شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي (عَلّمَ آدمَ الأسماءَ كُلَّها).. والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه الكرام الطاهرين.
الأخوة الأكارم:
الأساتذة الأفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يسعدني في هذه الأيام المباركة التي نستشرف فيها شهر رمضان المبارك أن أتقدم إليكم بعاطر التهاني، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يعيده عليكم بالخير والسعادة.. وعلى الأمة الإسلامية بوحدة الصف، ووضوح الرؤيا، وبلوغ الأهداف.
وتزداد سعادتي عندما أنظر إلى الأيام الماضية لأرى منتداكم العامر بوجوهكم الطيبة، تغمره أنوار العلم والشوق إلى رجالاته، فقد بدأنا موسمنا الحالي برجل على قمة جهاز إعلامي يؤدي رسالة تنويرية في المجتمع، ثم شرفنا بتكريم المُعلِّم في يومه العالمي، ومن ثم سعدنا بفضل عالِم جليل يُضيء مشكاة في جامعة أم القرى.. وكان فضل الله علينا عظيماً.. إذ نسعد الليلة بتكريم سعادة الأستاذ الدكتور عزّت بن عبد المجيد خطاب، الذي استمعتم إلى جانب من سيرته الذاتية.. وعندما تأتلق نورانية هذه اللقاءات الماتعة، مع أنوار الشهر الفضيل التي هَلّتْ علينا فإن السعادة تكتنفنا ولله الحمد والشكر في كل وقت وكل مكان.
إن فارس أمسيتنا من الرعيل الأول الذي شدّ الرحال مهاجراً في طلب العلم.. وعرف مرارة الاغتراب وهو في ميعة الصبا.. بعيداً عن مراتع الطفولة وأبناء الحي وزملاء الدراسة.. في وقت أحسب أن مجرد الخروج من حدود المنطقة التي كان يعيش فيها يعتبر مغامرة كبيرة، غير أن حب العلم الذي ملك شغاف قلبه جعله يرسم مستقبله بطموح كبير، ساعده على ذلك بيئة علمية تضع العلم فوق كل
اعتبار.. كيف لا وقد درج منذ نعومة أظفاره في المدينة المنورة (على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام).. دار الهجرة.. وأول جامعة إسلامية ازدحمت حلقاتها بآلاف الطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي.
ما شأن فارسنا يشرأب نحو البعيد.. ولديه ما أشرت إليه من معين علمي لا ينضب؟.. زاده: المرحلة الثانوية.. وحصاد أعوام قليلة بين حصاوى الحرم النبوي الشريف.. وخيال جامح نحو كل ما هو جديد ومفيد.. وساعده على تحدي المجهول تربية صالحة، وجذور راسخة، عصمته ولله الحمد من الزلل، فقرر أن يفتح نوافذ العلم واحدة إثر أخرى.. ولم يمكث طويلاً.. إذ وجد ضالته في اللغة الإنجليزية التي أحبها، وتعلق بها، وامتزج بشطآنها، وتماهى مع أمواجها، حتى وجد نفسه في تكويناتها، وبين تضاريسها.. ففتحت له مرافئ الإبداع والمعرفة على مصاريعها، ولم يتردد في التحليق كنحلة نشطة بين أزاهير حدائقها الغناء، فهضمها، وتمثَّلها، وأفرزها شهداً حُلواً، وعِلْماً نافعاً، كرَّسه بكل الحب والبذل والتضحية لخدمة وطنه ومواطنيه.
إذا ذُكِرت اللغة الإنجليزية أكاديمياً في المملكة العربية السعودية، فإن اسم ضيفنا الكبير يتألق بأحرف من نور بين أساتذتها الأفاضل.. وبطبيعة الحال، مثل أي عالِمٍ عامل، لم يدخر جهداً في الإسهام في ترجمة بعض الأعمال التي تعتبر من عيون الأدب الإنجليزي إلى العربية.. مضيفاً بذلك مشاعل تنوير لا يستغني عنها كل دارس ومهتم بهذه الإبداعات الشامخة.. وإذا أخذنا الترجمة بمعيار أنها نص موازٍ للأصل، فإن ضيفنا الكريم يستحق التهنئة على اختياره نماذج من أشعار عمالقة الأدب الإنجليزي ليُتحفنا بها، وأحسبكم توافقوني أن ترجمة الشعر من أصعب ما يواجه المترجم، لأن الأمر يتخطى مجرد الكلمات إلى شاعرية النص، وفيض الأحاسيس، ورهافة الوجدان، وهذه ملكات يندر توفرها إلا لدى مبدع حقيقي يستلهم الأصل، ليغوص في أعماق اللغتين ويخرج علينا بجواهره التي تثري الحياة بكل جميل.
