شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتب ساهمت الاثنينية في نشرها > أحجار المعلاة الشاهدية بمكة المكرمة > تقديم بقلم: الأستاذ الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي
 
تقديم
لقد أحسنت وكالة الآثار والمتاحف صنعاً حينما اضطلعت مشكورة بنشر هذه المجموعة النفيسة من الكتابات الإِسلامية الشاهدية المنسوبة إلى مكة المكرمة، أطهر بقعة على وجه البسيطة. وهي بهذا النشر تضيف مصدراً جديداً إلى مصادر تاريخ مكة الخالد الذي يحتل مكان الصدارة من التاريخ الإِسلامي عامة، وذلك لكون مكة مهاجر أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام، ومولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومهبط الوحي، ومنطلق الرسالة المحمدية إلى الناس كافة، وبها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين، والمسجد الحرام مهوى أفئدتهم، وبها المشاعر المقدسة التي يحج إليها كل عام مئات من الآلاف من مختلف بقاع الدنيا، لذلك، فتاريخ مكة هو تاريخ المسلمين جميعاً، بل هو تاريخ العالم بأسره لانتشار المسلمين في مختلف أنحاء المعمورة، واتصاله وترابط حلقاته على درجة كبيرة من الأهمية لدى الدارسين والباحثين المحدثين، ومن قبلهم مؤرخو الإِسلام الذين دوَّنوا تاريخها، وسجلوا سير رجالاتها، وزوارها والمقيمين فيها، والمجاورين لبيتها العتيق على مر العصور.
ويجيء نشر هذه المجموعة في هذا السياق، لتؤكد مضامينُها كثيراً من حقائق التاريخ الحضاري والاجتماعي لذي نجده مسطوراً في المصادر التاريخية المكية، وتضيف حقائق جديدة لم تصل إلى علمنا من قبل، وخصوصاً في أسماء المتوفين في مكة، والمدفونين في مقبرتها العريقة (مقبرة المعلاة). وتنبع أهمية هذه المجموعة في تأكيدها لحقائق التاريخ من كونها آثاراً ثابتة، وأدلة خطية واضحة نقشت في أزمان أصحابها المتوفين، فحفظت لنا أسماءهم، وسلاسل أنسابهم، وكناهم، وألقابهم العلمية والوظيفية والمهنية، وانتسابهم إلى أسرهم وأفخاذهم وقبائلهم، وإلى البلدان التي ينتمون إليها، والمهن التي اشتهروا بها، وزاولتها أسرهم وبيوتاتهم العريقة في مكة، أو في البلدان التي قدموا منها إلى مكة حاجين ومعتمرين، ثم مجاورين بها إلى أن لحقوا بالرفيق الأعلى.
إن دراسة الكتابات المنقوشة على الأحجار، والإِفادة منها في تسجيل بعض حقائق التاريخ ووقائعه علم قائم بذاته لم يقتصر الاهتمام به على مر العصور الحديثة التي راج فيها هذا العلم وازدهر، وإنما تعداها إلى عصور مبكرة شهدت عناية خاصة من قبل المؤرخين الأقدمين الذين عملوا على تتبع النصوص المنقوشة على شواهد القبور، واستفادوا من مضامينها في تدوينهم للتاريخ، ومن هؤلاء، من المؤرخين المكيين بصفة خاصة، تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي في كتابه: العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، ومعاصره جمال الدين محمد بن علي الشيبي في كتابه: الشرف الأعلى في ذكر قبور مقبرة باب المعلا؛ فقد رسم الاثنان لنفسيهما منهجاً جديداً استطاعا من خلاله الاستفادة من الكتابات المنقوشة على شواهد القبور بوصفها مصدراً من مصادر تدوينها لتاريخ مكة. وقد ساعدهما على ذلك ثراء مكة بالنقوش الشاهدية التي تميَّزت بها عن غيرها من وجوه كثيرة، وتفردَّت فيها بأساليب خطية وزخرفيه قد لا تجدها في كثير من البلدان التي برزت في هذا الفن، حتى لقد غدت مكة المصدِّرة الأولى للنقوش الشاهدية إلى أمكنة كثيرة من العالم الإِسلامي.
وسيجد القراء والدارسون ـ على حد سواء ـ في هذا السِّفْر الحافل بالنقوش المكية الشاهدية تنوعاً كبيراً في أشكال الخطوط، وتطورها، وأساليب زخرفتها، وكذلك في زخرفة الإطارات، والحواشي الجانبية، وفراغات ما بين السطور، وتحليتها بعناصر نباتية وهندسية قلّ ما يماثلها في سواها من المجموعات الشاهدية الأخرى.
كما سيجدون في مضامين هذه النقوش معلومات شتى عن شخوص المتوفين، وصلات القربى فيما بينهم، وسيتعرفون عن كثب على التركيبة السكانية لمجتمع مكة في مختلف الأزمان التي تعود إليها صناعة هذه النقوش، بما في ذلك أسماء حكامها وولاتها الذين توفوا على ترابها، ودفنوا في مقبرتها، كما سيتعرفون على مشاهير علمائها، والمجاورين لبيتها بمن في ذلك أشخاص آخرون كثيرون لم يكونوا شيئاً مذكوراً في كتب التراجم والسير التي وصلت إلى أيدينا، وتُعَدُ معرفتنا لهم من خلال هذه المجموعة إضافة جديدة إلى علمنا بالأقدمين من أهل مكة، وبأصولهم البعيدة. كذلك ستقدم مضامين هذه النقوش للقراء والدارسين ـ على حد سواء ـ أدباً رفيعاً من خلال ما فيها من صيغ قرآنية وشعرية، وأدعية استهلال وختام، أُحسن اختيارها لتعبِّر عن مقتضى الحال، وتناسب المقام.
وبالجملة، فإن وكالة الآثار والمتاحف التي أخذت على عاتقها مشكورة نشر هذه المجموعة، وإتاحتها للدارسين وطلاب العلم، وكذلك الزملاء المشاركين في الإِعداد، ومن عاونهم في تفريغ النقوش، وتصويرها وتسجيلها، ومن أشرف عليهم، ووجَّههم، وشجَّعهم، وسهَّل مهمّتهم؛ وكل هؤلاء وأولئك يكونون بعلمهم الخالد هذا، قد قدموا خدمة جليلة لتاريخ البلد الأمين، ولدارسي الكتابات والفنون الإِسلامية، ولقراء العربية بصفة عامة، وفقهم الله، وكتب لهم الأجر والثواب، وإلى مزيد من الأعمال الجماعية إن شاء الله.
أ. د. أحمد بن عمر الزيلعي
أستاذ الآثار الإسلامية ـ جامعة الملك سعود
 
طباعة

تعليق

 القراءات :3081  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 67
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج