شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري ))
ثم تحدث الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري فقال:
- بسم الله، خير الأسماء في الأرض والسماء سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. سادتي الأجلاّء وإخواني الأعزاء:
حبال تحز أخاديدها
على عنقي من مرير العنا
وشوك يسد على زفرتي
مسالكها من قتاد الضنى
وحيدٌ يلوب على صنوه
أَبيٌّ شجيٌ كبير المنى
غريبٌ مدى عُمره مُصْعِدٌ
توزّعني الهم بين الدنا
ففي المشرقين وفي المغربين
غريبٌ هناك غريب هنا
وأخفق حتى كأن خلايا
كياني قلوب كخفق السنا
ولو كنت أسكن كانت نجومُ السموات لا الأرضُ لي مسكنا
ولكن أبَى الحرّ إلا مضياً
يجاهد في الله حتى الفنا
وإن يشك كانت شكاة الطّموح إذا عز مطلبه أمعنا
ومن يَفْنَ في الله عاش الخلود
وجلّ المراد وطاب الجنى
حياتي مصابرة لا تني
وويلي إذا الصبر يوماً ونى
بك الله في كل أمري ألوذ
وأنت لربُّ الجدا والغنى
ترامى المدى في طلاب الهدى
وفيضُك يُحبى ولا يقتنى
وقد ناء قلبي بلأوائه
فَمَن مُنجدٌ قلبِيَ المؤمنا
وروحي اشْرأبّ وما زال يرنو إليك.. فرفقاً بروح رنا
وإنّ له نسباً مذ نفختَ
بآدم.. إِبّان خلق الدُّنا
وما هو إنسان هذا الوجودِ
ترابٌ تسامى وروحٌ دنا
فأقبِلْ بإشراقك الأريحيَّ
على مستجيرٍ آتى مذعنا
أَبيِّ الهوى مُستحر الجوى
ألحّ عليه الأسى مَوْهِنا
فإمّا تجليتَ صنتُ الأسى
عوالم علويةً من هنا
وحلّقتُ في جَوِّها مُصْعِداً
لأختصر البَوْنَ ما بيننا
إلهي لقد وَهَنَ العَظْمُ منّي
وعزميَ عن قصده ما انثنى
وأرَّقني همّ ديني وقومي
وآلي فكن يا إلهي لنا
أعن أُمَّتي وأعد شملهما
كياناً عزيزاً متين البِنا
لتدعم طارفها بالتليد
وتهزم ظالمها الأرعنا
وهيء لأمرك جند التُّقى
ونوِّر بقرآنك الأعينا
وخذ بيدي وأقل عثرتي
رَجَاءُ الذي لاذ أن يُحصنا
وجُد بالسكينة تمحو الشجى
وأقبل.. أُذب بك أنت الأنا
فإن لم أجد أمن روحي لديّ
وجدتُ بك الأمن والمأْمنا
 
- حدثت نفسي وأنا أتصاغر أمام هذا الحديث في عين نفسي وأخجل. قلت: كأني بربي جلّ جلاله يُدَلّلني، وكأنه وكَّل بي ملكاً من ملائكته يأمره، دلل عبدي المذنب الخطاء فلاناً وسارع فيما يكرم قلبه!!.
- أنا لا يمكن أن أطمح وأطمع من التكريم في هذه الدنيا بأكثر من هذه العواطف ومن هذه الأريحيات، ومن هذه الوجوه المقبلة عليّ بخفقات قلبها، وأن أُكرم بأكثر مما أكرمني به أخي الحميم الكريم الودود الرؤوم الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه الذي تفرض طلعته محبته، ويختصر إشراق قلبه وثغره، يختصر الزمن بينه وبين من يلقاه، فيتعمق الود أسرع من الزمن، والحب في الله والتآخي فيه مقام خصه الله سبحانه وتعالى بمنابر النور يوم القيامة.
