شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( المحتفى به يلقي بعض قصائده ))
ثم بدأ الأستاذ العشماوي بإلقاء بعض قصائده، ولكنه قبل أن يبدأ قراءة القصيدة الأولى، أعلن للحضور عن أسماء دواوينه التي أصدرها فقال:
- بالنسبة لما طبع من شعري فهو كما يلي: طبع لي أول ديوان بعنوان: "إلى أمتي"، ثم ديوان "صراع مع النفس"، ثم "حوار فوق شراع الزمن"، وديوان "قصائد إلى لبنان"، وديوان "مأساة التاريخ"، وديوان "بائعة الريحان"، وديوان "إلى حواء"، وآخر الدواوين صدوراً "نقوش على واجهة القرن الخامس عشر الهجري"، وقد صدر قبل أسابيع، وسيصدر قريباً بإذن الله تعالى ديوان عنوانه "عندما يعزف الرصاص" وهو ديوان خاص بالقصائد التي كتبتها عن الجهاد الأفغاني، وعن إخواننا المجاهدين في أفغانستان. وما دمت قد ذكرت هذا الديوان فلا بأس أن ألقي عليكم عدة أبيات من إحدى قصائده، بل من تلك القصيدة التي تحمل عنوان الديوان وهي: "عندما يعزف الرصاص" أقول فيها على لسان طفل أفغاني:
نُسْبَى ونُطْرَدُ يا أبي ونُبَادُ
فإلى متَى يَتَطَاولُ الأَوْغَادُ؟
وإلى متى تُدْمي الجراحُ قُلوبنَا؟
وإلى متى تَتقرَّحُ الأكبادُ؟
نَصْحُو على عَزْفِ الرَصاص كأنَّنا
زَرْعٌ وغَاراتُ العَدوِّ حَصادُ
ونَبِيتُ يَجْلِدُنَا الشِتَاءُ بسَوطِه
جلداً وما يَغْشَى العُيونَ رقادُ
يَتَسَامرُ الأعداء في أَوْطَانِنا
ونَصِيبُنَا التَشْريدُ والإِبعادُ
وتُفَرِّخُ الأمراضُ في أَجْسَادِنَا
أَوَّاهُ مِما تَحْمِل الأَجْسَادُ
كَمْ مِنْ مَرِيضٍ مَلَّ منه فِرَاشُهُ
ما زَارَه آسٍ ولا عُوَّادُ
أَو ما تَرى من فَوْقِ كُل ثنيَّةٍ
صنماً يزيد غُرُورَه العُبَّادُ
 
- وهذه القصيدة بعنوان: "عفواً بني قومي".
قالوا أَرِحْ عَيْنيكَ من طولِ السَهرْ
وأَرِحْ فُؤَادَك من أَنينك والضَجَرْ
قالوا أَقِمْ للشِعْر مملكةً بها
من كُلِّ غانيةٍ مُنعمةٍ أَثَرْ
واْرسمْ لنا من جِسم لَيْلَى لَوحةً
تَتَنَافَسُ الألوانُ فيها والصُوَرْ
وازرع لنا في كل حَرْف واحةً
فيها الندى يَهْمِي فينتعش الشجرْ
عَلِّقْ لنا فيها قناديلَ الهوَى
وانثر على الجَنَبات أفْوافَ الزَهَرْ
لَقِّنْ نُجُوم الليل أُغنية الهَوى
واسْكُبْ رَحِيقَ العِشْقِ فـي أُذن السَحَـرْ
أَثخنتَ شِعْرك بالجِراح كأنما
تسعى إلى تَغْيِير ما صَنَع القَدَرْ
هذا هو الأَقْصَى ملأتَ قُلوبَنا
حُزْناً عليه ولم يَزَلْ قَيدَ النَظَر
هذي رُبا لُبنَانَ أَمْحَل رَوْضُها
فهل استعادَ الشِعـرُ منهــا مـا اندثـرْ؟
هذا الخليجُ مُضرَّجٌ بدِمَائه..
أترى القَصَاِئدُ سوفَ تَجبُـر مــا انكسر؟
أَتُريدُ أن تُحيي رُفَاتَ إِبَائِنَا
بالشِعر أو تَرقى إليكَ بِما انْحَدَرْ؟
خَدِّرْ مَشَاعِرنا بأنغَامِ الهَوَى
فلقد تَعَوَّدت النفوس على الخَدَرْ
عفواً بني قَومي فلست بِشَاعرٍ
يُملي على الكَلِمَات أَمْزِجَةَ البَشرُ
هذي جرَاحُكم التي أُصْلَي بها
أَشْدُو بها شَدْواً يخالطه كَدَرْ
سأظَلُّ أَعْزِفُها على وتَر الأَسَى
حتى أَرى في الأُفْقِ تَلْوِيحَ الظَفَر
من أين تَبْتَسِمُ القَصَائِدُ في فَمِي
والحزنُ يَملؤُها بأصنافِ العِبَرْ
أنا لا أُريد لأُمتي في دَرْبها
إلا سُمُّوا عن مَهَازِل من كَفَرْ
أنا لا أُرِيد لأُمتي إلا مَدَى
رَحْباً وبعداً عن مُضَاجَعة الحُفَر
أنا أيها الأَحْبَاب قلبٌ نابضٌ
أنا لَسْتُ تِمثالاً ولا قَلْبي حَجَرْ
كم طِفْلةٍ في أَرْضِ لُبنان اشْتكتْ
يُتْماً وكم عين مَدامِعها مَطَرْ
أو ما تَرونَ يَد الحوادثِ لم تزلْ
فوقَ الرؤُوس تَدقُّ ناقُوس الخَطرْ
أو ما تَرونَ الليل يَغْمرُ أُمَّتِي
لا نَجْمهُ غَنَّى ولا رَقَصَ القَمَرْ
أو ما تَرونَ الأَقْرَبِين استخدموا
فينا سلاحاً ليس يُبْقِى أو يَذَرْ
كـم غَادةٍ تبكـي علـى العِرْضِ الـذي
لَعِبت به أيدي قراصنة البشر
عفواً بني قومي فرُبَّ قَصيدةٍ
تُحْيِي مَشَاعِرنا وتَرْفَعُ من عَثَرْ
لو أنَّني سَخَّرتُ شِعْري للهوَى
لجَعلتُ صَخْـر الحـب فـي أرضـي مَدَرْ
وجَعلتُ إعراضَ الصَبايا رغبةً
ولويت بالإِصْرَارِ أعْنَاق الحَذَرْ
وبَنَيْتُ من شِعري لكل مليحةٍ
قصراً من الأَشْواقِ فيه لها مَقرْ
لكن لي قلباً إذا سَلَّيته
ألوى العِنَانَ وراحَ يخفِقُ بالضَجَرْ
هاتوا فؤاداً لا يُحِسُّ بما جرى
هاتوا عيوناً لا يُؤرَّقُها السَهرْ
وخذوا أَرَّق الشِعر مِني واسمعوا
أَخْبار مـن وصَـلَ الحبيبَ ومـن هجـرْ
لا تَطْلبوا مني اغتيال مَشَاعِري
لا تَمْنعوني من مُواصَلَةِ السَفَرْ
لا تسألوا عن طَعْم حُزني إنه
كالصَّبر بل هو من مَرَارتِه أَمَرْ
لا تَسْأَلوا عن نَارِ حُزني إنها
سَقَرٌ أما تدرون ما معنى سَقَر؟
عفواً بني قَومي فإن قصائدي
جسرٌ إلى أمَل قريب منتظر
أدعو إلى الإِيمان دعوة شاعرٍ
شَرِبَ الأَسَـى مـن أَجْلِكُـمْ وبـه انْصَهَر
بيني وبين الشِعر عهدٌ صادقٌ
أن نجعلَ الإِسلامَ مبدأَنا الأغرَّ
 
- وهذه مقطوعة كتبتها في موقف من المواقف:
ترى العينُ ما لا يريدُ الفؤادُ
ويَبْغي الفؤادُ الذي لا تَرى
يريدُ الفؤادُ مكان الثُرَيَّا
ولا تلمح العينُ إلا الثَرى
ألا أيها القَلْبُ هذا زمانٌ
يباع الكريمُ ولا يُشْترى
أرى رَبْعَكَ اليوم قد أنكَرُوكَ
ومن عادةِ الناسِ أن تنكرا
فإما الشُعُورُ بما يشْعرُونَ
وإلا فَإِياكَ أن تَشْعُرَا
 
- هنالك قصيدة كتبتها قبل فترة عنوانها: "رسالة إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه"، أسمعكـم هذه القصيدة، وأرجو أن لا تؤاخذوني على ما قد تجدون فيها من خلط بين مشاعري الخاصة وهموم أمتي العامة، فإننا يجب فعلاً أن ننطلق في كل أحاسيسنا، كما أرى ذلك من هموم أمتنا ومشاعرها وما يدور حولنا.
(( رسالة إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه ))
يا زارعَ الهمِّ في واحاتِ وُجداني
ويا مُحركَ دَمْعي صوبَ أَجْفَاني
ويا مُوطأَ أكْنافِ الفُؤاد بما
منحته من جَنا إِغْرائِك الدَانِي
ويا محيلَ رياضِ الحُب مجدبةً
هلاَّ غرست بها باقات رَيْحَانِ؟
أراك تنكرني من حيثُ تعرفُني
أراكَ تَهْجرني من حيث تَغْشَانِي
أراك تَخْفُضني من حيث تَرفَعُني
أراكَ تبْغُضني من حيث تَهْواني
قُلْ لي بِربِّـك كيـف اسْطعـتَ يـا أملي
تُطيعُ ما قال حُسَّادِي وتَنْسَانِي؟
وكيف أَغْضَيتَ عني مُقلةً نَظَرتْ
إليَّ بالأَمْسِ في شَوقٍ وتَحْنَان؟
وكيف أغلقت عني مسمعاً شربت
رِياضُهُ من تَرانيمي وأَلْحاني؟
وكيف سافرتَ في دَرب التنكر لا
رَعيتَ عَهْدِي ولا راعَيْت وجْداني؟
قل لي بِرَبِّـك كيـفَ اسْطعـت يـا أملي
تُطِيعُ ما قال حُسَّادِي وتَنْسَانِي؟
يا من تُحقِقُ أحلامَ الربيع إذا
غَدَا يُفَتِّشُ في شَوْقٍ عن البَانِ
ومن تُنِيلُ فؤادَ البدر رَغْبتَه
حتى يَرَى البدر في هِندَامِ إنسان
ومـن يـرى الظَبيُ فيهـا حُسْـنَ مقلتـه
فَيَسْتَعِيذُ لها من كل شَيطانِ
يا روعةَ اللغة الفُصحى أقلبها
على لِساني بإفصاحٍ وتِبيَانِ
أما تَذُوقِين طَعْم الحَرْفِ أسكُبُه
في كأسِ شِعري على تَوقيع أَوزَانِ
جردتِ سيفين من هَجر ومن أرقٍ
فكيف يَسْلَمُ من يَعْلُوهُ سَيْفَان؟
قِفي معي فَوقَ أرض لا يدنسها
بَغْيٌ وما وطئتها رِجْلُ خَوَّان
خُذِي يـَدِي واصْعَـدِي بـي كـل مُرَتفَعٍ
وكل رابِيةٍ في سفح ظَبْيانِ
ولا تَهزِّي غُصون اللوز قاسية
فعندها كنتُ أُلقي كل أَشْجَاني
يا نَبْتةِ الحب في قلبٍ سَرِيرتُه
أصْفَى من الصَفْو لم تُمْزَجْ بأَضغَانِ
أَسْهرتني وجَعَلْتِ الليلَ يَسْرقُني
من راحتي ومَنَحْتِ السُهدَ عنواني
أَثَرتِ بَغْضَاءَ لَيْلِي فامْتَطَى فرساً
مـن طُولــه وبِسَيْفِ السُهْـد أَدْمـاني
كأنني ما شدوتُ الليلَ أُغنيةً
سَكَبْتُ فيها أَحَاسيسي وأَحْزَاني
ولا ركبتُ جوادَ الشِعْر منطلقاً
وجاعلاً من سَوادِ اللَّيل مَيْداني
خذي يَدي وارحلـي بـي فالدروبُ بهـا
شوقٌ إلى قادمٍ بالصبر مُزْدَانِ
هنـا أضَاءتْ سِـرَاجَ الحُـبِّ وابتَهَجـتْ
وأَصْبَحَتْ بعد طُولِ الهَجْر تَلْقَاني
وأَسْرَجَتْ لي جَوَاداً فَجْرُ غُرَّتِه
يُضيءُ لي دَرْبَ أَحْلامي ويَغْشَاني
وسَافَرتْ بي إلى الماضي فيا فَرَحِي
بما رأيناه من رَوْحٍ ورَيحانِ
حتى إذا وَقَفَتْ بي فَوق رَابِيَةٍ
رجلي وغَرَّدَ عصفورٌ وحياني
رأيتُ سيفاً يهز السَيف مُقْلتُهُ
تَرْنُو إلى أُفُقيْ خَيْر وإحسانِ
نَادَيْتُه ورياضُ الحُب ضَاحِكةٌ
وبيننا جِسْرُ أَشْواقٍ وأَشْجَانِ
أبا سُليمانْ ما أَلْغَيْتُ ذَاكِرَتي
ولا أَضَعْتُ أمامَ الخَطْب ميزاني
أَتيتُ أَبْحَثُ عن ظلٍ وَساقيةٍ
وعن حبيبٍ يُواسيني ويَرْعَانِي
أتيتُ أَبْحَثُ عن ذِكرى فَمَعْذِرةً
إذا بثثتك ما يُخْفِيه وُجْدَاني
عَلَى جَوَادِك مَدَّ المجدُ قَامته
وحد سيفك أدمى كل خوان
بين العِراقْ وبين الشام خارطةٌ
رَسمتها بحُسَامِ القَائدِ البَاني
وكُنتَ رَمْزَ الولاءِ الحر ما لعبتْ
كَفَّاكَ حين قَضَى القَاضي بنيرانِ
أبا سُليمان فِينا من يُخدرنا
بألف دَعْوى ويَرْمِينا بِبُهْتَانِ
يَـرى الجهـادَ اعتـداء والضلالَ هـدىً
ويَحْسب المجد مرهوناً بِطُغْيَانِ
فينــا الذيـنَ ارْتَمـوا في حُضْنِ مغتصب
فما جَنَوا غيرَ تبكيتٍ وخُسْرانِ
نعزو فضاءَ الهوى والليلُ متكئ
على أَرِيكتِه والجُرح جُرْحَانِ
ونجلب الماءَ من بئرٍ مُعطلةٍ
ونَطْلبُ الخبزَ من تنورِ جَوْعانِ
يفنى رنين القَوافي في حَناجِرنَا
كأنما قَوْمُنَا من غير آذانِ
