طه بن حسين والارتجال |
ـ واستملحت هذا التغليظ للاسم يضاف إليه الأب دون ذكر كلمة ابن فلان. فلعلّي أذكر هذه الأملوحة حدثني بها شاب من أبنائنا في نيويورك، استطردها إذ أكتب عن الدكتور طه حسين، فقد قال لي هذا الصديق العربي السعودي إنه رأى ما سماه صاحبه ((أطروحة)). |
تعرض فيها إلى أغاليط طه حسين، فأعجبتني هذه الأغلوطة التي درجنا عليها، تستسيغها آذاننا إذ ألفت جرسها. مع أنها لم تخالف آذاننا لذة السماع لأسلوب العربية الأول. |
فصاحب الأطروحة يقول إن طه حسين ينبغي أن يقال ((طه بن حسين)) يمنع الإضافة التي يكثر فيها المناداة باسم الأب بهذه الإِضافة كأنه الاسم لهذا المنادى. |
فالعربية الأولى تقول، عمر بن الخطاب ولا تقول عمر الخطاب والحجاج بن يوسف لا الحجاج يوسف. |
وحمزة بن عبد المطلب لا حمزة عبد المطلب فكيف جاز لنا الآن أن نقول طه حسين، عبد الله عمر خياط. أو محمد حسين زيدان؟ |
فعلى رأي صاحب الأطروحة يجب أن يقال.. محمد بن حسين زيدان فكثير من الذين يتلفنون إلي يحسبون أن اسمي ((حسين)). |
ولم أذكر ذلك لأعيبه وإنما هي ملاحظة جديرة بالاعتبار.. |
بقي أن نتكلم عن الارتجال أنكره طه حسين. حين أصدر كتابه عن الشعر الجاهلي وما إلى ذلك فأثار الضجة الكبرى عليه وإذ أنكر طه حسين الارتجال فإنه أنكر نفسه. فهو من أوائل المرتجلين لأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب وإنما هو يملي مرتجلاً فكل ما كتبه وما ألفه كان ارتجالاً ولا أحسب إلا أنه عدل عن ذلك فما أكثر ما اعتدل فعدل وقد ابتلاه باثنين بصيرين لا يقرآن ولا يكتبان وكانا من أعاظم المرتجلين.. وهما عبد المحسن الكاظمي يرتجل القصائد الطوال في حفل كبير، والشيخ عقل يرتجل أكثر من ستين بيتاً إذا ما طرحت عليه بيتاً من الشعر يتهاطل الكلم من فمه نظماً على الوزن والقافية، حتى أصبح الكاظمي وعقل أعجوبتي الارتجال فعرف أن الحارث بن حلزة قد ارتجل قصيدته المعلقة ومطلعها: |
آذنتنا ببينها أسماءُ |
ربَّ ثاوٍ يملُّ منه الثواء |
|
فقد أنكر طه حسين الارتجال على ابن حلزة فابتلاه الله بالكاظمي وعقل. فمن نوادر الكاظمي أنه ارتجل في حفل كبير قصيدة بلغت مائة بيت من جيد الشعر، وكان الكاتب البليغ صاحب الصور اللفظية عبد العزيز البشري حاضراً هذا الحفل، فقال للكاظمي: |
ـ فاتني أن أسمع أول القصيدة فهل تعيدها؟ |
فأعادها الكاظمي كما ألقاها أول مرة. فكانت أعجوبة الارتجال أما الشيخ عقل فقد كان فتنة المجتمع في مكة المكرمة حين حج فقد طرح عليه أكثر من واحد بيتاً من الشعر فنظم القصيدة على منواله. |
واجتمعنا معه في المدينة المنورة فقد جاء يزور السيد أمين الحسيني وعزت دروزة ورياض الصلح وبشير السعداوي، وكان ذلك في بيت السيد إبراهيم هاشم في الساحة. |
فطرحوا أبياتاً وشاركتهم الطرح إذ أنشدت بيت ابن معتوق الموسوي شاعر الاستعارة يتشقق بها نظمه. |
هذا العقيق وتلك شم رعانه |
فامزج عقيق الدمع من عقيانة |
|
فأخذ يلقي قصيدة لا يستطيع أن يسجلها كاتب اختزال. وكان ذلك قبل أن تأتي أجهزة التسجيل. وطرحت عليه بيتي الشاعر المكي ((سحرا)): |
ظبي جاوى قد سباني |
لفظه الدر الأنيس |
ثغره كنز اللآلي |
ريقه أنقر منيس |
|
فنظم دون تأخير أكثر من ستين بيتاً على هذا المنوال. |
وأخيراً، فإن نعت طه حسين بالأمي لم يكن نعتي له، وإنما كان زمناً أطلقه عليه إسماعيل باشا صدقي. فقد كتب طه حسين نقداً جارحاً لرئيس الوزراء صدقي باشا. فقالوا للرئيس لماذا لا ترد عليه؟ فقال: أنا لا أرد على هذا الأمي. |
|