شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور عبد العزيز الدخيل))
بسم الله الرحمن الرحيم، إن لي قلباً ينبض هنا ولم تنقطع لا صلتي الفكرية ولا صلتي الطبيعية بجدة وأهلها وأهل المنطقة. فقد ولدت وترعرعت فيها ولا شك أن المكان الذي يترعرع فيه الإنسان ويعيش يترك آثاراً في نفسه.
الحديث الذي أريد أن تشاركونني الرأي فيه وأشرككم الرأي فيه، الحديث الذي أريد أن أقدمه يتعلق بهاجس المستقبل، وهو هاجس يعيش معي، وقد تمليه الأحاسيس والقراءة الاقتصادية، فكلمتي أسميتها "البعد الاستراتيجي للاقتصاد السعودي قراءة نقدية لمسيرة التنمية الاقتصادية". بيت القصيد هو النقطة الأساسية التي أريد أن أبحثها وأقدمها وهي ما أعتقد أنه غياب كبير للبعد الاستراتيجي في معادلة التنمية الاقتصادية، ويبدو أن الزمن القصير أو المتوسط هو الغالب في تكوين الرؤى لما بعد الحرب، وقد يكون لذلك علاقة بتكوين العقل الاقتصادي في جزيرة العرب، فالعقل الاقتصادي لم ينم في بيئة اقتصادية صناعية يكون المستقبل البعيد مكوناً رئيسياً في معادلتها، كما أن الفكر الاجتماعي يعتمد التوكل وترك المستقبل إلى مشيئة الغير، رغم أن الدين الإسلامي في جوهره أمر بالعمل، فقال تعالى وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ (التوبة: 105) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، لسائله، اعقلها وتوكل على الله الفكر والنهج الاقتصادي الذي يرى المستقبل بين خطاه أو على بعد البصر، كان كافياً إلى حد ما عندما كان رأس المال في اقتصاديات الجزيرة العربية كناية عن عدد من الإبل والماشية أو حيازات زراعية صغيرة، أو قوارب صيد أو خدمات للحجيج، اكتشاف النفط في باطن الأرض في الثلاثينيات من القرن الماضي وما تلا ذلك من زيادة في الإنتاج والأسعار قلب الحالة الاقتصادية رأساً على عقب مع هذا التحوّل السريع في خارطة الاقتصاد السعودي من جانب وانطلاق العالم الخارجي نحو نمو صناعي وتقني مذهل، أصبح الفكر والتخطيط الاقتصادي القائم على خريطة الزمن الحاضر والمستقبل القريب عاجزاً عن مجاراة الحركة الاقتصادية المحلية والدولية وفهم متطلباتها المستقبلية وتوقع نتائجها والاستعداد لملاقاتها.
الحفريات في التكوين البنيوي للاقتصاد السعودي اليوم توضح بشكل لا يحتاج إثباته إلى عناء كبير، أن الاقتصاد قائم على عمود أساسي ومحوري واحد هو البترول وكل القطاعات والفعاليات الاقتصادية الأخرى تتمحور حوله وتعتمد عليه. وحسب إحصائيات العام 2007م، بلغ حجم الإنتاج البترولي 60% من الناتج القومي والـ 40% الباقية تعتمد اعتماداً كبيراً على هذه الـ 60%، ويبلغ حجم الإيرادات البترولية نسبة 90% من إيرادات الدولة ويبلغ حجم صادرات البترول 90% من الصادرات العامة، فإذا كانت عائدات البترول هي المصدر الأساسي لتمويل الإنفاق الحكومي، وإذا كان الإنفاق الحكومي هو المحور الأساسي في إدارة عملية الاقتصاد الوطني، وهذه حقائق رقمية ذات وتيرة متوالية على مدار نصف قرن على الأقل، إذن نحن أمام اقتصاد يعتمد اعتماداً كلياً على إيراداته من بين المستهلك سنوياً من رصيد البترول الخام المستخرج من باطن الأرض، إذن فالسؤال المتعلق بالمستقبل الاقتصادي للأمة مرتبط بقوة طبيعة هذا المورد البترولي المحوري في تركيبة الاقتصاد السعودي، هل النفط مورد جار متجدد إن نقص منه شيء زودته الطبيعة بما نقص أم أنه محدد الكمية أوجدته الطبيعة بحكم تقلباتها البركانية والجيولوجية منذ آلاف السنين، محصور في مكامن جيولوجية في الأرض وعلى أعماق مختلفة ينقص بالاستخراج ولا يزيد قطرة واحدة من خلط طبيعي جديد، الإجابة الثابتة علمياً أن البترول الخام يتناقص بالاستخراج ولا يزيد على الإطلاق بالتكوين فقد انتهى عصر التكوين منذ آلاف السنين، الشواهد التاريخية في العالم تثبت وتؤيد هذه الحقيقة العلمية وتكسبها دعماً تاريخياً. فهذه أمريكا أول من اكتشف واستخدم وصدّر البترول على مستوى تجاري في العالم جفّت آبارها البترولية والبقية على الطريق وتحولت من أكبر مصدّر إلى أكبر مستورد، بفضل تناقص مخزونها وتزايد استهلاكها، مكامن النفط في باطن الأرض قد تكون لها بعض الاختلافات الجيولوجية، لكنها متساوية من حيث القوانين الطبيعية للوجود والفناء، علم الجيولوجيا البترولية وقراءة تاريخ الصناعة البترولية يؤكدان الصفتين الأساسيتين للنفط السعودي في باطن الأرض، الأول أنه سلعة ناضبة تتناقص بالاستهلاك الذي نسميه خطأً بالإنتاج، ثانياً أنه سلعة غير متجددة لا تزيد بالتكوين، إن اكتشاف كميات جديدة من النفط محدودة بالحدود السياسية الجغرافية والمكامن النفطية الجيولوجية، وقد تم إلى حد كبير من خلال المسوحات الجيولوجية المتطورة والمتعددة استكشاف معظم مكامن النفط الرئيسية في السعودية، لذا فإننا نستطيع القول بأن النفط المكوِّن الرئيسي للاقتصاد السعودي اليوم للعمليات الاستهلاكية والاستثمارية وغيرها هو مصدر ناضب غير متجدد، له عمر زمني سينتهي به وعلى الرغم من أن هذا العمر الزمني يصعب تحديده بدقة لاعتماده على عوامل كثيرة متغيرة إلا أنه يبقى عمراً زمنياً سينتهي منه يوماً ما إما بالنضوب الطبيعي أو التقني، إذن يحق للباحث في طبيعة القواعد الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد السعودي اليوم أن يكون وجلاً وقلقاً على مستقبل الأمة، عندما يرى أن عمودها الفقري يتآكل بفعل الاستهلاك.
يعيش الاقتصاد السعودي اليوم مرحلة متزايدة من نمو الإيرادات والإنفاق الحكومي، أثرها واضح على المشاريع في جميع الاتجاهات والقطاعات العسكرية والمدنية، وفي خضم هذه الجلبة ودخان المصانع وغبار الحفريات التي تطفو على السطح وترسم مشهداً احتفالياً في كثير من الأحيان أقول إن هنالك قضايا جوهرية تضيع وسط الضجيج، مظاهر الاحتفال، ولا تحظى بنور الإعلام وعناوين الصحف رغم أن هذه القضايا الجوهرية في نظر المحلل الاقتصادي تحدد وتمسك بالمفاصل الرئيسية للاقتصاد الوطني، وتحدد مستقبله البعيد، لكن المستقبل البعيد لا يحظى اليوم بوزن كبر في معادلة الفكر الاقتصادي الرسمي والتجاري، فالحاضر هو الحاضر أما المستقبل فهو الغائب والمسكوت عنه، عندما يتعلق الأمر بمستقبل الأمة يكون للزمن البعيد الأهمية الكبرى على الزمن الآني، وعندما يتعلق الأمر باقتصاد قائم ومبني على ثروة نفطية ناضبة غير متجددة، تستهلك يومياً يكون للزمن البعيد أهمية أكبر عندما يتعلق الأمر باقتصاد يفتقر إلى معظم الموارد الطبيعية غير البترولية يكون مستقبل الوطن والأجيال القادمة في خطر إن لم يكن المستقبل هو الأساس لبناء الاستراتيجية الاقتصادية للدولة، هل نعيش الحاضر بكل أبعاده ونموت مستقبلاً، قد تكون الإجابة على مستوى الفهم بـ "نعم" أو بـ "ربما"، لكن على مستوى الأمة فالإجابة لا بد أن تكون بالنفي، فالمستقبل هو الحقل الزمني الذي تبذر فيه البذور التي تزرعها الأمة بحاضرها الزمني وترى ذاتها القادم فيه، الأمة عمر ممتد عبر الزمن، والمستقبل هو أملها في الارتقاء، من هذا المنطلق ومن هذه المقدمة أؤسّس وأقول أن البعد الزمني عامل أساسي وجوهري ومحوري في معادلة التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، بعد هذا التأسيس انتقل إلى الجزء الثاني وهو يتعلق في اعتقادي بالمرتكزات الاستراتيجية للتنمية أو للمستقبل، ما دام أن الوضع القادم يشير إلى أن معادلة التنمية أو استراتيجية التنمية ينقصها ذلك الاعتماد على التكوين الجوهري للمستقبل، فإذن ما هي المرتكزات التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار.
النقطة الأولى، هنالك سبع أو ثماني نقاط جوهرية في اعتقادي تشكل جوهر وتشكل القواعد الأساسية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار من أجل بناء مستقبل تطمئن إليه الأجيال القادمة، وقد تكون هنالك بعض النقاط الأخرى.
النقطة الأولى تتعلق بالبترول، وفي معالجتنا وفي استخدامنا سوف أعرج على نقطتين أساسيتين وسوف لا أسرف كثيراً في هذه النقاط وسوف أضع بعض الخطوط العريضة تاركاً الفرصة للنقاش فيما بعد، فيما يتعلق بالبترول وهو المحور الأساسي وهو الفرصة التاريخية التي في يدنا لبناء مستقبل اقتصادي قوي، النقطة الأساسية هناك نقاط أساسية في تحقيق معدل الإنتاج ما دام أن هذا النفط يشكل العمود الفقري وهو الأمل بعد الله في بناء مستقبل وبناء أجيال قادمة فإنه كيف نتعامل مع هذا الأصل الجيد الوحيد، فيما يتعلق بمعادلة الإنتاج فإن هناك عوامل أساسية، أولاً هو الإنفاق المحلي ولا شك أن المورد الرئيسي هو البترول وعائدات البترول تشكل 90% من إيرادات الدولة وتشكل 90% من الإيرادات التي يعتمد عليها المواطنون في الاستهلاك وفي الاستثمار إذن لا بد أن يكون هناك حجم من البترول ينتج الكافي لتمويل هذا الاقتصاد وهنا يبرز سؤال اقتصادي ما هو الحجم الأمثل لهذا الإنتاج؟ كم ننتج، ويرتد السؤال على ما هو حجم الاستهلاك المطلوب بالنسبة لبناء البنى التحتية من مستشفيات ومدارس وغيرها، ما هو الحجم الأمثل للإنفاق الحكومي؟ كيف يتم تحديد هذا الحجم الأمثل وهل فعلاً عندما ننتج البترول نأتي على العوامل الأساسية، ومن ثم نحدد الإنفاق المحلي الذي هو أحد العوامل الأساسية في تحديد معادلة الإنتاج.
العامل الثاني هو الطلب العالمي، ولا شك أن الدولة منتجة ومصدرة أساسية وهنالك طلب عالمي لا بد من المساهمة فيه، وأيضاً الطلب العالمي نعرف أن الأسعار تحدد بالعرض والطلب، نحن نساهم كثيراً في حجم العرض والطلب وهو الطلب العالمي وبالتالي فإنه أيضاً يهمنا أن نلبي هذا الطلب العالمي ومن خلاله يهمنا أن نحافظ على سعر معين، هو السعر الأمثل الذي له عدة عوامل لا أستطيع أن أخوض فيها الآن، إنما ذلك السعر الذي يتناسب مع حجم الطلب العالمي والذي لا يرتفع كثيراً يؤدي إلى ضرر بالاقتصاد العالمي، ولا ينخفض كثيراً ليؤدي إلى ضرر بمصالحنا الاقتصادية المستقبلية، فإذن الجزء الثاني وهو الطلب العالمي فيجب دراسة الطلب العالمي وتحديد الحجم الأمثل الذي يجب علينا أن ننتجه.
المعادلة الثالثة وهي مرتبطة بالطلب العالمي وهي الظروف السياسية، فأحياناً يكون لصاحب القرار ظروف سياسية، وأنا أعرف أن هذه الظروف السياسية في عملية الإنتاج يدفع ثمنها استهلاك الاحتياط الوطني وبالتالي كلما خف الثقل السياسي الضاغط على عملية الإنتاج كلما كان ذلك في المصلحة، إن لم تطل الظروف السياسية، والظروف السياسية قد تخبىء وراءها قضايا أساسية مهمة تؤخذ في الاعتبار.