إن كَانَ في سَيفك البَتَّار من رهق
فاضربْ به رأس فرعونٍ وهَامَانِ
وابعـثْ إلينـا بـه فالقـومُ قـد عَجَزُوا
عن رَدِ باغٍ وعَنْ إِحْبَاطِ عُدْوانِ
هنـا سَمِعْـتُ صَـدَى صـَوْتٍ وحَمْحَمةً
وفارساً من وَراءِ الأُفْقِ نَادَانِي
يا داعياً وغُبَارُ الحُزنِ يَحْجبه
عني نِدَاؤُكَ أَرْضَانِي وأَشْجانِي
سَيْفِي به رهقٌ لكنه رهقٌ
في نُصرة الحق لا في نَصْرِ طُغْيَانِ
والله لو صَنعوا لي من مَبادئِهم
تاجاً يَزيدُ به في الأَرْضِ سُلطاني
لَمَا رضيتُ بدين الله من بَدَلٍ
ولا مَنحتُ لغير الله إذْعَاني
فلتسـألْ البِيـد عـن مَعنى الخُضـُوعِ إذا
جَعلْتُها في سَبيل اللهِ مَيداني
يَشدُو جَوادِي بألحانِ الصُمود لها
فيصبح الرمل فيها حَبَّ رُمانِ
ولتسألْ السيفَ عـن طعـمِ الرقـابِ إذا
أفرغتُ في حَدِه عَزْمي وإيماني
يطيعني في سبيل الله أجْعلُه
حداً ويعلن خَوْفَ الظُلْم عِصياني
يستنكر الغِمدُ سَيفي حين تَصْبغه
عِنْد النِزَالِ دِماءُ المُعْتَدي الجاني
أبا سُليمان كَفُّ الشَوق تَعْزفُني
عَزْفاً تُرددُهُ أَفْواهُ أَلْحَاني
أَسْعَى إلى الخـير سَعْيَ الُمصْلحــين فمـا
أَلْقَى من النَاسِ إلاَّ كلَّ نُكْرانِ
كـم صَاحِـبٍ صـَارَ فـي أحْضَانِ رَغْبَتِهِ
مِثْلَ السَجين يُنَاجِي عطف سَجَّانِ
أَسْكَنْتُه من فُؤَادي مَنزلاً وسطاً
وكُنْتُ أَحْسَبُه من خَيْر أَعْواني
حتى إذا دَارَتْ الأيامُ دَوْرَتها
أَحْسَسْتُ أَنِّـي مَنَحـْتُ الصَخـْر إِحْسَاني
أبا سُلَيْمان قلبي لا يُطَاوعُنِي
على تَجَاهل أَحْبابِي وإخْواني
إذا اشْتكَى مُسْلِمٌ في الهند أَرَّقني
وإن بكى مُسْلمٌ في الصِين أَبْكَانِي
ومِصْرُ رَيْحَانَتي والشَامُ نَرْجسَتِي
وفي الجزيرةِ تاريخي وعُنْواني
وفي العِراقْ أكُفُّ الَمجْدِ تَرْفعُني
عن كل باغٍ ومَأْفُونٍ وخَوَّان
ويسمع اليمن المحبوب أغنيتي
فيستريحُ إلى شَدْوي وأَلْحاني
ويَسْكُنُ المسجدُ الأقصى وقُبتُه
في حبةِ القَلْب أرعاهُ ويرعاني
أَرى بُخَارى بِلادي وهي نَائِيَةٌ
وأَسْتريحُ إلى ذِكرى خُرَاسَانِ
شَرِيعةُ الله لَمَّت شَمْلَنا وبنت
لنا مَعَالِم إِحْسَانٍ وإيمان
أبا سُليمان خوفُ الناس أَرْخَصني
عِند العِباد وخَوْفُ الله أغْلاني
تأمَّل الجُرحَ في قَلبِيْ فَسوْف تَرى
خَريطةَ القدسِ في جرحي ولُبنان
وسَوْفَ تقرأُ ما لا كنت تَقرؤُه
عن العِراقِ وعن آياتِ إيران
وسوف تَعجبُ من إغْضَاءِ أُمتنا
على تَسلُطِ كوُهينٍ وكَاهَان
سَمِعْتُها ونداءٌ تاه في فَمِهَا
ما بين صَمْتٍ له مَعْنَىً وإعلانِ
تَقُولُ والخَوفُ يَسْرِي في أَنَامِلها
برداً وفي فَمها صَكَّاتِ أَسْنَان
مَتَى أَرَى هَرِماً يَلْوي عمامَته
وينصفُ السِلْمَ من عَبْسٍ وذُيبان؟
مَتَى تُزيحُون عني جَوْرَ مُغْتَصِبٌ
أَبَاحَنِي وبِنَارِ البَغْي أَصْلاَنِي؟
إذا اغْتَنَيْتُمْ ففي قَارونَ قُدوتكم
وإنْ زَهِدْتُمْ ففي حَيِّ بن يَقْظَانِ
أَمَالَكُمْ مَنْهَجٌ في دينكُم وَسطٌ
به يعيشون في أَمْنٍ وإيمانِ
ما لي أرى القـَومَ حـادُوا عَــنْ مبادئهم
وصدَّعُوا بيد الأحقادِ بُنياني؟
يا لَيْتهم خَرجُوا من ألف مُؤْتَمرٍ
ببعضِ ما كانَ في دارِ ابن جَدْعَانِ
أبا سليمان هَبْ أَني بكيتُ، فمَنْ
يَلُومني إن بكيتُ اليوم أَوْطَاني
أجابني خالدٌ.. هَوِّن عليك أَلَمْ
تَعْلَم بأن عِبَاد الله صِنْفَانِ؟
صِنـْفٌ يَعِـي كـُل مـا يَجْـرِي ويُلْجُمُهُ
خوفٌ وصِنْفٌ يُدارِي وَجْهَ حَيرانِ
إذا تَخَلَّى الفَتَى عن صِدقِ مَبْدَئِهِ
فلنْ تَرى مِنه إلاَّ كل خُذْلاَنِ
لنَ ْتكتبُوا في سِجْل المجدِ أُمتكم
إلاَّ عَلى قَبَسٍ من نُور قُرآن
- أما القصيدة التالية فعنوانها: "هذا فؤادي".