- الأستاذ عبد المقصود خوجه اسمه ملء الأسماع، يذكرني بأن لقاءات كانت بيننا مع عزيزين غاليين، هما الآن في جوار الله، ونسأله تعالى أن يجمعنا بهما في الفردوس الأعلى تحت لواء سيد المرسلين، هما الأستاذ مصطفى السباعي؛ والأستاذ محمد المبارك. وساقه الله عائداً إلى هذا البلد الأمين الطيب في الوقت الذي قدّرت أقدار الله أن أكون موجوداً، ودعاني فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون دون سابقة معرفة بيننا إلى أمسية شعرية عن طريق أخ كريم أعرفه من قديم وهو الأستاذ عبد الله الداري، فاستجبت لأنني أجد أنه لا توجد لدي بضاعة جديرة بأن يضن بها، وأنا بطبيعتي لا أتصدى لكنني لا أتمنع.
- فساقه الله لهذا البلد، وأكرمني وحضر هذه الأمسية، وزاد في إكرامه فلف قلبي بخفقات قلبه، وتعهدني منذ ذلك الوقت، وبادر وأكرمني بهذا اللقاء الذي لا يطمع بأكثر منه المتدللون على ربهم. فجزاه الله عني كل خير وأثابه، ولا يمكن لأكثر من خفقات القلب أن توفيه حقه من الشكر. وقد تكون في الصمت بلاغة، وقد يكون للصمت موسيقى، أقول في إحدى مقطوعاتي:
موسيقى الصمت وقد أغمضتُ
وعقلي في قلبي انصهرا
ألحانٌ دَقَّت رقّتُها
عن سَمْعٍ قد ألف الوَتَرا
وخيالٌ جاوزَ طاقَتَهُ
وامتدَّ فأبصر ما استترا
وسَرَحْتُ مع الأفلاك.. مع الأملاك أرى ما ليس يُرى
سَبَحاتٌ فاقَتْ سابحها
لم تُقصدْ بل كانتْ قَدَرا
غيبوبة عشقٍ في ملكوت جمال الله وما فَطَرا
 
- بهذا الصمت وموسيقاه يشكرك قلبي يا أخي الشيخ عبد المقصود خوجه، وأما أنتم يا سادتي الذين تغلبوا على كل ظروف الحياة، وقد تشعبت وشاكت وترامت فيها الوجائب، فقبولكم لدعوته ولإِكرامي بهذا اللقاء، يتولى الله عنكم جزاءه. ولكم مني الشكر البالغ، وثقوا أنها ذكرى مستقرة في خَلَدي، وستبقى حافزاً من حوافز مضائي، ولا أقول من حوافز عطائي، لأنني لا أكاد أجد لنفسي عطاءاً.
- أنا في حقيقتي والله شاهد على صدق ما أقول.. لما أُقدّم في مجالس الإِخوة العاملين في حقول الإِسلام بالداعية، أقول لهم أنا لا أستحق أن أكون أكثر من دال الداعية.. يقولون.. كيف؟ ألا تدعو؟ أقول: أدعو وإن شاء الله لا أموت إلا وأنا أدعو إليه، ولكن الداعية في فهمي هو الذي يأخذ نفسه بعزائم ما يدعو إليه، وأما أنا فمقصر خطَّاءٌ. أخَّاذ بالرخص. وأما في ساحة العلم، وما أدراك ما ساحة العلم، فأنا والله حكمي على نفسي أنني جويهل، فهذا تقويمي لحقيقتي.
- ومن أدب الإِسلام أن ندعو بما دعا به سيدنا عمر بن الخطاب: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون واجعلني فوق ما يظنون. والله سبحانه وتعالى يستخدم من عباده من يشاء، وأسأله أن يستخدمني وإياكم لإِعلاء كلمته ونفع دينه وأمته، فأنا هذه حقيقتي.
