شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حوار غير ساخن
ـ وعفا الله عن الذين أستقرئهم، لا أتهمهم بالبخل وإنما كل اهتمامهم بما يستملحون، ولا أدري كيف حرموني من أن أسمع ما يكتبه في ((عكاظ)) الشاب المبدع سعد الثوعي الغامدي الذي يكتب ((ورقات شعبية)) وتنشر له كل يوم ثلاثاء. لقد فاتتني حلقات أربع من هذا الحوار الساخن، تواضع فلم يسمه ((الساخر)) وإن كان عميق السخرية، وتراجع عن السخرية فسماه ((حوار غير ساخن)).
إن هذا الكاتب قد نزع إلى عرق، فهو من السراة، كأنه من أحفاد جابر بن حيَّان والخليل بن أحمد، أو كأنه قد أصبح جاحظياً يسير على نهج قد استقام له، ولم أكن أعرفه من قبل، ولكني عرفته اليوم. فحين سمعت ما كتب طلبت من قارئي أن يأتيني بالحلقات التي فاتت. لقد ذكرني هذا الغامدي برجال ثلاثة كانوا يعطرون السمع بالكلمة الساخرة، لا يريدون منها إلا قتل السخرية التي يلبسها أناس؛ كأنما هم يبنون الكمال للشخصية بنوع من التشذيب والتهذيب. هؤلاء الثلاثة اثنان منهم قرأت لهما ولم أعاشرهما.. الأستاذ عبد العزيز البشري والأستاذ إبراهيم هلال، فأنت حين تقرأ لهذين تضحك بما يبكي، وتبكي لما أضحك، إن كتاب ((المرأة)) للبشري قد ضاع مني ولكني استجلبته مصوراً لأنه أصبح الفقيد المبكي عليه. عجيب أن يموت كتاب مثل هذا يمتعك حين يجلو الصدأ عن نفسك. فالضحك غسيل النفس.
أما الثالث فقد عاشرته، أقرأ له وأسمع منه، ذلك خاتمة الظرفاء في مصر الأستاذ محمد مصطفى حمام يرحمه الله.
فأنت مازني الظرف، بشري الوصف بالكاريكاتير اللفظي، وحمامي الطعنة النجلاء بالدمعة الساخنة والنكتة البارعة. أعجبتني كثيراً، فأنا في حاجة لأن أتألم بما يضحك، وأن أتعلم بما يبكي. كيف تأتي لك هذا؟ ولا أقول من أين لك هذا؟ فأنا أسأل عن العطاء ولا أسأل عن الأخذ ((تأتي)) عطاء لك وعطاء منك، أما الأخرى فأخذ دون عطاء.
لا بد أنك تفكر كثيراً، وبين جوانحك مأساة، تهذبت بالألم حين أعطاك الحب أن تتحفنا بهذه السخونة لتمنحنا عطاء هو الراحة من المكربات والمكربين، إنك تجرح ولا تدمي، فلديك البلسم الواقي من إسالة الدم، ولكنك لن تستطيع أن تجد في يديك البلسم يقيناً من الدمع تلبسه الابتسامة.
أنت تبتسم دمعة، وتدمع بابتسامة.
فالسخرية منك تطرية للمأساة التي علمتك أن تكتب. إن أي إنسان يعيش الألم لا بد أن يكون صاحب قلم، وإن لم يكتب. أما الذي ينعم بالترف فإنه يعيش للتلف. فالجياع إلى المعرفة يصلون بالشظف إلى ذروتها، والشباع بالترف ينحدرون إلى كلمات أنت الساخر بها.
أريد أن أعرفك، فقد أخذت على قارئي أن يتحفني بما تكتب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :721  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 362 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.