الجزئية الأخيرة في معادلة الإنتاج هي العائد الاستثماري، عندما نحدد الطلب المحلي ونحدد الطلب العالمي الأمثل تبقى بعد ذلك العملية الاستثمارية، وهي عملية كالتالي: إذا كانت استثماراتنا من عوائدنا البترولية استثماراتنا الرأسمالية الدولية والمحلية وصناديق السيادة التي سننشئها وغيرها- إذا كان العائد الصافي المالي من هذه الاستثمارات سيكون أعلى وأكثر من معدل ارتفاع البترول في السنوات القامة، إذن من الأفضل لنا لأن ننتج أكبر كمية من البترول الزائد عن الطلب المحلي والطلب العالمي، ننتج زيادة أكثر ونستثمر هذه الأموال في استثمارات محلية ودولية تعود علينا بعائد استثماري للأجيال القادمة، لأن العائد من هذه الاستثمارات الرأسمالية المالية أفضل من بقاء البترول داخل الأرض لأن عائدها أفضل من زيادة الأسعار أما إذا كان العكس صحيحاً، أن معدل ارتفاع سعر البترول في داخل الأرض مستقبلاً، السنة القادمة وما بعدها، أكثر وسيرتفع بنسب عالية 20% -30% وإلى غيرها، إذن من الحكمة الاقتصادية ومن مراعاة مستقبل الأمة أنه عندما نشبع الطلب المحلي والدولي نقف عند هذا الحد ونترك الباقي استثماراً في باطن الأرض، ما أقوله الآن إن هذا الفكر الاستراتيجي المبني على تحديد ما يستهلك من العمود الفقري للاقتصاد، أن هذا الفكر الاستراتيجي المبني على التحديد الاقتصادي الأمثل إلى حد كبير، لأن بعض العوامل وخصوصاً السياسية لا تستطيع أن تحولها إلى معادلات رياضية وتحددها ولكن توجه الفكر الحكومي والفكر الاستراتيجي في عمليات استهلاك هذا البترول، لأن البترول ليس إنتاجاً ولذلك عندما تجد الأرقام أن الناتج المحلي هو كذا تريليون فإن الكلام غير صحيح اقتصادياً. كمية البترول التي ساهمت وشاركت في "الجي بي دي" التي تشكل 60% قد دخلت فيها، عمليات الإنتاج في البترول التي يمكن تثبيتها كعمليات إنتاج فيما يتعلق بالاستخراج. الفعاليات في الاستخراج والفعاليات المتعلقة بالصيانة والفعاليات المتعلقة بعملية التصدير، أما قيمة البترول داخل الأرض فإن استخراجه هو استهلاك الأصل، كمثل أن تكون لديك آلة أو بيت أو مصنع فبالتالي يكون لديك استهلاك، أنت تستهلكه وتوفر عملية الاستهلاك في الموازنة من أجل إعادة تكوين رأس المال مرة أخرى، إذن ما يسمى في اقتصادنا بالإنتاج production هو في الحقيقة depreciation وهو فكر للنظريتين في التعامل مع الإنتاج، نظرية production وهي الإنتاج ونظرية the capital وهي رأس المال، ونظرية رأس المال في اعتقادي يجب أن نتعامل بها مع البترول باعتبار أنه في باطن الأرض، ونحن نستهلكه على مدى الأعوام، وكثير من المفكرين الاقتصاديين يرون أن البترول في باطن الأرض سعره صفر، وبالتالي تكلفة سعر برميل البترول يجب أن يكون 2 أو 3 دولارات، لأن هذه تكلفة الاستخراج، فلا أعتقد أن هذا صحيح والكثيرون يرون ذلك أيضاً.
أعود إلى وضع حالتنا الاقتصادية. إن الفكر الاقتصادي الحكومي-لأن البترول يدار في ملكية الدولة وهي المسؤولة عنه- إن الفكر الرسمي الاقتصادي الحكومي في تعامله مع استهلاك هذا البترول أعتقد أنه تنقصه الاستراتيجية طويلة الأمد والاستراتيجية المبنية على المحافظة على ذلك، لأني أعتقد أن عملية الإنتاج يتقاذفها أمران رئيسيان: حجم الطلب المحلي وحجم الطلب الخارجي، وأكثر شيء حجم الطلب العالمي وبالتالي نجد أنه في إحدى الميزانيات لدينا فائض 200 -300 مليون، هل هذا الفائض حسبناه أنه فائض فعلياً استثمارياً لكي نصل إلى أن العائد الاستثماري يهيئ لنا أو يوفر إمكانية استخراج هذه الكميات؟ أنا أقول: لا، أنا أعتقد أن الأمور عشوائية إلى حد كبير، هنا أقول إن هذه السياسة لا بد من إحكامها مستقبلاً-هذه من المفاصل- لا بد من بناء استراتيجية مستقبلية بناء عليها، النقطة الثانية تتعلق بما أسميه رأس المال البشري وأنا أتحدث عن المستقبل البعيد جداً لأن قرن من الزمان ليس زمناً طويلاً في عمر الشعوب، قد تكون زمناً طويلاً في عمر الإنسان، المفصل الثاني الذي أعتقد أنه مفقود أو على الأقل في نظري لم يتم التعامل معه بشكل جيد هو رأس المال البشري، هو الإنسان، أعتقد أن الخطط الاقتصادية والاستراتيجيات الاقتصادية الراهنة رغم أنها عنونت من الخطة الثانية والثالثة من الاستثمار في الأسرة لا شك فيه إلا أنني أعتقد أن الإنسان الذي هو رأس المال الحقيقي المنتج أن الإنسان لم يوضع لبنائه استراتيجية تعطى الأولوية، ما هي العوامل الأساسية المكونة لهذا رأس المال البشري؟ عدة نقاط هي:
النقطة الأولى في الإنسان هي جوهر الإنسان، جوهر الإنسان هو العقل ولقد كرم الله الإنسان بالعقل ومن أخذ عقله، فلا مسؤولية عليه، ولذلك لبناء الإنسان لا بد أن نبني عقله، بنظام التعليم، إن نظام التعليم الذي يتلقف المولود منذ طفولته، نظام التعليم نظام حكومي الدولة هي المسؤولة عنه وهي التي تخطط له وترسم معالمه وكتبه إلى آخره، وفي اعتقادي أن نظام التعليم الباني للعقل البشري في هذا الزمن وعقل الإنسان الذي يجب أن يجابه المستقبل بكل تحدياته التقنية والإنتاجية، نظام التعليم هذا غير قادر على هذا الأمر، وأعتقد أكثر من ذلك أن ما نعانيه اليوم مما يسمى بعدم التوظيف والفقر والمشاكل والتطرف وكثير من الأمور، هو نتاج لذلك النظام التعليمي الذي كان سائداً منذ أكثر من ستين عاماً، لقد تحركت الدولة أخيراً وسمعنا أن هنالك إعادة تنظيم وهناك نظام جديد واهتممنا أن تصرف الأموال وأن تشحذ النفوس لعمل نظام جديد أفضل. وأخشى ما أخشاه أن ندور في النطاق ذاته ويكون النظام الجديد أشبه بالقديم، إنما علينا أن ننتظر لنرى، النقطة الأولى لبناء الإنسان هو هذا التعليم، والتعليم كما قلت، نظراً لندرة وشح رأس المال الطبيعي فإن بناء رأس المال البشري يجب أن يكون أساساً في بناء رأس المال الوطني، ونظراً للتحول العالمي والمحلي الكبير في وسائل الإنتاج من حيث اعتمادها على التقنية فإن بناء الإنسان الصانع والمشغّل لهذه الوسائط يجب أن يكون بناءً علمياً نوعياً من جميع جوانبه.
النقطة الثانية في بناء الإنسان المنتج هي ما يسمى بإعادة التأهيل أو ما يسمى خطأً بالسعودة، وإعادة التأهيل في أي نظام تعليمي هي التي تتلقف ما يسقط من نتاج الضعف في النظام التعليمي لكي تعيد خلقه وصهره من جديد. وإن كانت إعادة التأهيل مهمة على سبيل المثال في الاقتصاد الأمريكي إلاّ أنها أساسية في وضعنا نتيجة لأن النظام التعليمي الذي أخرج لنا ما أخرجه نظام أخرج كل هذه النتائج السيئة، نظام غير صالح، نظام ضعيف جداً، في تكوينه العلمي وبالتالي نحن في أمسّ الحاجة إلى عملية إعادة التأهيل، وبدلاً من أن نسميها إعادة التأهيل أسميناها "السعودة"، بدلاً من أن ترصد الدولة وتضع استراتيجية تبنى على وجود هيئة مستقلة ترصد لها الملايين على غرار أو على سبيل المثال هيئة الجبيل وينبع عندما كررنا أن نقيم الجبيل ونقيم ينبع، وهي جيدة، قبل أن نقيم هذه الهيئة والتي تأتي بالكليات والمعاهد والعلوم والتي تحصر هؤلاء البشر خريجي تلك المعاهد والجامعات وتضمهم في نطاق تعيد تأهيلهم وتعنى بفقرهم إن كان فيهم فقر، عندما تأخذ هذا الإنسان وتعيد صياغته، لأني كما قلت مرة إن هدر المال العام جريمة، ويمكن إصلاحه ضمن الضوابط والأنظمة ولكن هدر العقل هو هدر رأس مال المواطن، عندما تأخذ الطفل في السادسة من عمره وتدخله في بوتقة وتخرجه بعد 16 سنة وعمره 22 سنة وقد ركبت في هذا العقل الذي خلق نظيفاً بريئاً تبلغه بكل الأمور أو معظم الأمور الغير النافعة اقتصادياً فأنت أهدرت رأس مال وطني، إعادته فيها شيء من الصعوبة، إعادته تحتاج إلى عملية الصهر وهو ما أسميه إعادة التأهيل، فبدلاً عن هذه السعودة وبدلاً من تنحٍّ في العمل الجاد والرئيس وهو إعادة التأهيل وهي عملية شاقة، تحتاج إلى وقت وإلى أموال جديدة، نحت المنحى الآخر بإصدار التعليمات والأوامر الصادرة بالتوظيف وتحديد نسبة معينة لكل شركة بثلاثين بالمائة وأربعين بالمائة، والتي لها 7 أو 8 سنوات وكلها أثبتت فشلها كلما ازدادوا فيها، فإنه أصبح واضحاً للعيان أن نظام السعودة أو نظام توطين الوظيفة، أو خلق الوضع الجديد بهذه الأوامر الحكومية، إذن المفصل المهم في حياة الإنسان هو إعادة التأهيل..
النقطة الثالثة في عملية بناء الإنسان هي الآلة والإنسان وكيف نوطّن التقنية في العقل البشري، في عقل المواطن، ولا شك أن هنالك صراعاً وسباقاً، سباق عملية الاقتصاد إلى آخره مرتبطة بالتقنية، أنت عندما ترى المصانع التي سيضعونها في مدينة الملك عبد الله مثلاً هي تحتوي على تقنية عالية.
أنت تستورد تقنية من خلال الآلة وبالتالي هي مرتبطة بعملية الإنتاج، الإنسان عندنا غير قادر على تشغيل هذه الآلة، فالمواطن غير قادر على تشغيل هذه الآلة، والزمن يجري ونحن مرتبطون بالتقنية، والتقنية مرتبطة بعمليات الإنتاج المرتبطة بالعالم الخارجي، يعني استيرادها من الخارج ونحن لا نصنعها وبالتالي كيف نوازي بين هذه الأمور، الآن لا توجد موازنة لأن كل ما يسمى بالعامل الأجنبي والعقول الأجنبية جاءت لكي تشغّل هذه الآلة لأنك أنت استوردت هذه الآلة وبنيت المصانع بناء على تقنية وليس لديك مواطنين لتشغيل هذه الآلة، جئت بالآلة فلا بد أن تأتي معها بالإنسان الذي يشغلها، فأصبح استيراد الأجنبي لتشغيل الآلة ضرورة بحكم أنت ما أنت عليه، وبحكم سياستك وقد تكون هذه السياسة ضرورية أحياناً لأنك لا تستطيع أن تنتظر الزمن، لا أستطيع إذا كانت عملية التأهيل تحتاج إلى عشرين سنة فلا أستطيع أن أنام عشرين سنة من أجل التأهيل، فالعملية عملية متوازية، إنما ما لا يدرك جلّه لا يترك كله، إذاً ماذا نعمل؟ فتأتي هنا عملية التوازن بين الإنسان والآلة أي بمعنى أيضاً نفكر فيما إذا كانت هناك تقنيات ليست ضرورية، أي نأخذ التقنية التي تعطينا في الإنتاجية أفضل شيء وليس بالضروري أن تكون خارقة للعادة لأنها تقنيات وفي الوقت نفسه نسرّع في عملية بناء الإنسان وتوطين الإنسان السعودي وإعطائه التقنية لكي يتلاءم على الأقل جزئياً ونبدأ نوطّد لأن الجميل في هذه الفرص التي نحن فيها حالياً أننا نوطن، فمثلاً في الهند لديهم عقول علمية ولكن ليس لديهم أداة الإنتاج وليست لديهم الأموال حتى يستطيعوا أن يأتوا على سبيل المثال بعملية التحلية، فنحن نستطيع أن نستورد أفضل التقنيات العالمية الجديدة في عملية التحلية بينما في الهند لا يستطيعون اقتناءها لأنها غالية جداً، نحن نستورد هذه التقنية لأنها في الإنتاجية عالية ولكن للآسف تضيّع علينا فرصاً لأن شبابنا ليست عندهم القدرة العلمية لكي نوطن هذه التقنية، إذاً هذه إشكالية في بناء الإنسان يجب تأطيرها استراتيجياً ويجب أن تدخل في معادلة بناء الإنسان.
