليوم الآخر في جميع أقطار المسكونة..
وأخيراً فإن ما أتمنى أن تحفظه حكومة جلالته بهذه المناسبة السعيدة هو "مضاعفة السهر على صيانة الدين الإسلامي الحنيف.. والأخلاق العربية الأصيلة.. وكبح جماح كل من تسول له نفسه الأمارة أن يعيث أو يعبث بهما من ذكر وأنثى "ومقيم أو راحل" ومثقف أو جاهل.. فذلك هو الكنز الثمين.. وهو المعقل الحصين وبدونهما لا خير في كل ما طلعت عليه الشمس من غث وسمين والله ولي المتقين..