- الأخ الكريم السيد علي فدعق تحدث عن الزبيري، والأبيات التي رواها هي للزبيري، وقد كتبها على صورة له، وأهدانيها رحمة الله عليه. الزبيري مَثَلٌ فَذٌّ من أمثلة العفة والجهاد، كنت أسمع عنه يوم كان في عدن أيام الانقلاب الأول، وأعرف مواقفه وتترامى إلى أذني بعض أشعاره، فأجد فيها شيئاً يهز القلوب.
- كنا نتذاكر مع الأستاذ حسن البنا رحمة الله عليه في عام 46/47م لعقد مؤتمر إسلامي كبير، يوجه لتسديد وترشيد خطا العمل الإِسلامي، ويجمع العاملين ويشد أزر الدعوات الإِسلامية. وكان قد بدأ الاتصالات الجادة الرسمية مع الديوان الملكي في مصر لتهيئة هذا المؤتمر، ولكن الأحداث تسارعت، وقضى الله أن يختار حسن البنا شهيداً، فاغتيل حسن البنا في ظروف لها تاريخ معروف، ولكن الذي يدعو إلى التأمل والتدبر أن يتساءل الإِنسان: هل اغتيال حسن البنا قبل نكبة فلسطين الأولى، وهل شنق سيد قطب، محمد الفرغلي، وعبد القادر عودة وإخوانهم، قبل نكبة فلسطين الأخرى.. هل هذه الأحداث جاءت اتفاقاً؟ أم أنها بتدبير ماكر وغدر غادر؟.
- المهم فلما استشهد حسن البنا رحمة الله عليه، اتجه الرأي بعقد المؤتمر في باكستان، لأن باكستان كانت قريبة العهد بالاستقلال، وكانت تطغى عليها الهند بكثرتها العددية، وتتطلع باكستان إلى أن تشد أزرها بالأمة الإِسلامية. فكلفنا الأخ سعيد رمضان ذكره الله بالخير أن يذهب إلى كراتشي ليمهد السبيل. واستجابت باكستان مشكورة، وتقرر عقد المؤتمر، وذهبت أنا للمؤتمر من سورية مع الأستاذ الجليل أستاذ الجيل العالم الكبير العريق الأستاذ مصطفى الزرقا، مد الله في عمره، والأخ الأستاذ العالم الفلسطيني المجاهد الأستاذ محمد نمر الخطيب. ذهبنا إلى المؤتمر، وكان رئيس المؤتمر أحد كبار مجاهدي باكستان كان صنو محمد علي جناح، ويمكن أن يتفوق عليه، ولكن السياسة تقدمت بعلي جناح وأبرزته لاعتبارات لم تتوفر لبشير أحمد عثماني شيخ الإِسلام الذي كان في عتبات الـ 90 من عمره.
- فهيأ المجال لعقد المؤتمر ولما ذهبنا قبيل عقد المؤتمر كان هناك أخ كريم ودود وفي من أبناء هذا البلد الطيب، وهو الأخ فؤاد الخطيب ابن الشيخ عبد الحميد الخطيب سفير المملكة في باكستان إذ ذاك وقد سبقت له يد على الزبيري أنقذ فيها رقبته من الموت. فقد طالبت اليمن باكستان بتسليم الزبيري الذي كان متوارياً فأرسلت الحكومة الباكستانية بعض قوى الأمن وبحثت عنه واعتقلته لكي تسفره إلى اليمن، وفي الطريق قال لهم إن لي بعض الحوائج في السفارة السعودية أريد أن آخذها، فمروا به إلى السفارة، فطلب لقاء الأخ فؤاد الخطيب، فأخبره أن هؤلاء الذين يقتادونه يريدون أخذه وتسفيره إلى اليمن، وأن معنى ذلك القضاء عليه. فخرج فؤاد الخطيب وقابل رجال الأمن، وقال لهم: إن الأستاذ الزبيري لاجىء سياسي عندنا، قالوا له أتضع توقيعك على هذا الكلام، فقال لهم: نعم.. فوقَّع.
- ثم جاء والده رحمه الله.. فأخبره بما تم وهي إجراءات غير مرخص بها في الدبلوماسية قبل استئذان الحكومة. ولكن الخطيب وابنه بمروءة الإِسلام تجاوزوا تلك الإِجراءات، وبقي الأستاذ الزبيري في الباكستان فلما جئت إلى كراتشي لا أذكر كيف التقيت به أولاً، ولكن بواسطة الأخوين سيد رمضان وفؤاد الخطيب التقينا على كل حال، وكان يسكن في عشة دجاج، في بيت شاهق لتاجر بحريني اسمه محمد المرزوق أو محمد المرزوقي، وقد سلمه عشة الدجاج مجاناً ليسكن فيها وكانت حياته كما علمت من بعد في ذروة الشظف والزهد والإِباء. وهذه أشياء يجب أن تعرف وتسجل لأنها نماذج موجودة في حياتنا.
- كان يقتات بفضلات الخبز التي تفيض من الفنادق وتباع في أسواق خاصة لأجل أن يطعم بها الحمام أو الحيوانات. كان يذهب ويشتري منها ويغسلها وينظفها ويقتات بها. وإذا مر بجماعة من أصحابه في سفارة أو في مكان، وكانوا يتناولون الطعام يدعونه للطعام، فيعتذر ويقول لقد سبقتكم والحمد الله. وكان دائماً ناصعاً مشرقاً، كأنه كتلة من النور والنظافة والعطر، مع أنه ما عنده إلا ثوب واحد كان ينقطع في بيته بعض الوقت ليغسله، ويخرج للناس بهذا الزَّي الذي بمجرد النظر إليه يحبب كل اليمن إلى كل القلوب. ولما رأيته تعارفنا على الشعر والفكر، وكتب لي نماذج من شعره إذ ذاك على أوراق ما تزال محفوظة عندي.
خرجنا من السجن شُم الأنوف
كما تخرج الأُسد من غابها
نمر على شفرات السيوف
ونأتي المنيَّة من بابها
ونحتقر الحادثات الكبار
إذا اعترضتنا بأوصابها
ونأبى الحياة إذا دنّست
بعسف الطُغاة وإرهابها
ستعلم أمتنا أننا
ركبنا الخطُوب هُياماً بها
فإن نحن فزنا فيا طالما
تَذِل الصعاب لطُلاَّبها
وإن نلق حتفاً فقد قُدِّمتْ
كؤوس المنايا لِشُرَّابها
 
- ومن شعره الذي كان قد كتبه لي قوله:
أنا طيرٌ حطَّم المقدور عُشي وجناحي
ورماني في نثارٍ
من دُموعي ونُواحي
وحطامٍ من بقايا
وطنٍ غيرِ صحاح
ذهبت آهاتي السوداء أدراجَ الرّياح
فتطامنتُ على نفسي وأَلقيتُ سلاحي
لم أجد سمعاً فأفرغتُ أنيني في جراحي!!
 
- لم يكن في المؤتمر من يمثل اليمن، فاتصلت بإدارة المؤتمر، ورجوتهم أن يدعوا من يُمثل اليمن، قالوا لا يوجد.. قلت لهم: يوجد شخص كان وزيراً وأوصافه كذا وكذا وهو الأستاذ الزبيري. قالوا: كيف نصل إليه؟ قلت: عنوانه عندي، قالوا أين سننزله؟ لا يوجد عندنا أماكن؟ وفي تلك المرحلة ما كانت توجد هناك فنادق كافية في كراتشي سنة 1949م. فقلت لهم: تُنزلونه في البيت عندنا، قالوا: ليس هناك غرفة إضافية، قلت: في نفس غرفتي.. أما عندكم سرير إضافي؟.
- وهكذا جلبوا له سريراً وأقام في غرفتنا، وانتقل من عشة الدجاج إلى غرفة رئيس وزراء السند. وأقسم لي بأن نفسه ما تغيرت بين الموقعين ولا بمقدار ذرة.
- قال لي: أنا أنام، أغمض عيني وأنا أدعو الله سبحانه وتعالى أن يتجلى عليَّ برضاه، وأن يستخدمني لخدمة بلدي وخدمة أمتي وديني ولا أهتم بالمكان الذي آوي إليه.
- هذا هو الأستاذ الزبيري وله في حياته وجهاده صفحات، والأحاديث عنه طويلة، لو أردت أن أستمر فيها لما انتهيت، لكنني أذكر له مواقف عديدة وأذكر بيننا مساجلات في مناسبات مختلفة منها: تعرضت لحادثة اصطدام مميتة في ليلة عيدٍ في باكستان، ونقلت إلى المستشفى في حالة غيبوبة خطيرة. وكان يلازمني دائماً، وكانت الممرضات يسمينه "الحارس ذا اللحية الجميلة".
- وكانت بيني وبينه مباسطات ومداعبات شعرية فبعد أن تماثلت للشفاء كنت أرسل له السيارة ليأتي إليَّ، وكان يحضر معنا يومياً الأستاذ عبد الوهاب عزام رحمة الله عليه. ولكن الزبيري كان مقيماً عندي من الصباح إلى المساء، فأرسلت له السيارة فأعادها مع ورقة اعتذار لعدم تمكنه من الحضور وأنه مضطر للبقاء في البيت، وسيأتي بعد ذلك. فكتبت له على ظهر الورقة مرتجلاً:
غيابك عنّي نذير الخطر
وقُربكَ منّي وُقاء الضررْ
وذقنك يا صاح تعويذةٌ
تفرّق عنّي ذواتِ الحَوَرْ
فإنّك تعلم إقبالهنّ عليَّ بلا حيطةٍ أو حذرْ
فإن شحنني مفرداً في السرير
أخاف وحقك هتك السُررْ
فكيف الحياة وكيف النجاةُ
بجوّ من المغريات استعرْ
ووالله لولا التُّقَى ما صبرت
ومثليَ رغمَ التُّقَى ما صبرْ
صراع لعمرك يفري الحديدَ
وما كان يَفْريه إلاّ عُمَرْ
 
- جاءني بعد ذلك صباح اليوم الثاني فقلت: أين جوابك؛ قال: أما الجواب ما كتبت شيئاً، قلت له: لا بد من جواب شعري. وفي اليوم الثالث جاءني بهذه الأبيات:
أعيذكَ من سَطَوات النظرْ
ومن غَمَزات ذواتِ الحَوَرْ
وأترك ذقنيَ وقفاً لديك
تُداوي الهوى وتذودُ الخَطَرْ
رسالةُ وجهٍ تبثُّ الظلام
لأصل الغَرَامِ وترضي العِبَرْ
تحملتُ منها الشقاء العضال
وقاسيت منها البَلاء الأَمرْ
وعاش بها الوجه في سدفةٍ
من الليل ليس لها من بُكَر
إذا رُمتُ تقبيل خَدٍ طفت
على الخدِّ منها مئاتُ الإِبَرْ
يُخَيَّلُ للحبِّ أن الذي
يقبلُهُ قُنْفُذٌ لا بَشَرْ!
فيا بُؤْسَ وجهيَ في دوحةٍ
من الشوك ليس لها من ثَمَرْ
حَمِدتُ لها أنها طاردتْ
بوجهيَ عن عُمرٍ كلّ شَرّ...
- إلى آخره.
