شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحرب بين الرأي والرؤية
ـ الفكرة رأي يطرحه فيلسوف أو مفكر أو حتى رجل عادي، والمؤرخ لا يطرح من عند نفسه شيئاً يستوحيه من فكرة وإنما الرؤية للأحداث والوقائع واستكمال الاستقراء لما سبق والقراءة لما هو حاضر والتكهن بما هو مستقبل.
إن هذه المقدمة تحتاج إلى شرح لا أزعم أني كفيل بإيفاء حقها من الإيضاح، لكن الرؤية لما هو واقع تتسع لأكثر من توضيح، فالفكرة التي أعلنها الفيلسوف البريطاني ((برتراند راسل)) قبل سنوات مضت لعلّ الموت قد انتزعها كما انتزعه فإنه يقول: ((لن تقوم حرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي))، ويعلّل ذلك بأن الخلاف بين الدولتين العظميين، إمبراطورية الكرملين وإمبراطورية البيت الأبيض، ما هو إلا خلاف على المصالح، وفي الإمكان التفاوض ووضع التسويات لأن ذلك لا يؤدي إلى الحرب بينهما. أما إمبراطورية الصين وإمبراطورية الاتحاد السوفياتي فالحرب بينهما قائمة وستشتعل لأن المعركة بينهما معركة عقائدية أيديولوجية، فالصراع بين المبادئ والعقائد والأيديولوجيات يسبب الحرب بينهما.
ذلك رأيه ولكن الرؤية اليوم للواقع قد قلبت هذه الفكرة لأن ماو تسي تونغ قد انتهى، وحرفية الماركسية في كلتا الدولتين قد بدأت تبعد بكثير من التغييرات، حتى إن التحرك الصيني والسوفياتي الآن أصبح كل منهما يود التقارب من الآخر، واستحال الخلاف بين المبادئ إلى خلاف على المصالح. فغزو الأفغان ليس من مصلحة الصين، والوجود السوفياتي في فيتنام وما إليها ليس في صالح الصين، والخلاف على الحدود في الشمال ضرب من المصالح يمكن التفاوض لحلها كلها كما يقول راسل. فالفكرة إذن هي أنه لا حرب من أجل المصالح بين هذه الدول الكبرى.
لكن الرؤية تقول إنه لا مناص من الحرب ولن تكون من أجل المصالح ولن تكون من أجل المبادئ، وإنما هي أن القوة داخل هذه الأمبراطوريات هي التي تصنع الحرب سواء داخل الأمبراطورية أو خارجه. إن ترسانة ((البنتاغون)) ومخازن موسكو وبكين والجنود تحت السلاح قوة لا بد أن تفتح الطريق إلى الحرب، فالأباطرة قد لا يريدون الحرب ولا يسعون إليها وحتى الجنرالات لا يسعون إلى الحرب وإنما السلاح والجندي هو الذي يتفجر بالحرب على نفسه إن لم يفجرها على الآخرين.
لقد ضاقت الشعوب بالتسلح، أهلك مواردها، ففي الولايات المتحدة مثلاً بدت صناعة الأسلحة وتطويرها تصنع للشعب مجاعته على صورة من الخوف وصورة من الأزمات الاقتصادية. وفي الاتحاد السوفياتي شعب أعطوه الوعود بأن يكون أغنى الشعوب بالرغيف فإذا هو لا يريد الرغيف وحده الآن وإنما يريد أرغفة من نوع جديد، حتى إذا استقبل السائحين أخذ هذه الأرغفة الجديدة أنواعاً من اللباس والسجائر، فأما أن يدفع الروبلات وأما أن يعفي من دفع القيمة لما استشرت نفسه عليه، يريد شراءه فيريد بعض السياح إعطاءه ذلك، لأن هذا العطاء إشعار للشعب الروسي بحاجته الملحة إلى هذه الأرغفة الجديدة.
فكل هذه الصواريخ تنصب في أوروبا إنما هي موجهة للأمريكي قبل أن توجه إلى الاتحاد السوفياتي، لا كسلاح نار وإنما هي ومضات من نور جديد يشرق على شعب الولايات المتحدة يقول لماذا مئات الآلاف من الصواريخ بينما مئات الأطنان من القمح تحجزها الإدارة كوسيلة من وسائل الحرب الاقتصادية لا نأكلها أرغفة وإنما تأكلها النار أو الأسماك. حتى إن بعضهم فكر أن يصنع منها الكحول، إنها لغريبة في بلد كأمريكا كان بالأمس يحرم الخمر فأصبح يحيل غذاء الشعوب إلى كحول!
أليس ذلك حرب القوة ضد نفسها؟!
أما الاتحاد السوفياتي فيمنعه كبرياء القادة أن يطور العلاقة، ولكنه حين يستريح مع الصين سيستريح فعلاً مع أوروبا بطريقة أو بأخرى هو يبدؤها وأوروبا تقول له: ((أهلاً وسهلاً))!
أنا لا أنفي الحرب عمداً أو خطأ ولكني أؤكد أن القوة داخل هذه الإمبراطوريات هي حرب على مالكها قبل أن تكون حرباً على الآخرين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :673  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 289 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.