النقطة الأخيرة في بناء الإنسان هو ما نتحدث عنه دائماً ولا أريد أن أطيل فيه لأن لديكم أكثر مما لدي، المرأة وقد تكون عندما تتحدث عن الإنسان وأعتقد أن البعض لا يرى أن المرأة إنساناً، فالمرأة هي ذلك الإنسان غير المنتج في المستقبل وأعتقد أنه لا بد من فك الأغلال والقيود التي لفت بها حياة المرأة المسلمة تارة من تراث قبلي وتارة من فقه ديني، هذه الأغلال تتعارض في كثير من الأحيان مع جوهر وقيم الإسلام القرآنية التي جاءت لتحرير المرأة من عبودية الرجل ورفع مكانتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولا أضيف أكثر من ذلك لأنه نحن نعرف وأنتم تعرفون كم هذا العنصر الإنساني مهم ليس فقط في الإنتاج ولكن أيضاً في إنتاج البشر وفي إنتاج الأجيال القادمة وكم هو مهدر.
النقطة الخامسة والأخيرة في بناء الإنسان تتعلق بما أسميته بحماية الإنسان من الفقر أو ما يمكن تسميته بالرعاية الاجتماعية، لا تستطيع أن تبني إنساناً إن كان فقيراً ولا تستطيع أن تبني عقلاً عالماً إن كنت تصارع الفقر في الضحى والعشيّ لك ولأبنائك، إذاً من المفاصل المفقودة في بناء الإنسان في خططنا المستقبلية هي وجود ذلك النظام الذي يرعى المسؤول عن الرعاية الاجتماعية التي تؤمن لمن هو غير قادر على العمل، فالإنسان بمبدأ الحرية الاقتصادية يجب أن يكدح فيؤمن رزقه ورزق يومه ولكنه ضمن هذا النظام والنظام الاقتصادي الحر هناك مجموعة من الناس لا تستطيع العمل إما لعجز وإما لشيخوخة أو لمرض أو لأي أمر قاهر لا تستطيع أن تعمل وتكسب قوتها، وهنا تأتي الرعاية الاجتماعية وتأتي مسؤولية المجتمع والحكومة مع افتراضنا أنها تمثل المجتمع وتمثل المسؤولية الاجتماعية لهذا المجتمع فعليها أن تبني نظام مسؤولية اجتماعية يحمي عناصر المجتمع من الوقوع في مستنقع الفقر الذي هو مصدر لمعظم المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إذاً هذا الحد الفاصل وتأمين المستوى الأدنى الذي يحفظ كرامة الإنسان هو من مسؤولية الأمة ومن مسؤولية الدولة المواتية لهذه الأمة في بناء المستقبل، فهذه النقاط الرئيسية التي تكلمت عنها تشكل عنصراً من عناصر بناء الإنسان وفي اعتقادي أن الإنسان هو الرديف وهو البديل للرأسمال البترولي عندما ينضب، هنالك صناعات وهنالك أشياء كثيرة جداً ومهمة ولكن بدون الإنسان لا نستطيع أن نقوم بشيء ولو نضب البترول ولم يبق لدينا إلا ذلك الإنسان المتعلم على مستوى عالٍ لأفاد نفسه وإن لم يجد العمل داخل الوطن ذهب إلى خارجه وعمل وعاد ليغذي أطفاله ونساءه في داخل البلد، إذن بناء الإنسان وبناء العقل هو الأساس.
النقطة الثانية هي الحكومة أو ما أسميه بالجهاز التمثيلي، وأنا دائماً أذكر أنني أحكي عن استشراف المستقبل، أنا أحكي عن المفاصل الرئيسية التي نريد أن تكون قوية لتحمّل المستقبل. هذا المستقبل القائم على عمود واحد وهو عمود يستهلك كل يوم، الحكومة وهي الجهاز التنفيذي، هناك عدة عناصر أساسية في موضوع الحكومة، العنصر الأول يتعلق بالحجم الأمثل للجهاز الحكومي، ما هو الحجم الأمثل للجهاز الحكومي؟ وماذا نقصد بالأمثل؟ نقصد بالأمثل ذلك الجهاز التنفيذي الذي يقوم بأداء المهام المناطة بالدولة بمستوى عال من الكفاءة وبتكلفة أقل، والفكر الاقتصادي الحر والتجارب الاقتصادية أثبتت أن القطاع الأهلي أو ما نسميه بالخاص في إدارته للفعاليات الاقتصادية التي لها سوق ولها عمل هو أفضل بكثير من الإدارة الحكومية، أمر يختلف من دولة إلى دولة ولكنه غالباً مع استقراء كل التجارب التاريخية فإن جدارة القطاع الأهلي أفضل بكثير ولها تفصيل لأن الفرد عندما تكون عنده حرية العمل وحرية الاستثمار، فالفرد أفضل ولا نريد أن نتعمق في هذا الأمر وبالتالي تقول المدرسة الاقتصادية التي تتبناها الدولة وهي الحرية الاقتصادية تقول: إن من متطلبات هذه النظرية أو من نتائجها أن حجم الاقتصاد الحكومي وحجم القطاع الحر يجب أن يكون أقل ما يمكن وتترك كل عمليات الإدارة الاقتصادية للقطاع الحر. طبعاً الأمر يختلف من دولة إلى أخرى ويختلف في أي مرحلة من المراحل الأولى للنمو والتي تتطلب أن يكون للدولة دور كبير إلى أن ينمو القطاع الخاص، لكنني وبعد استقراء لواقعنا أقول إنه أصبح ونما لدينا اقتصاد آلي جيد في حجمه وأرى أن هناك تشبثاً كبيراً من الدولة في كثير من الأمور وبالتالي فإن اقتصادنا حر أو يغلب عليه طابع الاقتصاد الحر، على العموم نعود إلى عملية حجم الدولة الأمثل فالدولة الآن وموظفي الدولة يستهلكون من الرواتب وهذه المسألة أعتقد أنها أصبحت كلمة معلنة يعني انتقلت من السرية التي كانت تحاط بها منذ سنوات إلى أن أصبحت أمراً مفهوماً فما بين 50 إلى 60% من ميزانية الدولة تذهب لرواتب الموظفين وعندما تقاس إنتاجية الموظف وأنا أقصد القياس العادي لا أريد أن أظلم بعض موظفي الدولة فإن الإنتاجية قد تكون قريبة من الصفر وفي بعض الأحيان تكون أقل من الصفر وما هو الشيء الأقل من الصفر أن يكون في وجود ذلك الموظف ضرر على المنفعة العامة وبالتالي فالإنتاجية سلبية وعلى العموم الدولة عندما أسست وزاراتها كان هناك حجم كبير لميزانيتها وكانت آنذاك في بداياتها، والقطاع الخاص نما وكثير من الأمور بدأت تؤثر ولكن لا يزال حجم الدولة كما هو عليه إذاً ما هو المطلوب لكي نصل إلى الحجم الأمثل؟ مطلوب قرار سياسي وقرار إداري والعملية ليست صعبة أو تحتاج إلى اتخاذ قرار، ففي كثير من القضايا عندما نحجّم دور الدولة وننقصه 20% أو 30 % أو بالتدريج كل سنة 10%، إلى أين سنذهب بهؤلاء الناس، أعتقد أن هنالك حلولاً طرحت وأعتقد أنه في عدد من الجلسات أنا طرحت بعض الحلول وغيري أيضاً طرح حلولاً، هذه القضية لا بد من معالجتها ويمكن للدولة أن تخرج هؤلاء الناس وتعمل تصفية كأي مؤسسة كبيرة عمومية وبالتالي من هو خارج تؤمن له وتعطيه شيكاً لمدة خمس سنوات، هذا الموظف عندما أعطيه راتبه لمدة خمس سنوات وبشكل عام أقول له أنا أساعدك إذا كنت تريد بناء بيتك أو أمورك وإلى آخره ولا بد من معالجته لأنه هرم وبدأ يأكل ونتائجه أنه بدأ يأكل جزء كبيراً من الميزانية؛ ثانياً تضخمت البيروقراطية، فالمكتب الذي فيه ثلاثة أشخاص تجد فيه من عشرة إلى عشرين شخصاً ومع تضخم البيروقراطية من يدفع الثمن يدفعه المواطن أي أنك تقيم هذا المواطن قليل الإنتاجية ليدفع الثمن المواطن الذي يركض ويعمل والذي يأتي من أجل أن يخرج معاملته يجد أنه بسبب هذا الحكم البيروقراطي لا بد أن تعمل شبكة حتى يشتغل كل الناس، فهذه الشبكة هي التي أدت إلى هذه البيروقراطية وأدت إلى أن يدفع الثمن، ومن يدفع الثمن فلا يدفعه الوزير أو الأمير فهؤلاء تنتهي معاملاتهم، يدفعها المواطن ورجل الأعمال، فإلى ماذا أدت هذه الإشكالية؟ أدت إلى الفساد بما أنه توجد سلطة سياسية ممثلة في الحكومة وبما أنه توجد بيروقراطية جيدة ولله الحمد فهذا أكبر مكان يعشش فيه الفساد وينمو فيه الفساد الإداري والواسطة وإلى آخره، إذاً هذا هو واقع الحال وقد تكون ظروف التنمية هي التي تؤدي إلى هذا الأمر إنما ونحن ننظر للمستقبل ونخطط للمستقبل لا بد لهذا الجهاز الحكومي أن يعاد ترتيبه من أجل أن يكون حجماً أمثل. فالجهاز الحكومي أيضاً والسياسات المالية والاقتصادية ولا أريد أن أسهب فيها والسياسة المالية والميزانية والضرائب والسياسة النقدية كلها لا تزال قائمة كما كانت عليه ولا أعتقد أنها عانقت المستقبل أو أنها على الأقل اتخذت خطوات لتأخذ في حسابها المستقبل، أنا تركت الدولة منذ ثلاثين أو خمسة وثلاثين سنة وأعتقد أن النظام الذي أنا خرجت منه بقي كما هو عليه، يمكن أن يكون أحسن قليلاً لكن على الأقل كما هو عليه وقس على ذلك، مؤسسة النقد ونظام النقد والمؤسسة المالية كل هذه الأمور باقية كما هي وأعتقد أنه في مجال السياسات المالية نحتاج إلى إعادة نظر والنظر في المستقبل، وموضوع الضرائب لا أريد أن أسترسل فيه ولكنه لا بد وأن يكون هنالك مجتمع متقدم لديه مسؤوليات دون أن تكون هنالك ضرائب، فالضرائب ليست فقط لجمع المال أو لتوزيع الدخل، كلمة توزيع الدخل كأننا نتكلم عن الشيوعية، توزيع الدخل نحن نقول الضرائب هي من أجل أخذ الأموال لتنويع الرعاية الاجتماعية وسد الفقر وسد المشاكل التي يأتي بها النظام الاقتصادي الحر، فالنظام الاقتصادي الحر هو نظام لا شك أنه من أفضل الأنظمة وأنه النظام الأساسي في تحقيق الإنتاج الأكبر وفي شحذ همم الأفراد، الإنتاج مبني على الإبداع وعلى تحريك غريزة الملكية وغريزة الأنا عند الإنسان وهذا سر نجاح آدم سميث، فقد كان أستاذاً للفلسفة وأستاذاً للأخلاق ومن خلال دراسته للسلوك وسلوك الإنسان تمسّك بشيء أساسي هو "الأنا" عند الإنسان الذي تجعله يصعد الجبال حتى يحقق تلك الأنا، والأنا هي فالملكية وبالتالي الملكية لا بد أن تأتي بالعمل والإنتاج وبالتالي أصبح التركيز وهنا الفرق بين الشيوعية والرأسمالية والفرق ما بين آدم سميث وإنجلز أنه هنالك كان الاعتماد على الكل يسقط على الفرد أي أننا نستنهض الأمة وعندما نستنهض الأمة الفرد يستفيد وهنا نظام الاقتصاد الحر يستنهض الفرد ويقول: عندما ينتج الفرد ويذهب إلى عمله فالأمة كلها تستفيد من هذا الإنتاج ولكن هذا له إسقاطات وهنا نأتي على عملية الضرائب، إن هذه الآلة والركض والمنافسة الحرة والمنافسة القاتلة وهي الآن تركض سيسقط أناس من القطاع، ومن هم الذين يسقطون، إنهم غير القادرين على السير في هذه العجلة والغير القادرين على العمل وغير القادرين على الإنتاج المصابون بمصيبة قد ولدت معهم أو غير ذلك، إذن هنا لا بد أن يكون لهذه الآلة حماية ولا بد أن يكون هناك جهاز تبريد لرعاية هؤلاء الذين لا يستطيعون العمل وهذه هي الرعاية الاجتماعية وهذه هي الرعاية التي نقدمها للفقراء ولذا فإن هذه من أكثر المشاكل الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية بينما النظام الأوروبي هو الأفضل.
