شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الزعيم المقدس!
ـ الكاتب حين يكربه الواقع.. تتكالب عليه الأرزاء، من أحداث هو صانعها لنفسه، ويتهم غيره بأنه هو يصنعها عليه.. فإذا ما اشتد به ذلك الكرب يضطر إلى التعبير بوحاً، أو نوحاً.. كأنما هو ينكر الباطل بلسانه، وذلك أضعف الإِيمان. غير أنه لا يجد التعبير عن واقعه.. يستمده من الفعل، فلا يغرق في الانفعال.. حين ذاك يلجأ إلى الماضي، يجتر موضوعاً عن الزعيم المقدس.. أوضح فيه كيف كان القديس رجل كهنوت كنسي، أو كهنوت طرقي، أو مشعوذ يسترزق بالشعوذة، ويحتمي باسم القداسة، وبسلطان القوة التي استعمرت أرضه، استقطبت شعبه ليعيش سيداً، ومن بعده الطوفان!
والكاتب في الماضي الذي سلط الضوء على ما تفعله الزعامة المقدسة من عون للاستعمار، هو الدكتور ((محمد حسين هيكل)) فقد كتب مقالاً في المجلة ((السياسية)) الأسبوعية في أواسط الثلاثينات، يرد على ((مكرم عبيد)) الذي أطلق على زعيم الوفد ((مصطفى النحاس)) لقب الزعيم المقدس!
إن الدكتور ((هيكل)) لا يتنكر للنحاس ولو كان خصيماً له، وإنما هو شدد النكير على اللقب الذي كان كهنوتياً فأصبح سياسياً، وبرهن على ما يسيء به هذا التقديس، وما قد أساء به من قبل.. حيث إن الإنجليز في مصر وجدوا العون من الكهنوت الطرقي، ومن إليه، وما إليه، كما كان الأمر في السودان كذلك. فالكهنوت الطرقي في السودان، كان المدلل من الاستعمار الإنجليزي، لأنه كان المذلل لكل عقبة تواجه الاستعمار.
واستحالت زعامة الكهنوت - كنسياً وطرقياً - إلى ادعاء القداسة.. يلبسها زعماء الواقع الآن!
فليست الفرقة بين الشعوب العربية، أو كما قلنا من قبل الحرب الأهلية غير المعلنة بين الشعوب العربية، من رغبة هذه الشعوب أو من صنعها.. وإنما هي من الزعامة التي لبست القداسة، فكراً سياسياً، أو تمذهباً.. إلى غير ما هنالك!
إن واقع العرب اليوم ما تفرق وما تناحر إلا بدعوى القداسة السياسية.. لا رأي لشعب، وإنما هو الفعل من الزعيم المقدس.
إن هذه الجريرة أصبحت جريمة.. وشر الجرائم أن تفرض باسم القديس!
فهل تجد زعيماً في العالم العربي إلا وهو محوط بهالة من القداسة.. لا تقام له الطقوس في المساجد أو المعابد.. وإنما سكون الشعب، أو استكانته هي الطقوس.. كأنما العربي مفروض عليه أن يجني انحناءة الياباني!
فالياباني ينحني احتراماً.. أما العربي اليوم، فينحني خوفاً من غضب الزعيم المقدس!
وهل حرب العراق وإيران تستمر سنوات.. إلا بواعز من التقديس للزعيم، يقول: لا، لدعوى السلام، ويرضخ الشعب الإِيراني للحرب طاعة للزعيم المقدس؟!
إن هذا الزعيم يحتمي بأنه يحمل بطاقة مرور إلى الجنة سلاماً بسلام.. فليس لديه ما يرده عن وضع الشعب الإيراني يميناً مغرقاً في دعوى اليمين، ليصبح بعد في حوزة اليسار المتطرف.. فاليسار المتطرف كثيراً ما انتصر بهذا الغرور، يدعي اليمين أنه لا يغلب!
إن الحرب الإيرانية - العراقية.. هي المطلب المتاح لإمبراطورية الكرملين أولاً، ولإمبراطورية البيت الأبيض ثانياً.. فموسكو تنتظر سقوط التفاحة بين يدي اليسار المتطرف، ينتصر داخل إيران، أو يأتيه النصر من الشمال عبر تركستان، ومن الشرق عبر الأفغان!
فلو فكر الزعيم المقدس بروية، لوجد أن شعبه سيكون التفاحة التي تسقط في حجر السوفيات!
وإذا ما تم ذلك.. فإن إمبراطورية البيت الأبيض ستجد المنفذ لتستحوذ بكل النفوذ على العرب غرب إيران.. كأنما الإمبراطوريتان أصبح من صالحهما هزيمة الشعبين.. لا في ساحة الحرب، وإنما بتفريغ الأرض من الكثير من سكانها، وبدمار الشعبين.. فلا شك أن كل كسب لأحدهما، من الحرب الإيرانية - العراقية أو من غيرها.. يتبعه كسب للإمبراطورية الأخرى.. كأنما هو الوفاق دون اتفاق.
ولقد قلت مرة لصحافي مصري: أو تظن أن نفوذ الاتحاد السوفياتي في إقليم إفريقي قريباً منكم يغيظ الولايات المتحدة؟!
ـ فقال: نعم!
ـ قلت: لا.. إنها ترتاح إلى ذلك، لأنه قد وضعكم في دائرة الصداقة الأمريكية!
إن الزعيم المقدس - وهو في عنفوان زعامته - لا يلبث بعد سقوط هذه الزعامة، إلا وأن يدنس.. لأن الشعب سيستفيق من الإرهاق، فيبدأ حين ذلك بالتدنيس، ولكنه لن يجد نفسه إلا في موضع التقديس لزعيم جديد.
ولكن ((النحاس)) قد برئ من تدنيس الشعب، لأن لقب ((القداسة)) كان كلمة على ورق، لم يحترفها ((النحاس)).. ولكن ((مكرم عبيد)) الذي قدس النحاس يوم كان هو كل الوفد، فقد انقلب بعد، ودنس النحاس!
ذلك من عهر السياسة.. سواء كان من عمل الزعيم المقدس، أو من محترفي التقديس!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :597  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 279 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثالث - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج