شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحب الفاشل الخالد
ـ ونشأ طفلاً يلعب معها، ونشأت عروساً لا تنسى أنها لعبت معه، تبني بيتاً بالطين والحجر، كأنه صبي المعلم البناء يناولها الطين والحجر. هي لا تعجن الطين ولا تجمع الحجر وإنما هو يشاركها، يصنع كل ذلك، أما هي فتبني البيت الصغير، لو تعلمت لكانت مهندساً معمارياً. وحين تعلم هو كان مهندساً بيانياً.
وحين يتعايش الطفل مع الطفلة على أساس نوع من القرابة أو الجيرة ينمو بينهما حب يعيش طويلاً، لأنه سار على نهج الطبيعة التي نظم الله بها الحياة والأحياء، فكل نبات ينمو ببطء تطول حياته، كأنما نمو الحب بينهما بذرة شجرة أو نواة ثمرة احتضنتها الأرض فإذا هي تنمو شامخة تعيش طويلاً إذا ما تركها الإِنسان لحياتها لا يعبث بها إذا ما احتطبها.
وأصبح الطفل فتى وأصبحت الطفلة عروساً تزف إلى عريسها. وكانت ليلة زفافها قد انسرقت نفسه من نفسه. كان ليلتها جماداً لا يتحرك، كل ما في وجدانه قد هرب، أو أنه اغترب. يسافر في نومة فقد غشيه النعاس حتى إن زفة العروس لم توقظه. أهي غيبوبة الغم أم غياب المشاعر حين يتأزم الظرف بها؟
وغابت عنه طويلاً لا يراها، نسيها وما نسيها، يتناساها ليذكرها، لكنه تعود أن يذهب إلى بيتها صباح العيد، يطرق الباب بحنان، تفتح الباب قليلاً، تمد أصابعها يصافحها، كأنها لا تريد إذا ما احترقت الأصابع أن يحترق وجدانها. ومضت سنون لا يراها إلا في يوم عيد خلف الباب.
وترملت.. مات زوجها، وفي حضانتها طفلان منه.
وزارها يعزيها فتقبلت العزاء، تارة ترخي وجهها وتارة تلتفت إلى بعيد، يتحجر الدمع في عينيها. فيسأل نفسه. أمن أجله تبكي أم من أجل ترملها، أم ثقل المسؤولية عن الطفلين؟
وبعد انقضاء العدة زارها، فإذا هي تنتصب، كل عضلة من عضلاتها تريك أنها صلبة، وترى في عينيها الصبر والسلوان والشعور بالمسؤولية.
وأعدت فنجان شاي. فقالت وهو يشرب من رؤية حلاوتها ومن حلاوة شايها. هذه آخر زورة لك. أرجو ألا تأتي.
قال: هكذا كرهت؟
قالت: هكذا أحببت. ما كرهتك قط. بل كل يوم يزداد حبي لك، كأنما أنا أنت في تصاعد الحب منك لي ومني لك. ولكن.. أخشى أن تفكر في الزواج مني وهذا ما أرفضه، لأني لا أريد أن أحطم أماً لابنتك، كما لا أريد أن يطأ زوجي عواطف أبنائي. فزوج الأم على الأبناء وطأة ثقيلة. وأريدك ألا تحضر لأقطع ألسنة الناس. يقولون ما شأن هذا الرجل يتردد على هذه الأنثى. أخشى كلامهم وأخشى أكثر نظرة أبنائي إليك. لا يعرفونك إلا غريباً، وحتى لو عرفوا أنك الحبيب فإنهم يعيشون في كرب أن تكون أمهم لغيرهم.
وأرسل تنهيدة ودمعة من قسوة كلامها وصدق كلامها وصداقة الحب.. فلو لم تكن صادقة في حبها لاسترخصت نفسها أن لا تبوح بهذا الحب عن طريق القسوة. وامتنع عن زيارتها. ولكن بلغه أن وجهها قد احترق فأسرع يعودها، يسأل عن صحتها.
قالت: أنا شاكرة لهذا الحريق. قد أخذ من جمال وجهي لأعيش في راحة من التفكير بالزواج. ولأطرد الكثير من الخطاب، إن وجهي الآن جميل في عيني الابن والبنت. لأنهما عرفا أني لهما لا لغيرهما.
تعال زرني بين الحين والآخر فقد عرف أبنائي أنك أحد أقربائي كما عرفا أني لهما وحدهما بهذا الجمال المشوه.
قلت: إن جمالك لم يشوه في وجداني، ولكن السنين أخذت مني وأخذت منك. وما أقل عطاءها حين احترق الوجدان بالحرمان. فأنت وأنا قد أصبحنا في عداد الزهاد، نحب الحب ولا نقترب من الحبيب.
وبعد أن اغترب عن مسقط رأسه سمع أنها ماتت، ولكن حبها لا يزال حياً. فالوضع كما يقول أنيس منصور، الحب الخالد هو الحب الفاشل.
فيا حبها زدني جوى كل ليلة
ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
 
طباعة

تعليق

 القراءات :573  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 423 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج