شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صهر أم قهر
ـ وكأن ما كتب على العرب وعن العرب ما يحزن، أفهي عملية صهر تنصهر بها النفوس فترجع الأرواح إلى إيمانها؟ أم هي عملية قهر لا تتأثر بها النفوس فكلما قهرها أمر حزنت وما انتهرت.
إن القهر والمأساة والهزيمة قد ترحب الشعوب بكل ذلك إذا ما أحدث كل ذلك اليقظة فعملت لأن تقهر القهر، وقد مرت بالشعوب العربية قبل الإسلام وبالإسلام حضارات ازدهت وانتصارات كبرى حتى إذا سطع نور الإِسلام كان العرب يمرون بمرحلة القهر، ولكنه كان إرهاصاً ليجد الإِسلام أمة قهرت حين تشتت وحين أصبحت حائرة تعبد الوثن ويرى كل قبيل منها أنه إله نفسه. فعبادة الوثن لم تكن قاصرة على تأليه الوثن فحسب بل كان عابد الوثن يؤله نفسه. يحسب أن في ذلك الاستقلال، بينما هو الإذلال!
وانتشر الإسلام بين العرب، بعضهم دخل الإِيمان قلبه من أول وهلة وبعضهم تأصل الإيمان في قلبه حين ابتهلت نفسه لله وحده. فالوضع إذن ما أراد العرب أن يقهروا القهر ألا يكون القاهر إلا لله، تعمر بالإيمان نفوسهم وتعمر بالجهاد سيوفهم ((ويا خيل الله اركبي)).
العربي اليوم انفرادي ينفرد بنفسه، وانفرادي ينفرد في إقليمه، كل فرد يحمد نجاته كل قبيل يخضع لسلطانه، فلا سبيل لقهر القهر إلا أن تعود الأمة إلى قول مالك بن أنس ((لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها)).
إن الانفرادية والإِقليمية شعوبية تحدث الحرب الأهلية الصامتة، كأنما كل ذلك السلاح القاهر في يد أعدائهم. إنهم عدد بلا مدد، لم يأكلهم عدوهم إلا حين أكلوا هم أنفسهم.
إن الحريق في فلسطين والدماء في لبنان والصمود الذي أصبح جموداً والتصدي الذي أصبح ترد قد أعطى اليهود السلاح. لو كان لي رأي لقلت اتركوا الحملة الكلامية على كل أعدائكم، لا تقولوا: أمريكا أو روسيا أو أوروبا أو اليهود، وإنما قولوا على أنفسكم القول الذي يصف ما أنتم فيه، فحينما تحاربون قهركم لأنفسكم تستطيعون أن تقهروا عدوكم.
إن الصراخ من الأعداء قنبلة غير مباشرة تحدث حريقاً في أرضكم وعلى أجسادكم فيتشفى عدوكم بما أنتم عليه من هذا الصراخ، فلو أمسك أحد البطاشين منا الكرباج وضرب ضعيفاً فإن صراخ الضعيف يشفي غليله لكني رغم كل ذلك متفائل:
لم نعد بما لقينا نبالي
بسهام رمي العدا أم نبال
ما قالها المستسلم الخانع، وإنما قالها من يريد أن يتلقى النبال ليكيل نبالاً من قوسه إلى صدر عدوه، ورضي الله عن فارس اليمن عمرو بن معد يكرب الزبيدي حين قال:
ولو أن قومي أنطقتني رماحهم
نطقت.. ولكن الرماح أجرت
 
طباعة

تعليق

 القراءات :721  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 335 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.