لم أكن قد استجبت لإلحاح الصديقين، حين تلقيت خطابك في الأذن لي بكتابة مقدمة للقصة.. وكانت حجتي أنها لا تحتاج إلى تقديم، وأن أدب التقديم يتضمن وجود فارق في الأستاذية لحساب المُقَدِّم على المُقَدَّم.. وهذا الفارق -أصلاً- معكوس، على الأقل من وجهة نظر القرّاء ونظري..
وكتب الله السلامة لي من احتمال تأثير إلحاحهما عليَّ في كتابتها، بأنك كتبتها بنفسك، وكفى الله المسلمين شر المقدمات.. وأنت بمقدمتك قطعت السكة على من تحدثه نفسه بهرش قفاه.. على حساب قفاك، من الناقدين.. وهذه حصافة لو تهيأ لك مثلها في ماضي حياتك لاستغنيت بها عن كتابة القصص..
توجست أن للناشر غرضاً في أن يقع بيننا شيء من شر اختلاف النظرة الذي قدَّره سلفاً.. وإلاّ فما داعي أن تكون للقصص مقدمات.. أو مؤخرات، والعرف ضد هذا في الأعمّ الأغلب؟ وما داعي أن أكون كاتبها بالذات وقد اقترن اسمي مع المقدمات بأفكارها، وبتجريح من أقدم له تجريحاً لا تستقيم، موازين العداء والاعتبار؟ ولعلّه -كناشر!- عرف أن اللغط خير مروِّج للكتاب.. فأراد أن يستفيد من سوء حظي..
ويجب أن يحمد الله كلانا، على السلامة، والعافية، وحسن العاقبة.
أما بعد، وعلى طريقة خطباء الجمعات في المساجد، فقد شاقني من أمرك أنك ماضٍ فيه على رضى وبصيرة، وإيمان من يعرف أن المصير المقدّر لا يدفعه الحذر، ولا التوقّي. وأسأل الله أن يبارك لك في حياتك واتجاهاتك، وأن يرعى أمرك وأمري بما يعفينا من عناء التدبير، وأخطاء التقدير، ويكفينا الشر والسوء والعثرة..
بقائي بمصر لن يطول إن شاء الله، والأمر مرهون بأن يدبر الله لمسألة تعليم العيال نقطة ارتكاز عاجلة. وإلى اللقاء يا صديقي العزيز.