شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
السيد أحمد العربي
ـ السيد أحمد العربي الأستاذ الجليل ومربي الجيل بحق. فهو أول مدير لتحضير البعثات. مدرسة تخرج منها جيل الوزراء والدكاترة. فهم أول مبتعثين، كالمبادرة الأولى من إعداد الرجال. ذلكم من مخطط الدولة التي ما زالت تفتح مصانع الرجال، ولا أدري، هل لا يزال السيد أحمد العربي في ذاكرة تلامذته، يسألون عنه، ليفرح بهم رجالاً، كما فرح بهم طلاباً.
إن السيد أحمد العربي شريف النسب عياشي هجاري، أعراقه في الأسرة الحسنية في المغرب، كما هي الأعراق التي امتدت من المدينة المنورة إلى ينبع النخل. وكانت هذه العراقة قد زخرفها وزينها، لا بالفخار بها، ولا بالتبجح على غيره، وإنما بالوقار، فقد كان تلميذاً معنا، يحترمه الأساتذة. فلم أر أستاذاً قد اتجه إليه بعتب أو عقاب. فقد امتنع عليه ذلك لأنه منع نفسه أن يكون داعياً لأي أستاذ أن ينهره أو يزجره. كان معنا تلميذاً في ثوب رجل. ورجلاً في ثوب أستاذ. ومن الملاحظ أنه كان عزوفاً، كأنه مع الدرس وليس معه. فقد شهدت العجيب. فهو من فصل قبلنا، وأكبر سناً منا، وقد غاب أستاذ الفصل. أستاذنا السيد أحمد صقر، فجاءوا بفصله، وكانوا أربعة: السيد أحمد العربي، السيد محمد صقر ابن الأستاذ أحمد صقر وعبد الحق النقشبندي وعثمان حافظ. فاجتمع فصلهم مع فصلنا، وكان الأستاذ يلقي علينا درساً في النحو، وهو أستاذنا السيد محمد صقر والد السيد أديب صقر. ولا أدري هل استكبروا أن يكونوا معنا، أم أن السيد أحمد كان جالساً ولم يكن حاضراً، فإذا الأستاذ يسأل عن كلمة: ((تفاوت)) هل هي اسم أم فعل. ولعلّ السيد أحمد وزملاءه قد سكتوا عن الإِجابة عزوفاً أو تجاهلاً. أما تلامذة فصلنا فقد غرتهم ((التاء)) في كلمة ((تفاوت)) فكلهم بصوت واحد قالوا إنه فعل مضارع، فرفعت أصبعي أعترض على الإِجابة فقلت إنها اسم والدليل حرف الجر والتنوين هكذا ((من تفاوت)) فأعطاني الأستاذ امتيازاً. وانقطع السيد عن المدرسة، يحضر دروساً في المسجد ويتلقى عن والده العالم الجليل مولاي العربي. فأبوه من أشراف المغرب، حتى إنا سمعنا أن السلطان عبد الحفيظ حين تنازل عن ملكه في المغرب، فحج وزار المسجد النبوي كان يلازمه مولاي العربي. فمولاي العربي إذا ما خاطب السلطان قال مولاي عبد الحفيظ وإذا ما خاطبه السلطان قال مولاي العربي وحتى والدته الشريفة الجليلة لم تسمع من أي مخاطب أو مخاطبة من عارفيها إلا أن تنادي ((للاصفية)) سيدة جليلة.
وبقي السيد في المدينة طالب علم، نظم الشعر مبكراً. فحين احتدم الخلاف بين تلامذة أستاذنا الشيخ محمد الطيب الأنصاري أستاذ الأخ عبد القدوس الأنصاري ومحمد عبد الله الأنصاري من أهله قبل أن يتتلمذ عليه الشيخان محمد الحركان وضياء الدين رجب. احتدم الخلاف بين هؤلاء وبين تلامذة أستاذنا الشيخ عبد القادر الشلبي الطرابلسي اللبناني. وكان الخلاف على النطق بالكلمة ((أفعل فعلاء)) و ((فعلان فعلة)). هل يكون نطقهما بالخفض كما هو رأي الشيخ الطيب أم بالفتح كما هو رأي الشيخ عبد القادر الشلبي. فإذا بي أسمع هذا البيت نظمه أحمد العربي:
ألا انتصبوا يا قوم للفتح واتركوا
لهم خفضهم فالمثل بالمثل مغرم
وكنت تلميذاً للشيخ عبد القادر الشلبي رحمه الله قبل أن أتعلق بصداقة الطيب الأنصاري، فاختلفت مع الصديق هاشم سمان. نصيراً للصديق علي كماخي رحمه الله. فإذا تلامذة الشيخ الطيب يعينون هاشم السمان على هجائي بقصيدة أحمد العربي:
أبا زيدان عينك أزعجتني
من الأقذار والنظر الشئيم
ولا أحفظ منها إلا هذا البيت. مع أنها كانت البادرة الأولى في إشهاري، فاشتهرت بها، وقد كنت يومها أرمد، فإذا الشيخ محمد سعيد أبو ناصف يرحمه الله. وقد كان مدير البريد في المدينة يضع ريالاً واحداً قيمة للقصيدة لمن يأتيه بها وفي دار الضيافة وأنا ذاهب للمسجد لقيت محمد سعيد أبو ناصف ذاهباً للمسجد أيضاً قلت له خذ القصيدة بلا ريال. وهكذا الهجاء إن أساء في لحظة واحدة فهو يحسن في كل اللحظات.
وأعلنت الحكومة عن ابتعاث بعض الطلبة قبل تأسيس تحضير البعثات. فهي المبادرة الأولى بحق. وكدت أذهب ولكن أستاذنا الشيخ محمد علي التركي قال: تزوج واطلب العلم في المسجد ولا تذهب.
أما أول من ذهب فالسيد أحمد العربي والسيد محمد شطا فالسيد درعمي من دار العلوم في القاهرة. ولحق بعدهما إبراهيم السويل وعبد الله عريف وعبد الله الخيال. ثم انتظم الأمر للابتعاث عن طريق مدرسة تحضير البعثات كما سبق وعن طريق وزارة المعارف بعد وزارة التعليم والوزارات الأخرى.
وتخرج السيد أحمد العربي أستاذاً كبيراً وكريماً، وشاعراً مجيداً، ولا أعرف من يحسن إلقاء الشعر إحسانه. فكم هو قد أطربنا في قصيدته التي حيا بها أول طيار الشريف عبد الله منديلي. كم هو مطرب أن أسمع هذا البيت حتى الآن:
هذا حراء سائلوه يجبكم
فلعلّه سفر من الأسفار
فهل أبناؤه قد جمعوا شعره؟
إن هذه ليست ترجمة للسيد وإنما هي ذكريات. باسم الوفاء لرجل خدم العلم، سواء في بلده لأهله، أو حين رحل إلى أندونيسيا يعلم مسلميها. أمد الله في عمره وجزاه عنا خيراً. بل هي الوفاء لأنه كان نصراً لي حين انتصب هو وصديقاه محمد أمين الشنقيطي سفير الأردن سابقاً والدكتور حمزة شلبي يردان على الهجاء بهجاء، كانوا أصدقاء، كبروا ولم يستكبروا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1867  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 386 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج