شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأرض
ـ في حوار مع قارئة، لا تقرأ واقفة، وإنما هي قد أعدت بقراءتها مكاناً، فلا تقرأ إلا جالسة، كأنما هي عرفت نصيحة لأمين الريحاني، يقول: إذا ما أردت أن تستفيد وأنت تقرأ، ينبغي أن تأخذ الكتاب بين يديك أو أي قرطاس تقرأه، فتبدأ القراءة جالساً لأن قراءة الواقفين تأتي سريعة، والقراءة تضيع بسرعة وتترسخ بالطمأنينة.. وذكرتها بهذه النصيحة ثم قلت لها: ((وإذا ما أردت أن تكون الفائدة أكثر وأعمق، فعليك أن يشترك القارئان اللذان تقرئين بهما العين والأذن. فقراءة العين اكتشاف، وقراءة الأذن استيعاب. لأن الجرس رنين مثقف، كأنما القراءة بالأعصاب حين تطرب من الحرف أغنية وجدان)) ثم قالت: ((أين موقف العربي من العربي ومن أرضه ومن القراءة؟)).
قلت: ((العربي انفرادي النزعة))، فقد يكون جماعياً في الأسرة، حمياً للقبيلة، ولكن مازال قبلياً انفرادياً في الانقياد إلى الشعب أعني الأمة. فما يصاب به من رزايا في كل وقت هو ما تأخذه منه الحمية للأقربين قرابة النسب. أما قرابة السبب أعني العقيدة والحسب فقد يثأر بتكرار التوعية وما أسرع ما يتراجع إذا ما مسوا فيه كرامة الانفرادية.
ومن أسباب ذلك أنه لا يقرأ. ويعني ذلك أنه لا يستوعب الثقافة من تراثه والتوعية يعرف بها ما حوله ومن حوله.. من هنا فعلاقة الإنسان العربي بالإنسان العربي ما أحسنه في صولة الحمية وما أقل أثرها بعمق الانفرادية. فالإنسان العربي كثيراً ما يبتعد عن أخيه العربي. بالقومية والعروبة تأتي الحماسة لها بنت وقت. أما استمرارها فبعيدة عن تعانق الزمن.
أما الأرض فنقيض ذلك كله فلا نجد عربياً إلا أحب أرضه التي عاش عليها كما أحب الأرض العربية في أي إقليم عربي. فما زال حنينه إلى الأندلس وما زال أنينه من أجل فلسطين.. حتى إذا ما انتقل من أرضه التي ولد عليها إلى أرض غير عربية حمل اسم المدينة إلى تلك الأرض التي تكون فيها مجتمع عربي. ينقل الاسم كما ينقل النخلة كما نقل الحصان والجمل. لكن هذا الحب، حب عاطفة، لها وميض خافت يتبعثر لأنه لا يتحرك في سبيله كأنما هو عاشق بالمراسلة فلا ضريبة دم يؤديها إلى الأرض التي أحبها بل كثيراً ما ينغمس هذا الحب في ظلمة الشعوبية، وفي باطل يفرضه سلطان. فليت العربي يتفرد ولا ينفرد.. يتفرد للقراءة.. يتفرد للحمية دفاعاً عن الأرض. ولا ينفرد بالفرقة المذهبية، يتفرد بأن يعرف أنه بوحدة المشاعر والسعي يستطيع أن يصون حبه لأسرته لشعبه لأمته لأرضه. حنينه إلى الأرض لما يأتي بشيء إيجابي وأنينه إلى أرض قتلته الانفرادية.
ولعلّ التغني بالأطلال هو البرهان على حب العربي لأرضه.
وسمعت كل ذلك فقالت: ((يصلح كلامك خطبة على منبر في جمع حاشد، يفهمه بعضهم ولا يستجيب له بعضهم فإذا أنت نافخ القربة المثقوبة. إن جبران قال خيراً مما قلت، أو لم تعرف كلمته؟
قلت: ((لقد بح صوتي وأنا أرددها، فلقد قال: ويل لأمة كل قبيلة فيها أمة، ويل لأمة تأكل مما لا تحصد، ويل لأمة تشرب مما لا تعصر، ويل لأمة لا تزرع الحقل لتلعب في الزقاق، ويل لأمة تترك الدين إلى المذهب)).
وانصرفت وكأنها لم تسمع. لأن صرخات الانفرادية قد شبعت منها. فالأذان لم تعد واعية. فالوضع كما قال شوقي يرحمه الله:
فلان الأذان آذان في منارته
وقد تعالى ولا الآذان أذان
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :660  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 347 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.