بدايةٌ فاعْرفِي شَأْنَ البِدَايَاتِ
وعِنْدَ خَالِقِنا عِلمُ النِهاياتِ
لا تَحْمِلي هَمَّ مـا فـي الغَيْبِ واحْتَسِبي
فَكُلُّ ما هُو مكتوبٌ لنا آتِ
يا بلبلاً حينما يَشْدُو تُقابِلهُ
كل النُفُوسِ بإعجابٍ وإنصاتِ
هذا فُؤَادي رياضٌ لا حُدُودَ لها
من المحبةِ فاجْنِي منه واقتاتي
هذا فُؤَادِي يَنَابيعُ الحَنَانِ به
تفجَّرت فاقصدي نبعَ المواساةِ
يا مَـنْ لهـا مـن حَنايـا القَلـبِ مُنْتَجعٌ
يَظَلُّ يَهْزَأُ من كُلِ المَسَاحَاتِ
تَحَسَّسِي لَهْفَتِي فيما أُسطرُه
فإنَّ شِعْري وَميضٌ من مُعَانَاتي
رِفْقاً بقَلْبي فَكَأْسُ الشَوْقِ مُتْرَعَةٌ
وخَافقي غَارِقٌ في بَحْرِ آهالي
تدفقت بعدك الذِكرى وأرَّقني
حُزْني وغُصَّتْ بأشْعَاري سِجلاَّتي
إني أُعِيذك من تَمْزِيق أُغنِيَتي
عَلَى يَدَيْكِ ومن إِطْفَاءِ مِشْكَاتِي
ومن صُدُودٍ يُريني سُوءَ خَاتِِمَتي
ويَجْعَلُ اللَيْلَ مُمْتَدَ المَسَافَاتِ
أُعِيذُ عينَيك من رؤيا مُرَّوِعةٍ
ومن تَسُلُقِ أشباحِ مُخِيفَاتِ
إِذاَ أَرَدْتِ صَفَاءَ العَيْشِ يا أَمَلِي
فَجَنبي الصَّدْرَ آثار الحَزَازَاتِ
نَحِي الخِلاَفَاتِ عن دنْيَا مَحَبتِنا
فالحبُ يَذْبُلُ في أرضِ الخِلافاتِ
عَبَّرت عـن صـدقِ إِحْسَاسـِي وعَاطِفتي
فَمَنْ يُكَمِمُ أَفْوَاهَ العِبَارَاتَ؟
سَهِرْتُ والليلُ مَفْتُولٌ على عُنُقِي
والبَدْرُ يَعْجَبُ من صَمْتي وإخْبَاتِي
وما دَرَى أَنَّ فِي نَفْسِي وإِنْ صَمَتَتْ
عَواصفاً من طُمُوحَاتِي وآهَاتِي
إنْ كَانَ حُزْنِي مُحيطاً لا حدود له
فَزَوْرَقُ الصبِر جَوَّابُ المُحِيطاتِ
تقول أَسْرَفْتَ في هذا الطُمُوحِ أَمَا
تَخْشَى علـى النَفْسِ مـن جَوْرِ الطُمُوحَاتِ
أَلَستَ تَقْنَعُ يا هَذا؟ فَقُلْتُ لَها
الحُرُّ يَهْرُبُ من بَعْضِ القَنَاعَاتِ
إذا تَذَّكَرْتُ أَيامَ الطُفُولَةِ في
آفاقِ قَريتنا أًرْخَيْتُ راياتي
حكايةٌ حُلوةُ ما زِلْتُ أَذْكُرها
تَغَارُ من حُسْنِهَا كُلُّ الحِكَاياتِ
يا من تُعَاتبُني والنفْسُ عاشِقَةٌ
لِلَوْمِهَا وهِيَ لَمْ تَعْلَمْ بِغَايَاتِي
هَلْ أَصْطَفِيكِ لِنَفْسِي إِنَّ بي شغفاً
إِلى اصْطِفَائِكِ يا أَحْلَى ابْتِسَامَاتِ
وكَيفَ لا أَصْطَفِــيَ مَــنْ يسترِيحُ لَهَا
قَلْبي ويسْلَمُ من تَنْغيص أَنَّاتي؟
بعضُ الأَحِّبة عبء في مَحَبَّتِهمْ
وبَعْضُهم خَيْرُ عَوْنٍ في المُلماتِ
قــد يَشـْربُ المرء كأسَ الموتْ مرتفعاً
بِنَفْسِه عن أَمَانِيها الدَنِيئَاتِ
يَسْتَعْجِل الناسُ في الدُنيا مَقَاصِدَهُم
وكلُ ما طَلَبُوا رَهْنٌ بمِيقاتِ
فِـي الناسْ مـَنْ يحمـلُ الأعباءَ مُحتسبـاً
فَنَفْسُه دائماً مخنوقةُ الذاتِ
وفيهم المُرتَمِي في حُضْنِ رَغْبَتِه
فما يُجِيدُ سِوى جَرِّ العَبَاءَاتِ
إن طَابَ للمرْءِ أَنْ يُبْدِي تَجبُّرهُ
فَلَنْ يُغَالِبَ جبارَ السَمَاوَاتِ
أَعُوذُ بالله مِنْ سَعْيٍ بلا هدفٍ
ومِنْ مَسِيرٍ على دَرْبِ الضَلاَلاتِ
شعارُ قَلْبِي وفاءٌ لا انتقاضَ لَهُ
يظلُّ يَهْزَأُ من كُلِ الشِعَاراتِ
أحسُّ أنَّ هُمُومَ الناس َتجْرَحُنِي
وأن جُرحَ الضحايَا سِرُّ مَأسَاتِي
إذا بَكَى الطِفْل مـن يُتْـمٍ رَأَيْـتُ دمـي
يَغْلي وماتَتْ على ثَغْرِي ابتساماتي
وإِن نَأَتْ بِحَبيبٍ عن أَحبَته
دارٌ تَمَثَّلْتُ هذا البُعْدَ في ذَاتي
كأنَّني في كِتَابِ العُمْر خَارِطةٌ
للذِكْريَاتِ بها بَعضُ النُتُوءاتِ
أو أنَّني دفترٌ للحبِ تَمْلَؤُهُ
يدُ الوفاءِ بأَخْبَارِ المُرُوءاتِ
أو أَنَّنِي في فم الأَيَّامِ أُغْنيةٌ
في لَحْنِهَا أَثَرٌ من عَزْفِ أَنَّاتِي
أظلُ في قَبْضَةِ الآلامِ مُحْتَسِباً
كأنَّني مِرْسَمٌ في ثُقْب مِبْرَاتِي
يا مَنْ علَى وَجْهها آثارُ أَدْمُعها
لاَ تَعْجَبي إن جَعَلْتُ السيفَ مِرآتي
وإن ركبتُ حصاناً لا لِجَامَ لــه
تَبدُو عَلَى وَجْهِهِ آثارُ غَارَاتِي
أَما تَرَيْنَ عُيُونَ الذِئْبِ تَرْمُقنا
ونحن نَرْكض في كَسْبِ الصَدَاقَاتِ؟
أما تَرَيْنِ وُجُوهَ القومِ شَاحِبةً
وهُم يكُمُونَ أَفٍْواهَ البُطُولاتِ؟
أما تَرَيْنَ بلادَ العُرْبِ نازِفَةً
دماً وفُرْسَانهُا نَهْبُ الصِراعاتِ؟
تَقلَّبتْ فوقَ جَمْرٍ من تَنَاحُرِنا
فأًصْبَحت بين مأساةٍ ومَلْهَاةِ
يتيِهُ في فَمها صوتٌ وما وَجَدَتْ
من يَستجيبُ ولم تَفْرحْ بإنْصَاتي
للدَمْعِ في مُقْلَتيها دَكُ سَاقِيَةٍ
وللأَسَى في الحَنَايَا فِعْلُ نَحَّاتِ
كانَتْ تُضِيءُ بنورِ الحُبِ مَنْزِلَها
فَصَارَ مَقْدِسُهَا مَأْوَى العِصَابَاتِ
وأصبحتْ تَشْربُ المأْسَاةَ راغِمَةً
ولا تَرى النصرَ إلاَّ في القَرَارَاتِ
لا تَعْذليني على حُزنٍ أعيشُ به
حراً ولا تُغْلِقِي كُلَّ المجَالاتِ
- ثم شدا بقصيدة رثى بها الشاب الشهيد أحمد عبد الله الزهراني الذي اتجه إلى أفغانستان ليجاهد مع إخوانه، ولما يتجاوز عمره التاسعة عشرة. وكان أحمد مميزاً بصوته الجميل، وله مجموعة أشرطة تُباع في السوق فيها مجموعة أناشيد إسلامية جيدة، وقد استشهد في شهر شعبان الماضي، رحمة الله عليه. ونسأل الله أن يتقبله إن شاء الله. وكان أبوه وأمه يوزعان الحلوى على من جاء يعزيهما في وفاته، ويقولان نحن فرحان إن شاء الله، لأن أحمد اتجه إلى هذا الطريق، ونال الشهادة بإذن الله تعالى.