أعود مرة أخرى إلى السياسات المالية فأقول إن النظام الضرائبي يجب أن يكون ولكن نظام الضرائب تواجهه مشكلة كبيرة وأعتقد أن الضريبة لا يمكن تطبيقها بشكل سليم إذا لم تكن مطبقة من الرأس إلى القدم، من رأس الدولة إلى آخر شخص مفروضة عليه هذه الضريبة فأي خروج أو استثناء من هذا الأمر سيفسد هذا النظام الضريبي بأكمله وبالتالي يصبح عبئاً ووبالاً، وبالتالي نتمنى أن يصبح مستقبلاً من الضروريات المستقبلية ونتمنى أن يأتي الوقت الذي يلتزم فيه فعلاً بالعملية الضريبية وأنا أقصد ضريبة الدخل؛ نقطة أخيرة في موضوع الحكومة هي تقليص الملكية الحكومية ليس بمعنى أن الحكومة تملك جهازاً ولكن الحكومة تملك أصولاً كبيرة جداً وهذه في نقطة البترول أنا لم أعرج عليها وقد فاتتني وأنا أستدركها هنا الآن وإنما من أكبر الأصول وأهمها البترول، البترول الخام في باطن الأرض وتملكه الدولة، أما حان الوقت لأن تدخل الدولة المواطن تدريجياً في ملكية بعض هذه الأصول أو في ملكية عملية التشغيل وقد يسأل السائل وكيف؟ لا كيف في الأمر لأن الدولة تستطيع أن تبيع حق بيع هذه البئر أو تلك على شركات سعودية شركات يملكها المواطنون بحق الامتياز والبيع لمدة خمسين سنة يملكها المواطنون وبالتالي يدخل المواطن وإنما الإشكالية هي أننا لا نزال نفكر لأن هذا البترول هو البقرة الحلوب التي ستستمر إلى الأبد، ثقافتنا البترولية سيئة جداً وهو مصدر دخلنا ولا يوجد طالب لا يفهم التكوينات البترولية أو يفهم معنى البترول ودوره في حياتنا الاقتصادية ولا بد من تغيير النظرة على المستوى السياسي على المستوى الفردي على أن ننظر إلى عملية إنتاج البترول على أنها استهلاك للثروة ولا تتجدد ولذلك على الدولة وهذا ما يسمى بالتخصيص لا بد على الدولة أن تدخل القطاع الخاص في إدارة عملياتها قليلاً؛ النقطة التالية في عملية المفاصل المستقبلية القطاع الأهلي أو القطاع الخاص، واسمحوا لي بأن أقرأ بعض الكلمات: الاقتصاد السعودي كأي اقتصاد يأخذ بمنهج الاقتصاد الحر يتكون من قطاعين أساسيين: القطاع العام والقطاع الخاص. وبالرغم من أن المملكة تسير في اتجاه الاقتصاد الحر وتتبنى مدرسته وفلسفته إلا أن الاقتصاد الحكومي له الغلبة والأهمية، وهذا يتعارض مع مفهوم الاقتصاد الحر وهذا سبق وأن ذكرته، القطاع الأهلي هو المنفذ للعمليات المتوسطة والصغيرة وتشارك الدولة في ملكية وإدارة عمليات الإنتاج الكبيرة مثل الجبيل وينبع وسابك والاتصالات والكهرباء إلى آخره.. وتحتكر الدولة عمليات الإنتاج والتشغيل والإدارة والتصدير في أهم مراكز القطاع الاقتصادي والبترول، والقطاع الأهلي لا بد أن يقوم على أسس قوية تحقق له الاستقلالية المالية والاستثمارية عن القطاع الحكومي والذي يعتمد عليه الآن بشكل أساسي، كما أنه يتوجب على القطاع الأهلي أن ينأى بنفسه عن الفساد الإداري والمالي في القطاع العام الذي يعتبر اليوم شريكاً فاعلاً فيه وجزء منه. وإذا أراد القطاع الخاص الاستقرار في القرار وكسب ثقة المجتمع فعليه أن ينأى بنفسه، فالدولة تمسك بالمجال التشريعي الاقتصادي وغير الاقتصادي وحيث إن القطاع الخاص هو المدير والمشغّل للفعاليات الاقتصادية والتي هي موضع السياسات الاقتصادية التي تسنها مؤسسات الدولة ووزاراتها فإنه لا بد من إيجاد حلقة وصلٍ بين الحكومة والقطاع الخاص للتشاور في القرارات التشريعية ذات الأثر المباشر على العمليات الإنتاجية والاستثمارية وذلك قبل صدورها، رجال القطاع الخاص هم حماة الحرية الاقتصادية التي تعتبر القاعدة لكل الحريات الأخرى وعلى رجال الأعمال مسؤولية اجتماعية ووطنية بعدم تشويه الحرية الاقتصادية والانتقاص من مزاياها التي تتعدى الجانب الاقتصادي إلى الجانب السياسي والاجتماعي وعلى القطاع الخاص حماية المجتمع من الآثار الجانبية للنظام الرأسمالي التي تحدثت عنها وذلك بالمساهمة الإيجابية في مشهد الرعاية الاجتماعية والتأهيل الوطني وما إلى ذلك.