- وأرسل لي بعد ذلك قصيدة أخرى يقول فيها:
ألا في سبيل المجد ما أنا خاطب
عُبوسٌ وتقطيبُ وذَقْنٌ وشاربُ
تنام على وجهي إذا أنا نائمٌ
وتشرب من كأْس إذا أنا شاربُ
وتدخل مستشفى الأحبة إن أنا
دخلتُ.. تؤذيني به وتراقبُ
تُباعدُ عني أيّ صيد أُريتُهُ
وتُفزع مني أيِّ ظَبي أُداعبُ
فأبدو مع السُّمار في سهراتهم
غريباً كأنِّي في الكنيسة راهبُ
وأحيا كفئران المساجد لا أنا
مُصلٍّ ولا في مطبخٍ أنا ساربُ
- والعهد بيني وبين الأستاذ الزبيري عهد طويل، وذكريات ومواقف تستوعب كتاباً كاملاً، لو طبع لكان من (300) صفحة، وفيه شعر له لا يوجد عند سواي. أسأل الله أن يوفقني لإِخراجه قريباً بعون الله.
(( مداخلة الأستاذ محمد حسين زيدان ))
هنا يتدخل الأستاذ محمد حسين زيدان بقوله:
- لا ننكر على الشامي أن يتغزل باليمني، فبينهما مودة تاريخية، اسمعوا هذين البيتين المشهورين وهما:
أيها المنكح الثريا سهيلاً
عَمْرَكَ الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يمان
 
بعد ذلك يواصل الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري حديثه فيقول:
- جزى الله الأخ الكريم الأستاذ النعمان الذي كان حديثه للأخ علي فدعق سبباً جرنا للحديث عن الشاعر محمد الزبيري رحمه الله. والزبيري أبو اليمنيين الأحرار، وقد أسس حزب الله وقاد الحركة اليمنية مع صفوة من قادة اليمن، وهو اليوم الرمز الوطني لليمن، الرمز الوطني الكبير الشامخ. وكان قد استقال لما انحرفت الحركات اليمنية التحررية عن مبادئها التي كانوا يؤملون بها خيراً، وفي ذلك نظم الزبيري قصيدته السينية التي يقول في مطلعها:
هذا هو السيف والميدان والفرس
واليوم من أمسه الرّجعيّ ينبجس
يلفقون قوانين العبيد لنا
ونحن شعب أبيٌّ ماردٌ شرس
ليت الصواريخ أعطتهم تجاربها
فإنها درست أضعاف ما درسوا
 
- وقد اغتاله بعض المستأجرين من [اليمنيين]، الملكيين، ومن الثوريين الجمهوريين اليمنيين وقد مضوا وبقي الزبيري في جوار ربه خالداً إن شاء الله في الشهداء المنعمين، رحمه الله وأكرم مثواه.
- هذه نقلة يمنية ساقتها لنا الأقدار وأظن بأنها تستحق أن تأخذ بعض وقتكم، لأن الزبيري شاعر كبير وإنسان كبير وجدير، مجاهد عظيم، انتهى شخصياً، وقد كان إنساناً مثالياً في أخلاقه وفي صفاته، رحمه الله سبحانه وتعالى رحمة واسعة.
- لقد أطلت الكلام، وبودي أن أسأل الأخ المذيع الكريم ما هو المطلوب مني في هذا المقام.. أنا قد بسطت لكم حقيقة نفسي.. أنا لا أنفي أنني أحب الشعر وأنني أقوله، ولكن في المجلس شعراء عمالقة شامخين أفذاذاً، مثل أستاذي في الكيمياء الأستاذ عمر أبي ريشة، وكثير من الأساتذة الأعلام الذين يتغنون بالشعر وينظمون الشعر، ففي مثل هذا المجال من زيادة تكريمي أن أستمع أنا إليهم، وأن أرجوهم بأن يُتحفونا ويكرموا زوار الأخ الشيخ عبد المقصود بما لديهم. أما ما عندي أنا قد لا يستحق أن أشغلكم به، وأنا على كل حال إذا كان يطلب مني أي شيء فأنا رهن الإِشارة.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2751  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 133
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.