شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ذكرى
ـ ((وتلفنت)) إلي، وكنت بين شغلين، الذكريات أجترها أطرد أحلام اليقظة، والأخبار المتلفزة أتسمع إليها. كأنما أنا اثنان، فؤاد يجتر وأذن تجري، وراء الخبر، فما استطعت أن أكون ثالثاً.
قلت لها:
ـ أجلي السؤال حتى أخلص من الأخبار.
وكانت واثقة معتدة بنفسها. ذكرت اسمها، فإذا اسمها اسم ((المحترقة)).. ذابت الذكريات، ولم أسمع الأخبار. وإنما كنت أسمع حفيف شجرة اختفت وراءها المحترقة، تجسدت أمامي يوم كانت ذاهبة إلى عرس تلبس فستاناً عسلياً قد أبيض بنور وجهها الذي كان بلون الياسمين.
نسيت كل شيء. وأخذت أجسد النظر إلى المحترقة تجسدت وراء الشجرة. وكانت الشجرة شجرة فل زرعتها بنفسي وسقتها هي بنفسها. كأنما أنا التنمية لفروع الشجرة أما هي فكانت الأزهار لزهرها.
وامتد التذكر فأراها تدخل علي وأنا بين الموت والحياة. كان أبي خارج البيت يتمرغ فوق التراب. أشفق أن أموت، غلبت علي الإِغماءة. فالرئتان قد احترقتا التهبتا، أما الفؤاد فقد فرغ من قسوة الحب وقسوة المرض، ولكنه عضل قوي.
ـ أدخلوها علي كأنما عرفوا أن شقائي بها. وجلست أمام هذا المسجى أشفقت أن يموت أمامها فأسرعت تنادي الحياة، وضعت يدها على جبيني، وصحوت من دمعة حرى أسقطتها على الجبين.
قالوا.. رشوه بالماء..
قالت.. الدمع هو الذي يرعشه..
فارتعشت.. أناديها..
أنت أعدت الحياة إلي؟
وأنشدت:
وإني لتعروني لذكراك رعشة
كما ارتعش العصفور بللَّه القطر
كانت رعشتي بالدمع هي التي جعلتني أتصرف في رواية بيت الشعر. وتكلمت.. حتى إذا رأتني ابتسم أنهضتني أجلس أمامها.
ودخلت عجوز من أهلي فقالت:
ما شاء الله.. تبارك الله..
الله ساقك علشان يعيش.
قلت لها:
ـ أراك تتزينين بالعقد، كأنك ذاهبة إلى عرس، كما تعودت أن أراك قالت:
ـ نعم.. جئت إلى العريس، فحياتك عرسي وزينتي. فلا تحسب أني البعيدة عنك حيث لم أكن الحليلة، وما أشرف ما صنعت أنت حيث جعلتني أختاً ولم تجعلني الخليلة..
ونهضت، فإذا أنا أنشد..
ولما رأتني في السياق تعرضت
إلي وعندي من تعرضها شغل
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل
ثم أنشدت لتسمع..
أذكرونا مثل ذكرنا لكم
رب ذكرى قربت من نزحا
واذكروا صبا إذا غنى بكم
شرب الدمع وعاف القدحا
 
طباعة

تعليق

 القراءات :576  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 427 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.