إن هذا المنعطف المهم في حياة فارس أمسيتنا يقودني إلى الإشارة لملف الترجمة –ما له وما عليه- فنحن نعيش عصراً أصبحت المثاقفة الكونية تُشَكِّلُ عنصراً أساسياً في تكوينه، وشبكة تتطلب أكثر من طرف للتعامل معها، وبالرغم من ذلك نجد تيارين متعاكسين: أحدهما يدعو إلى الأصالة والوقوف في حدود الذات، والآخر ينادي بالانفتاح. ولست حَكَماً بينهما، أو شاهراً سيفي مع أحدهما ضد الآخر، ولكن كأي متابع للشأن الثقافي يحق لي أن أُدلي بدلوي مُرجحاً الطرح الذي أعتقد أنه يعود بالخير والفائدة على أمتنا، فكلنا يعلم أن الترجمة ليست وليدة اليوم، بل امتداداً لعمل جاد بدأ في الازدهار منذُ أواسط القرن الثاني للهجرة وسار بين مد وجذر إلى أن شكَّل محوراً رئيسياً في القرن التاسع عشر الميلادي، واستمر في نمو مطرد بلغ ذروته في الفترة من الستينات إلى الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، حيث كان الانفتاح الكبير على الأدب الروسي، والفرنسي، والإنجليزي، ومما لا شك فيه أن المتأمل لحركة الثقافة الكونية يجد أن أوروبا لم تحقق منجزها المعرفي إلا من خلال الترجمة من لغات أهمها العربية، وانتقل ذلك الإرث الحضاري والفكري إلى أمريكا لتحتضنه عقول نيِّرة، أعملت فكرها تشريحاً وتطويراً، لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، وقد رصد الأستاذ الدكتور محمد عبد العزيز محمد أستاذ طب العيون بجامعة الأزهر، أكثر من أربعين كلمة من أصل عربي، انتقلت إلى قاموس طب العيون الإنجليزي، وكل كلمة تحمل من الدلالات وما يتبعها من وظائف عضوية الشيء الكثير، وبصفة عامة فقد اقتبست اللغات الأجنبية، واللاتينية، واليونانية القديمة، والألمانية، والهيروغلوفية وغيرها، مفردات عديدة من اللغة العربية مما يؤكد عالمية الثقافة منذ القدم، وأن الإبداع مِلك لجميع البشرية.
كما نعلم جميعاً الدور البارز والتأثير العميق الذي تركته الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس في مجالات فنون المعمار، والري، والزراعة، والصناعة، والموسيقى، والشعر، والذوق العام الذي يرتبط بأدق الخصوصيات كالطعام، والزينة، والملابس، هذا التلاقح الحضاري المتقدم لا يعني بالضرورة أن يتم عبر عملٍ حربي، وفرض هوية تُلغي الآخر أو تحيله إلى الظل، فبالإمكان دائماً إيجاد أرضية مشتركة لعمل حضاري يحترم الآخر ويُقدِّر وجهة نظره، والاستفادة من منجزات الآخرين العلمية والثقافية لا تُعدُّ مَنقَصَة أو تهافتاً، طالما أن الثوابت باقية وراسخة، وعلينا في ذات الوقت تقديم ما لدينا من إبداعات للشرق والغرب، مما يُثبت أننا عضو فاعل في عالم اليوم الذي لا يعترف بالضعفاء المتقوقعين.
وفي هذا الإطار يمكننا رسم خريطة الترجمة عن طريق الإجابة على عدة أسئلة من أهمها: ما هي نوعية الترجمة المطلوبة وكيفية الاستفادة منها؟ تحديد الآفاق التي تخدمها قضية الترجمة؟ آلية دعم مشاريع الترجمة؟ ونظراً لأن المؤسسات المهتمة بالترجمة ما زالت تسعى لترسيخ أقدامها، وتعترض مسيرتها بعض المشاكل البيروقراطية، فقد لجأ كثير من المبدعين في هذا الحقل إلى العمل الفردي، معتمدين على خياراتهم الشخصية في تناول الأعمال التي يرونها مناسبة، ومتكئين على عنصر التمويل الخاص لتحقيق غاياتهم وتطلعاتهم، ومع نُبل الهدف، وسلامة النية والطوية، يبقى هذا التوجه رغم جاذبيته ومرونته من أضعف الحلقات؛ لأن أخطبوط النشر والتوزيع يقف بالمرصاد لأي جهد فردي، ولا يتخطى أمواجه العاتية إلا مَنْ رَحِمَ ربي.