- إن أحمد عبد الله الزهراني أنموذج رائع لشباب الإِسلام في هذا العصر، ولذلك رثيته بهذه القصيدة. أرجو إن شاء الله أن يتقبلها الله وأن تنال إعجابكم.
نَادَيْتَنِي فَسمِعتُ صَوْتك والصَّدَى
ووعدْتَنِي فرَضِيتُ مِنْكَ المَوعِدَا
ودَعَوْتَنِي أُخْرَى فلبَّى خَاطِري
وحجزتُ في طَيرانِ شِعْرِي مَقْعَدا
وعَبرتُ أَجْواءَ الحَنينِ فَمَا رَأت
عَيْنَاي إلا لهفةً وتَودُدَا
ورَحَلْتُ تَمنحني المسافةُ نَفْسَها
أَمَةً تُسَلِيني وتَخْتَصِرَ المَدى
ورَحَلْتُ تَرْمقني الرياحُ بِنظرةٍ
عَجْلَى وتَحْمِلُ في يَديها الموقِدَا
ورحلتُ ينْتَحِر الضَياعُ على يَدِي
ويَصِيرُ رَمْلُ الدَرْبِ حَوْلِي عَسْجَدَا
يا أنتَ ما مرَّت علينا روضةٌ
في دَربنا إلاَّ وتَذْكُر أَحْمَدا
نظرَ السحابُ إليك نظرَةَ مُعْجَبٍ
فَسَقاك ماءَ المَكرُمَاتِ مُبرَّدَا
ورأيتَ أبراجَ المَعَالِي صَافَحَتْ
كَفَّ السماءِ فكان عَزْمُكَ مصعدَا
أرأيتَ أحمدَ كيف جَرَّد نَفْسه
في نُصرةِ الحقِ المُبين مُهنَّدا
ومضَى علَى دَرْبِ الجِهادِ مُبكراً
لم تبلغ العشْرونَ فيه المقْصِدا
جَعَلَ الشَبَابَ مَطِيةً لِجِهَادِهِ
فَشَدَا بألْحَانِ الجهادِ وغرَّدَا
أرأيتَ بآمِيرِ التي فَرِحَتْ بِه
فَغَدتْ تَمَدُّ إليه من شوقٍ يدا
وغَدَتْ تَقولُ لكل من في قلبِهِ
كبرٌ ومَن ضَلَّ الطريقَ وعَرْبَدَا
موتُ الشهيدِ حَياتُهُ وحياتُنَا
في لَهْوِنَا الفَتَّاك عُنوان الرَدَى
هَذي رُبَا زَهْران أَثمر لَوْزُهَا
فرحاً وأيْنَعَ شَوقُها وتَجَددا
أَحييتَ بالتَقْوى سَعَادةَ قلبها
وغَدوْتَ فيها بالشهادةِ سَيدا
والطائفُ الولهانُ شدَّ إزاره
فرحاً وأحيا لَيلَه وتهجدا
يُهدي إليكَ سَلامَ كل ثَنِيَّةٍ
طَرِبتْ لِلَحْنِكَ حينَ كُنْتَ المُنْشِدا
ويَصبُّ في كفيك من أَزْهَارِه
عِطْراً تجودُ به أَزَاهِيرُ الهَدَى
يا من قطعتَ إلى الجِهاد مسافَةً
مازَال يَحْبُو دُونَها مَنْ أَخْلَدا
هذا أَبْوكَ بَنَى على إيمانِه
صرحاً من الصبرِ الجميلِ مُشيَّدا
وغَدَا يَقُولُ ونفسه مشتاقةٌ
للقاءِ مَنْ سَلَكَ الطريقَ وعَبَّدا
ما زلتُ أَذكرُ يا بُنيَّ طفولةً
كُنتَ الأنيسَ بها وكُنتَ المُسْعِدَا
كم لُعْبة بالغتَ في تَدْلِيلها
ومَنَحْتها من راحتيكَ المَرْقَدَا
وكَسرْتَها عَبثاً وجِئتَ تَلُومني
وتُقُيم حَوْلي من صِيَاحِك مشهدا
ومَضَتْ بنـا السَنـوات كَـمْ مـن مَنْزِلٍ
تَاهَتْ مَعَالِمُه وآخر شُيِّدا
ورَحلتَ يا ولدي الحَبيب فَحق لي
أنْ أشْكرَ الله العظيمَ وأَحْمدا
تبكي عليكَ العَينُ لستُ بحابسٍ
دمعاً ولستُ براغِبٍ أَنْ تَجْمُدا
لولا ضياءٌ من يقينٍ صادقٍ
لغَدَا ظَلامُ الليَّل بعدكَ سَرْمَدَا
ولصارَ وَجْهُ الفَجْرِ بَعْدكَ شَاحِباً
ولصارَ طَرْفُ الشَمْسِ بعدكَ أَرْمَدَا
كنَّا نـخافُ عَليـكَ مـن لَمْس الحَصَـى
ونَخَافُ أَنْ تَشكو وأَنْ تَتَنهَّدا
حتَّى إِذا أَشْعَلتَ في أعْمَاقِنا
معنى الفِداء ومن يكونُ المُفْتَدَى
طابَ احْتِسَابُكَ عند أَكْرمَ مَانحٍ
لأراكَ في دَارِ النَعِيمِ مُخْلدا
أَبُنيَّ إِنْ ودَّعت دُنْيَانَا فمَا
ودَّعْتَ إلا الزَائلَ المُسْتَنْفَدا
هُوَ عُمْرُنَا جمعٌ من السنوات لم
تَسْلَمْ صِياغتُه فأصْبَح مُفْردَا
هو عُمْرُنَا والموتُ في أُسْلُوبِهِ
خبرٌ مُفيدُ الوِلادةُ مُبْتدا
تَخْفَى الحقائِقُ عن عيونٍ لا ترى
في الصَفْحَة البَيْضاء إلا الأسْوَدَا
موتُ الشَهيد حَيَاتُه وحَيَاتُنَا
في لَهْوِنا الفَتَّاك عُنْوانُ الرَدَى
 
- ثم ألقى المحتفى به بعد ذلك قصيدة عنوانها "رسالة إلى هارون الرشيد".