النقطة التالية أو المفصل التالي هو القضاء والعدل وهو الأساس في بناء أي مجتمع نامٍ ومستقرٍ ومتطورٍ ومؤسسة القضاء بكل فروعها وإجراءاتها هي الحارس الأمين على هذا العدل باستقلاليتها وكفاءتها فالاستقلال وحده لا يكفي إن لم يكن مقروناً بالكفاءة والسرعة في إعطاء كل ذي حق حقه، فالبطء والمعانات في الحصول على العدل وإن حصل فهو انتقاص لذلك العدل، فالشيء إن لم يكن في زمنه ووقته فقد شيئاً من معناه وقيمته والقضاء من حيث استقلاليته وعدالته وكفاءته عنصر هام جداً في بناء نظام اقتصادي حر يعتمد على تفعيل قدرات الفرد وتحفيزه على الاستثمار وأخذ المخاطر، وبمقدار أهمية القضاء في الفصل بين المنازعات التجارية وصيانة العقود والمعاملات وإلزام المتعاقدين بتنفيذها فإن القضاء أيضاً له الأهمية نفسها للمؤسسات والشركات الأجنبية لأن القضاء ضروري للفصل في المنازعات التجارية ليس بين الأفراد والشركات فحسب وإنما أيضاً بينها وبين الأجهزة الحكومية التي ترتبط بعقود كبيرة وكثيرة وتملك قوة سياسية يسيء بعض موظفي الدولة استخدامها للانتقاص من حقوق الآخرين التعاقدية، فمؤسسة القضاء في حاجة إلى إعادة نظر جوهرية لتأمين مبدأ الاستقلالية ومبدأ الكفاءة، ويبدو أن الدولة قد أخذت القرار ورصدت مبالغ طائلة ويبقى الأمر هو أن تكون إعادة التنظيم في الاتجاه السليم.
المفصل الآخر هو النمو السكاني والتنمية في بلاد تعاني من شح في المياه والموارد الطبيعية وتعتمد في وضعها الراهن ومستقبلها المنظور على مورد نفطي ناضب لا يتجدد وتكون زيادة السكان عبء على حاضر الاقتصاد ومستقبله، فكل طفل يولد يحمل معه منذ يوم ولادته قائمة من التكاليف تزداد بها حسابات التكاليف المستقبلية للمجتمع المخصصة لبناء فرد منتج وكلما زادت الأعداد السكانية كلما زادت التكاليف وقلت نسبة المخصص للفرد من خزينة المستقبل كالصرف على بنائه العلمي والصحي والوصول به إلى مستوى عال من الكفاءة النوعية. إن العملية الإنتاجية مرتبطة باستخدام الآلات والمعدات والأنظمة وأداة التقنية العالية وذلك في جميع المجالات الخدمية والمدنية والعسكرية وهذا مرتبط بدوره بالجانب التقني والنوعي للإنسان أكثر من ارتباطه بالجانب الكمي لعدد السكان الذي كان سائداً في العصور الماضية أو في الدول الفقيرة اليوم، إن الحد من النمو السكاني مسألة لها جوانب دينية واجتماعية إلى جانب أهميتها الاقتصادية لذا فإن الأمر يتطلب التعامل معها بمنظور شمولي واستراتيجي مستقبلي، فالإطار الاجتماعي لحياة الفرد، وهذا مفصل ما قبل الأخير أو الحرية الاجتماعية إن شئت، فالإنسان المكتمل عقلاً هو الأقدر على اختيار النهج الاجتماعي الذي يراه محققاً لقيمه الدينية والاجتماعية. وحتى لا تتقاطع الخطوط السلوكية في المجتمع كان هناك عقد اجتماعي مدون أو متعارف عليه لرسم الخطوط الحمراء التي تقف عندها حرية الفرد لحماية مصلحة الجميع، هذه الخطوط الحمراء تكون في أضيق الحدود حتى لا تضيِّق على الإنسان حريته التي هي مصدر الحياة والإبداع والإنتاج. ومن أهم مكونات هذه الخطوط الحمراء المحددات الدينية للسلوك الفردي خصوصاً في الدول التي تعتبر فيها التعاليم أو تكون فيها التعاليم الدينية المتعلقة بالسلوك الفردي جزءاً هاماً من منظومة السلوك الاجتماعي كما هو الحال في المملكة. إن الأساس في معادلة السلوك الفردي الإسلامي هي حرية الفرد العاقل في الاختيار فبدون الحرية والعقل تنتفي المساءلة الإلهية والاجتماعية كما أنه بدون الحرية تنتهي قيمة الإنسان كإنسان مبدع منتج فاعل لذا فإن الروابط الدينية والاجتماعية المقيدة للحرية الفردية هي الاستثناء وليست القاعدة، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد لا تكون المؤسسة الأفضل في حماية الخطوط الحمراء من التجاوز حيث ينقصها الإطار الفكري المتحدر من فقه ديني يعطي للإنسان حريته وكرامته والمكانة الرفيعة التي وضعه فيها القرآن الكريم والصحيح من الحديث لذا نجد أن ممارسة بعض أفرادها لا ترتقي إلى هذا المستوى الرفيع في احترام كرامة الإنسان كما ينقصها التنظيم واعتماد مبدأ النصح والإرشاد لذا فقد تكون هناك حاجة ماسة لهيكلة شاملة لهذه الهيئة تحقق المقاصد العليا لوجودها دون انتهاك لحدود الفرد وكرامته. إن لهذه الهيئة أثر مباشر وهام على جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية للفرد وعائلته لذا فإن إصلاحها يعتبر مفصلاً رئيسياً في مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية.
وأخيراً الماء. لا يحتاج القول إن مستقبل الحياة الاقتصادية والحياة بشكل عام يعتمد اعتماداً جوهرياً وأساسياً على وجود المياه وهذا الأمر لا يحتاج إلى إثبات أو دليل فالبترول ناضب غير متجدد والماء وإن كان متجدداً في مكامنه السطحية في المنطقة الغربية والجنوبية من المملكة إلا أن الجزء الأكبر منه في شبه الجزيرة وشرقها والموجود في مكامن جيولوجية عميقة هو الآخر ناضب غير متجدد وعمليات استهلاك البترول محكومة ومسيطر عليها ومعروف مقدارها أما عمليات استهلاك واستنزاف المياه فهي إلى حد كبير خارجة عن السيطرة يستنزف منها القطاع الزراعي الحجم الأكبر ويهدر جزء كبير في شبكات المياه بالمدن، إن نضوب البترول أو فقدان قيمته سيحدث هزة بركانية في الاقتصاد إن لم تؤخذ الاحتياطات اللازمة لبناء البديل أما نضوب المياه في أعماق مكامنها الجيولوجية فسيقضي على الحياة بأكملها وكثير من المدن والقرى لذا فإن الماء هو مفصل هام في بناء مستقبل الأمة الاقتصادية، وشكراً جزيلاً لاستماعكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1446  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 245 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.