 
وأحسبُ أنه من الأولويات التي ينبغي الحرص على مراعاتها قيام مؤسسات ترجمة في كل قطر عربي، بتمويل من تلك الدول، على أن تكون لها شخصيات اعتبارية تديرها مجالس أمناء تُمثل مختلف ألوان الطيف الثقافي، بما يمكنها من اتخاذ القرارات المناسبة دون المرور بأنفاق البيروقراطية التي تُعيق الأداء الإبداعي، وتتمتع بأذرع قوية في مجالات النشر والتوزيع والإعلان، ودون هذه المنظومة سيكون إسهامنا في قطاع الترجمة، وبالتالي الزخم العالمي ضعيفاً ومحدود الأثر.
 
أسأل الله عز وجل أن يُكلل مساعي الجميع بالتوفيق، وأود أن أشكر جهود الأخ الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين، رئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة، الذي يحرص على استمرارية دورية (نوافذ) التي تُسهم مع غيرها من النشاطات في الداخل والخارج في ترجمة بعض الإبداعات العالمية، كما أسعدنا نادينا العريق بترجمة كتاب (الأدب العربي الحديث) الذي أصدرته جامعة أوكسفورد، ومع ذلك تبقى تطلعاتنا أكبر، وآمالنا واسعة بحجم فضاءات الحرف الجميل في لغتنا المميزة.
الأساتذة الأفاضل: ستكون هذه الاثنينية مسك ختام نشاط الاثنينية لتحتجب كالعادة خلال شهر رمضان المبارك، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا صيامه وقيامه وعِتقاً من النار، وأن يبلغنا عيد فطره، على أن نعود إليه بإذن الله متمتعين بالصحة والعافية والسعادة والتوفيق في ظل وحدة صف واطمئنان قلوب الأمة الإسلامية، كما أرادها الحق سبحانه وتعالى خير أمة أخرجت للناس، آملاً أن نلتقي مجدداً إن شاء الله فيما بعد العيد، وإن شاء الله سُيحدد الموعد في حينه وفي أغلبه سيكون مساء يوم الاثنين 19 من شوال، لنواصل معاً مسيرتنا في تكريم ذوي الفضل، متمنياً لكم أمسية ماتعة مع فارسنا وصحبه الكرام.
وقبل أن أودعكم تلقيت فاكساً من الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري، عضو المجلس الأعلى للآثار، عضو الهيئة العليا للسياحة، الأستاذ الكبير الذي دَرَّس وعَلَّم وكان من أوائل رجال التعليم، يعتذر عن حضور هذه الأمسية لمؤتمرات سيحضرها، آخرها المؤتمر العالمي الذي تعقده الجامعة الأردنية عن حوار الحضارات، ولذا كما يقول فإنني أكرر الاعتذار لكم وللزميل الأستاذ الدكتور عزت خطاب، الذي أُكِنُ له كل تقدير وإعزاز والاحتفاء به شيء طبيعي فهو أستاذ جيل من الأدباء والمثقفين.
في هذه الأمسية أسعدنا بحضوره أستاذنا الكبير الأستاذ الدكتور منصور الحازمي، عضو مجلس الشورى، والذي دائماً أكرم الاثنينية بحضوره مع كل من يستحق الحضور وقد أتى مع صنوه وزميله الأستاذ الدكتور خالد البدلي ليكون مع زميلهما، ولا يعرف الفضل إلا ذووه، نرحب بهما وبمعالي الأستاذ منصور محمد الخريجي نائب رئيس المراسم الملكية، فقد أتى أيضاً خصيصاً من الرياض ليحتفي يزميله وصديقه، كما صاحبه صديق عزيز الأستاذ محمد العتيبي وكيل أمارة الرياض للشؤون الأمنية سابقاً والسفير، فقد أتى أيضاً مصاحباً لزميل درب فهكذا الوفاء وهكذا الزمالة، أرحب بهم جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لهم في كل خطوة أجراً، وأن نلتقي دائماً على الخير والبر والاجتماعات التي تَشرُف بحضوركم ووجوهكم النيِّرة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
عريف الحفل: إذن ننتقل الآن إلى أصحاب المعالي والسعادة المتحدثين في حضرة ضيفنا هذه الليلة، ونبدأ بمعالي الدكتور المفكر الإسلامي المعروف، الدكتور محمد عبده يماني.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1332  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 147
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.