خُـذِي مـن القَلْـبِ مـا تَبْغِينَ واعْطِيني
ومَتِّعيني بمَنْثورٍ ومَوْزُونِ
حَيَّيتُ ذِكراكِ في شوقٍ فلا تَقِفِي
مكتوفةً يا مُنى قَلْبي وحَيِّيني
ما زِلْتُ أَغْرِسُ آمَالي وأَحْرُسُها
ولم تَزَلْ شفةُ الذكرى تُنَاجيني
أنامُ والصمتُ مربوطٌ على شَفَتِي
وذِكْرياتِي بثوبِ اللَّيل تطويني
مـن أَيْـَن أخـرجُ هـذا الليـلُ يَسْجنُنِي
في صَمْته وعن الأَحْبَابِ يُقْصِيني
بوابةُ الفَجْرِ لا زَالتْ مُغلَّقةً
فكيفَ أَفْتَحُهَا والقيدُ يؤذيني
يا مَنْ على وَجْهِهَا المَيْمُونِ بارقةٌ
من الصَفَاءِ تُريني صِدقَ تَخْمِيني
بي لَهْفَةٌ مَلكتْ قلبي وقد بَعَثَتْ
كَوَامِنَ الحُبِّ تَسْرِي في شَرَاييني
وهَذِهِ البَسْمةُ الخَضراء تَحْمِلُني
عَلَى الوِدَادِ وَفِي الأَحْشَاءِ تؤويني
أسيرُ في مَوْكِبِ الأَيّامِ مُلْتَحِفاً
بالحبِّ والأملُ البراقُ يَدْعُوني
أَسيرُ والدربُ مفروشٌ بروعتِها
وعبقُ أَزْهَارهَا الزَاكي يُحَّييني
أَظَلُّ أضْحَكُ منها حين ترمقني
بِنِصْفِ مُقْلَتِها والضحكُ يُبكيني
سَافَرتُ والليلُ أَعْمَى والهُمومُ لها
تَوثبٌ وسهامُ الخَوْفِ تَرْميني
فما مررتُ على دَرْبي بمرحلةٍ
إلاَّ وجدتُ حُدَاءَ الشوقِ يَحْدُوني
ولا تَوقَّفْتُ في سَيْرِي عَلى أَثَرٍ
إلاَّ رأيتُ السُهُولَ الخُضَر تَرْجُوني
وأدهش الدربَ تصميمي فأَسْلَمني
زِمَامَهُ ودَعَا الأحجارَ أَنْ لِيني
لاَنَتْ فأَحْسَسْتُ أنَّ الأَرْضَ مِفْرَشَةٌ
من الحَرِير وأني غَيْرُ مَغْبُونِ
حتى غَـدَا الحَزْنُ سهلاً والرمـالُ غـدت
زهراً ونبعُ الأَمَانِي البِيض يَسقِيني
مَضيتْ، لا الليلُ تَثْنيني غَوائِلهُ
ولا المخَاوِفُ والأوْهَام تَثْنِيني
وسِرْتُ في رَوْضَةٍ لا الغَيْثُ أَخْلَفَها
ولا سمعتُ بِهَا صَوتاً لِمأْفونِ
إذا ظمئتُ سَقَتْنِي من مَنَابِعها
وحينَ يَقْسو عليَّ الجُوع تَغْدُوني
يا روضة المجد مـا لـي عنـك مصـرف
وكيف لي ونسيم المجد يشفيني
بِكِ انْشَغَلْتُ وبعضُ الناسِ منشغل
عنِّي بتحسينِ أقوالِي وتَهْجِيني
أما تَرينَ اشْتِيَاقِي فاجْعَلي أَمَلي
يَخْضر فِيكِ ولا تَسْتَخْلقي دُوني
إني أَرَى حَائِطاً للدَهْرِ يَحْجزُني
عما أُرِيدُ فَأَرْجو أَنْ تُعِينيني
يا حَائِطَ الدَهْـرِ إِنْ أخفيـتَ عـن نظري
أَشْخَاصَ قومِي فَذِكْراهم تُوَافيني
أَظَّلُ أذكر ماضينا فيمْلَؤُنِي
زَهْواً ورائحةُ الأَمْجَادُ تُذْكيني
وهَا أَنا اليَوْم تُدْنيني مُخَيِّلَتي
من الرَشِيد وأَنْغَامِي تجَاريني
إن كانَ واقِعُ هذا العصر يؤلمني
فإنَّ سَالفَ أَمْجَادِي يُسَلِّيني
أبَا الأَمِين، أبا المأْمُونِ، يَحْمِلُني
إليكَ شَوْقِي وبُْعدِِي عَنْك يُدْنِينِي
بَيْني وبَيْنَك أعْوامٌ مُكَّومةٌ
تَظلُ سَاخرةً من حَائطِ الصِين
وبيننا يا أبا المأمون أَلْسِنَةٌ
تغريك بي وبِمَا تُغْريكَ تُغْرِيِني
ظَلَّتْ تَزِيدُ سُعَار الشَكِّ في خلدي
حَتَّى رَأَيْتُكَ في صَفِ المَجَانين
تَقْضي لياليك الحَمراءَ مُنْشغِلاً
بنشـوةِ الكَأسِ عـن مُلْك وعَـنْ ديـنِ
قَصَائِدِي يا أبا المأمُون لاَهِثَةٌ
في دَرْبِ ظَنِّي وظَنِّي لا يُدَارِيني
لكنها لو دَرَتْ مِثْلِي بما حَمَلَتْ
من الهُمُومِ لفرَّتْ من دَوَاوِيني
أبَا الأَمين أبا المأمون مَعْذِرةً
إذا نَكَأْتُ جِرَاحَاتِي بِسكينِ
إني أتيتُ وعينُ الشَّكِّ تَرْمُقُني
وقَدْ صَبَرْتُ عَلَيْهَا صَبْرَ ذي النُونِ
حتى سَمِعْتُ نداءاً لست أَعْهَدُهُ
وكنتُ أُصْغِـي وكـان الصـوتُ يَأْتِينـي
قَالَتْ زُبَيْدةُ ما أنبتُ عَاطِفَتِي
إلاَّ على رَوضَةٍ في صَدْرِ هَارُونِ
وهَبْتُه كلَّ إحسَاسِي وكنتُ لهُ
رَيْحَانَةً دُونَها كُلُّ الرَيَاحِينِ
غنيته لحنَ أَشْواقي فما سَمِعت
أُذْنَاهُ تَلْحين أشْواقٍ كَتَلْحِينِي
أجريتُ نهرَ حناني في رُجُولَته
فَصَارَ أَلْينَ في كَفِّي من اللِينِ
ما كان يحرقُ في نيرانِ مَخْدعَهِ
غيري ولا كَانَ يَرْضَى أن يُجَافِيني
ما كان يُغْضِي على ذُلٍ ومَنْقصَةٍ
ولا ينامُ على بَوَّابة الدُونِ
هو الرَشيدُ يَرَى في الحَجِّ تَبْصِرَةً
وحينَ يَغْزُو ترى إقدَامَ مَيْمُونِ
هنا جَلَسْتُ فَرِجْلي لا تُطَاوعني
على الوقوف، ونارُ الحُزنِ تَشْوِيني
 
إني رأيتُكَ بُركَاناً يَثُورُ عَلَى
أَهْلِ الضَلاَلَةِ يُزْرِي بالبَراكينِ
إني رأَيتُكَ ذا عَطْفٍ ومَرْحَمَةٍ
تَأْسُو جِرَاحَ اليَتَامَى والمَسَاكِينِ
فهل أصدقُ أوهاماً يُهْرِبُهَا قوم يَبُثُونَ وُسْوَاسَ الشَيَاطين؟
كَسَرتُ عُكَّازَ أَوْهَامِـي وجِئـتُ علــى
ظَهْر المَدَى وبكَفِّي غُصْنُ زَيتونُ
كَذَّبْـتُ كـلَّ الدِعَايَاتِ التـي اشْتَعلـتْ
في عَالَمٍ بخَسيس القَوْل مَفْتُنونِ
كَمْ مِـن يـرَاعٍ تَصُـبُّ السُـمَّ رِيشَتُـهُ
كَأنَّه خنجرٌ في كَفِّ مَجْنُونِ
أبا الأَمِينِ، أبا المأْمُونِ ذاكرتي
مَشحونةٌ ويَرَاعِي صارَ يَعْصيني
كم صَاحِب كنت مَغْرُوراً ببسمته
يَبِيعُنِي في هوى الدُنيا ويَشْرِيني
إذا فَرِحْتُ بِشيءٍ لا يُهَنئُنِي
وحينَ أفقدُ شيئاً لا يُعَزِّيني
يا صَاحِبِي هَذِهِ الدُنيا مُودَعَةٌ
ولو مَلَكْتَ بها أموالَ قَارُونِ
بنيتُ في القَلْبِ للإِيمانَ مَمْلَكَةً
نَشَرْتُ فيها الهُدَى واللهُ يحميني
أأذْبَحُ اشِعْرَ قُرْباناً وتَرْضيةً
إني لأُنْكِرُ تَقْدِيمَ القَرابين
في عَصْرنا يا أبا المأْمُونْ طائفةٌ
تُجيدُ من حَوْلِنا رَقْصَ الثَعَابِين
لها عيونٌ على الأحباب مُبْصِرةٌ
لكنها لا تَرى إِجرامَ رَاِبينِ
أواهُ لو كُنـتَ تَـْدرِي مـا دَهَـا وَطَـني
وكيف مُدَّتْ إلينا كَفُّ صِهْيونِ
وكيف صَارَتْ رُؤَى لُبنانَ غائمةً
وكيف شُرِّدَ شَعْبٌ في فِلسطينِ
وكيـف لاَكَـتْ رُبَـى الأَفْغَـانِ حَسْرَتها
وأغرقَتْ صَمْتَها في نَهْرِ جَيْحُونِ
وكيف صارَ الخلافُ المُر عَادَتنا
وصَارَ يضحكُ مِنا كلُ مَأْفُونِ
وكيف صارَ هُزَالُ القَوْلِ يَصْرِفُنَا
عَن الأَصِيلِ وعن صِدْقِ المَضَامِين
حتى قَصَائدُنا صَارَتْ مُعَلَّقةً
على مَشَانِقِ أَنْصَافِ المَجَانِينِ
إني أغارُ على الإِسْلامِ مِنْ بشرٍ
يُهرِّبون إلينا فِكْرَ لِينين
أغارُ يا وَارِفَ الأمجادِ إِنَّ دمي
يَغلِي عَلَى أُمَّتِي والجُرح يُدْميني
ولا تَسَلْنِي أبا المأمون عن بلد
حَكَّمْتَ فِي أَرْضِهَا خَيْرَ الموازِينَ
بغدادُ يا وارفَ الأمْجَادْ أَرقها
رُعْبٌ وباتَتْ عَلَى ضَعْفٍ وتَوْهِينِ
كَأَنَّهَا ما رَأَتْ مَجْداً ولا أمِنَتْ
أَيَامَ عَهْدِكَ يا تاجَ السَلاَطِينِ
سَمَّيتَ نَقْفُورْ كَلـْبَ الـرُومِ حِيـن بَغـى
وَنَحْنُ مِن ضَعْفِنَا نُغْضِي لِشَمْشُونِ
ونَنْفُثُ الهمَّ في سِيجَارَةٍ خَبُثَتْ
رِيحاً ونَنْفُثُه في ثَغْرِ غَلْيونِ
كَأنَّنا من قَضَايَانَا على حُمُرٍ
مَذْعُورَةٍ أو عَلَى مِتْرِ الطَوَاحِينِ
وكَيفَ ينجحُ قَوْمٌ في تَنَاحرهم
عنوانَ ذُلٍّ ويا شرَّ العناوين
أبا الأمين، أبا المأمون كلَّ يَدٍ
شَلاَّءَ في عَصْرِنَا صارت تُبَاريني
أَنْزَلْتُ رَحْلِـي بـأَرضِ الـذُلِّ فَانْدفَعَـتْ
إليَّ أَصْواتُ أَهْلِ الذُلِّ تُصْليني
أَرَى وجوهاً وأَجْسَاماً مُرَفَهةً
ولا أرى فارساً بينَ الملايينِ
إذ بَنى المرءُ فوقَ الرملِ مَنْزِلَهُ
فلا يَلُومنَّ إلاَّ عَقْلَ مَجْنُونِ
يا راكبين حِصانَ الوهمْ لم تصلوا
إلا إلى نفق في الوَحْلِ مَدْفُونِ
ولن تَذُوقُوا من الدُنيا حَلاَوَتَهَا
إلاَّ بِتَضْلِيل أفكارٍ وتَهجِينِ
قد ينجـبُ العبـدُ حـراً يستقيـمُ علـى
نَهْجِ الصلاحِ ويُحْيِي دِقة الدِينِ
أبا الأمين، أَجِبْنِي إنَّ بي شَغَفاً
إلى حديثٍ من المَاضِي يُواسِيني
قالَ الرشيدُ، وقد وَارَى ابتسامَتهُ
اللهُ يَعْلمني والله يَجْزِيني
إِنْ أَسْرَف القَومُ في التَشْوِيـه وانتهجــوا
دَرْبَ الأَكَاذِيبِ فالرَحْمَنُ يَكفِيني
لو كانَ فـي النَّـاسِ إِصْغـَاءٌ علـى رَشَدٍ
ما أَقْسَم اللهُ بالزَيْتُونِ والتِّينِ
قد يَسْمعُ المرءُ أقوالاً ملفقةً
تَغْدُو هَبَاءاً عَلَى أَرْضِ البَراهِينِ
 
- وبعد أن أطرب المحتفى به الحاضرين بما أنشده في قصائده الطوال، شدا ببعض مقطوعاته الشعرية فقال:
أُعَانِي بالفِراقِ أَسَى
وأَذْكُركُم صَبَاحَ مسَا
وَبي من لوعةِ الأشواقِ ما هَدَّ المنى وقَسَا
وَلِي أَمَلٌ يُمَاطِلُني
تعلَّم مِنكَ واقْتَبا
أتمضي العُمر مَا نَطَق الرِضَا يوماً ولا هَمَسَا
وَلَنْ نَفْرحْ من اللُقيّا
سِوى بِلَعلَّ أو بِعَسَى
أَنَيْأََسُ من سَعَادَتِنَا
ونَحنُ نَلُومُ من يَيْئسا
فَكَمْ مِنْ زَوْرَقٍ لَعبتْ
به الأَمواجُ ثَّم رَسَا
إذا ما زُرْتَنِي أَمَلاً
فَزُرْ أَلماً وَزُرْ قَبْسَا
* * *
يا قَلْبِيَ المُشْتَاقِ لا تحزنِ
فأنتَ في جُرْحِكَ في مَأْمَنِ
يَعَضُّكَ الجُرحُ فأَشْدُو بِهِ
أُفْرِغُه في نَغَمٍ مُتْقَنِ
يا قَلْبيَ المُشْتَاقَ يا دوحةً
طابَ الجنَـى فيهـا لِمـنْ يَجْتَنِـي
يَعْذُرَكَ العزال يا خَاطِري
لو أنَّ كل الناسِ من مَعْدِنِي
ما دُمْتُ بالرَحْمنِ مُسْتَعْصِماً
فأنت عن كُلِ المآسي غَنِي
 
- ثم أنشد قصيدة عنوانها:"هبني فمن يشدو".
يهفو إلى ضوء الصباح مسائي
وأنا أجدد في الهموم ردائي
أَجْتَّرُّ في جُنْحِ الظَلامِ مَواجعِي
وأَبُثُ في سَكَنِ الوُجُودِ ردائي
وأُلَوِّنُ الليلَ الطويلَ بِحَسْرَتِي
فَكَأنَّهُ مُستَودَعٌ لِشَقَائِي
وكأنني والنجمُ يرقبُ حَيْرتي
ساعٍ إلى نَبْعٍ بغَير سِقَاءِ
ما بالُ هذا الليل يَسبِقُني إلى
هَدَفي وما بَالُ الصَبَاحِ ورائي
الذكرياتُ وكلُ أغنيةٍ عَلى
شفة الضُحَى ذَابَتْ وكل حُدَاءِ
حُجُبٌ مُكثَّفَةٌ عَليك وإنَّما
يَزْهُو ضِياءُ البَدْرِ في الظَلْماءِ
ما كُنتُ أعْلَمُ أن لِلذكرى يداً
تُعْطِي وأن يدِي يدُ استجداءِ
ما كنتُ أعْلَمُ أَنَّ في دَرْبي رؤى
نَشْوَى تُقَرِبُنِي مِن البعدَاءِ
لو أَنَّني أدركْتُ سِرَّ تَأَوُهِي
لجعلتُ ناصيةَ الهُمُومِ حِذَائي
ومَضيتُ في دَرْبِي إلَيكَ يزفني
شغَفٌ يشُبُّ النَّارَ في أَحْشَائِي
من مُقْلَتَيكَ شَرِبْتُ كَأْسَ سعادتِي
ونَسَجْتُ كلَّ قصيدةٍ عَصْمَاءِ
أَفْرَغْتُ فيها ذَوْبَ إِحْسَاسِي وها
أنا ذا أُقَدِّمُهَا على اسْتِحْيَاءِ
بِكَ يَرْتَدِي قَلْبِي ملابسَ عُرْسِهِ
وعليكَ تَشْقَى مُقْلَتِي بِبُكاءِ
وإليكَ يهفو الشعر حين أصوغه
شَوقاً ويصرخُ صرخةَ استِجْدَاءِ
ويَهُزُّني أَملي فَتَنْدَاحُ الرُؤَى
في نَاظِري كالأَنْجُمُ الزَهْراءِ
وتَظلُ تُؤلمُني وَسَاوِسُ خَاطِرٍ
يَخْشاكَ أن تَسْقيهِ كأسَ جَفَاءِ
فَيلَذُّ لي طَعْمُ العِتَابِ وأَشْتَكِي
وأُحسُّ أنَّك دائمُ الإِصغاءِ
يا صاحباً عَبَثَ الغُرُورُ بِرأْسِهِ
فَكَوَى بِنَارِ غُرُورِهِ أَحْشَائِي
لِمَ هكَذَا تَقْسُو عَلَى مَنْ قَلْبُه
مَأْوَاكَ هذي شِيمة الجُبَنَاءِ
أذبلتَ في قَلْبي زُهُورَ مَحبَّتِي
وحَصَدْتها بِمَناجِلِ البَغْضَاءِ
أو تدّعي حُبي فَأَيْن عَطَاؤُه
أَسَمِعْتَ عن حُبٍ بغير عَطَاءِ؟
أَسَمِعتَ عن شَوْقٍ بغير تَحرُّقٍ؟
أَسمعتَ عَنْ أرضٍ بَغَيْرِ سَمَاءِ؟
أَسَمِعْتَ عن لَيلٍ بغيرِ ظَلامِه؟
أََسمعتَ عن فَجرٍ بغير ضِياءِ؟
أَتريدُ معنى الليلِ عندِي إنه
سجنُ الجريح وسُتْرَةُ الجُهلاَءِ
أَتَريدُ مَعْنى الفَجْرِ عِندِي إنَّه
رمزٌ لكل تألُّقٍ وصَفَاءِ
أَتريدُ مَعْنى الشِعْر عِنْدِي إنه
نَبَضُ القلوبِ وواحةُ الشُعراءِ
أَتقولُ أنَّ الدَرْبَ وَعْرٌ إنما
وَعْرُ الطَريقِ لأَرْجلِ العُظماءِ
أو لم تَذُقْ طَعْمَ المرارةِ والأَسَى
مِثْلِي ولم تَشْعُر بِمِثْلِ شَقَائِي
هَبْنِي نَظَرتُ إِليكَ نظرةَ بائسٍ
أو لست تَرْحم نظرةَ البُؤساءِ؟
هَبْنِي بَثَثْتُ إِليكَ بَوْحَ مَشَاعِرِي
أَوَ كُنْتَ تَتْركُنِي بِلاَ إصْفَاءِ؟
هَبْنِي مَدَدْتُ يَدِي إِليكَ تَوَسُّلاً
أَوَ كُنْتَ تُرْجِعُهَا بغير عَطَاءِ؟
هذِي وَسَاوِسُ خَاطِري أَرأيتَ كم
زَفَّتْ إليَّ من الرُؤىَ السَوْدَاءِ
لو أَنَّنِي أَوْغَلْتُ في طُرُقَاتِهَا
لتركتُ إشراقَ الحياةِ ورَائِي
لكنَّ لي أملاً يُشَتِتُ شَمْلَها
ويُريحُني من كَثْرةِ الأَعْبَاءِ
فـإذا صَحَـْوتُ مـن الوَسَـاوسِ أشرقَتْ
حَولِي الحياةُ بِنُورِكَ الوضَّاءِ
وتضاءَلَ الكَونُ الفَسِيحُ كأنَّهُ
عُشٌ وأنتَ بهِ رفيقُ وَفاءِ
يا صاحباً ما زلتُ أشعرُ أَنَّه
في رِحْلَتي أَملٌ يُذِيبُ عَنَائِي
أَصْغَيْتُ والصمتُ الرهيب يَلُفُّنِي
والليلُ يَنْسُجُ بُرْدَةَ الظَلْماءِ
وأقمتُ حتى خِلْتُ أن مَراكبِي
صَدِئَت وأني عِفت طِيبَ ثَواءِ
فاجعلْ لرُوحي في سَمَائِكَ منزلاً
تَسْمُو به عن حَمْأَةِ الأَهْوَاءِ
هَبْني.. فمن يَشدو، وَهَبْني خاطراً
يَسْلُو وخُذْ مني أرَقَّ غِنَاء
أرأيتَ أَخْزَى من تَعلُقِ جاهلٍ
بِذُيُولِ دُنيا جُلِّلَتْ بِفَنَاءِ؟
أرأيتَ أقْسىَ في الحياةِ من امرئٍ
متلونٍ كَتَلوُنِ الحِرْباءِ؟
لا يقتلُ الإِنسانَ مثلُ تملُقٍ
يُزْرِي ولاَ يُطْغِيه مثلُ ثراءِ
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1018  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 133
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.