شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فتح باب الحوار
ثم أعلن الأستاذ حسين نجار عن فتح باب الحوار بين الحضور والشاعر عبد الوهاب البياتي، فكان الأستاذ عايد خزندار أول السائلين حيث قال:
- اسمحوا لي أن أتكلم بلغة عادية، فأنا لست خطيباً. والواقع إنني أود أن أناقش فكرة طرحها الأستاذ البياتي مساء الأمس. هذه الفكرة هي فكرة الموت في الحياة، وقد لاحظت أن هناك توارد خواطر بين الأستاذ البياتي والشاعر ت. س. اليوت، فالشاعر اليوت يكرر هذه الفكرة في أكثر قصائده، فله قصيدة يقول فيها - واسمحوا لي أن أقول النص بالإِنجليزية أولاً - يقول:
Death or life
Life or death
Death is life
And life is death
 
الموت أو الحياة
الحياة أو الموت
الموت هو الحياة
والحياة هي الموت
- كذلك في قصيدة أرض اليباب، يصف العمال وهم يعبرون جسر لندن في طريقهم إلى المصانع فيقول:
I have never thought that death has undone so many
لم أكن أحسب أن الموت حصد كل هؤلاء.
- فالفكرة عنده أن الناس في هذا العالم أموات، وهذه الفكرة يكررها في قصيدة (The Hollow Men) الرجال الجوف.
- في هذه القصيدة يقول: إن هناك مملكتين:
Death dreams kingdom
عالم الموت الشبحي، و:
Death upper kingdom
- وعالم الموت الشبحي بالنسبة له هو الحياة والعالم الآخر هو العالم الحقيقي. فهو يصف الرجال الجوف بأنهم:
Shape without form
Shape without colour
Paralysed force
Gesture without motion
 
هيئة بدون شكل
طيف بدون لون
قوة مشلولة
حركة بدون إشارة
- وهو يستعمل في هذه القصيدة بالذات العيون كميتافوز أو كمجاز لوصف العالم الحالي والعالم الآخر، فهو يتكلم عن العالم الحالي بأنهم أموات فيقول:
They have no eyes here
- ويتكلم عن الناس في العالم الآخر:
Those who crossed with eyes to death's other kingdom
أولئك الذين عبروا بعيون مجابهة إلى العالم الآخر.
- ثم يصف الموت في الحياة فيقول فيها:
In the vally of fading stars
في وادي الشهب الآفلة.
- ثم يصف الأحياء فيقول:
We brought together avoiding speech
and death beach of the traed river
 
إننا نتحسس طريقنا في العمق
ونتجنب الكلام، لأن الكلام موقف
في هذا الشاطئ من النهر المنتفخ
- طبعاً هنا يشير إلى نهر في صورة ذهنية يفصل بين عالم الموتى وعالم الأحياء.
- فهذا كله يقودني إلى أن أسأل شاعرنا: إلى أي مدى تأثر باليوت؟ وشكراً.
فيجيب الشاعر عبد الوهاب البياتي على سؤال الأستاذ عابد خزندار بقوله:
- الشيء المهم الذي يحتاج إلى توضيح أنني كتبت منذ سنوات حول هذا الموضوع في بعض المجلات العربية، فقلت: إن اليوت نفسه قد تأثر بالمعتقدات والأساطير الشرقية كثيراً.. وطبعاً الأستاذ لم يُثر هذه القضية، ولكني كتبت أرد على بعض الأساتذة العرب الذين درسوا في جامعات في الولايات المتحدة وفي بريطانيا بالذات.. إنهم عادوا من هذه البلدان ولا حديث لهم إلاَّ عن ت. س. اليوت وعن تأثيره في الشعر العربي الحديث، مع العلم أن الشعر العربي له أصول وجذور عميقة في التاريخ. لعل أمر الشعر العربي يمتد إلى ألفي سنة، فليست المعلقات وحدها هي بداية تاريخ الشعر العربي لأن المعلقات كانت ناضجة نضوجاً كبيراً، مما يدل على أن بداية الشعر العربي قد سبقت المعلقات بمئات السنين.
- فكرة الموت عند الشرقيين والعرب بالذات وعند المسلمين وعند الشعوب الشرقية فكرة موجودة، وأنا أعتقد أن ت. س. اليوت قد تأثر بمصادر الفلسفة الصينية والهندية ليس بطريق مباشر وإنما بطريق غير مباشر عبر تأثر الشعوب الأخرى بها.
- فكرة الموت إذاً قد تناولها جميع الشعراء حتى طرفة بن العبد وامرؤ القيس.. وبعد ذلك معظم الشعراء، ولكن كل شاعر كان يتناولها من ناحية حالة الأمة والمجتمع أو القبيلة في عصره.
- ت. س. اليوت في هذه القصيدة التي أشار إليها الأستاذ الفاضل يعبر عن موت الحضارة الغربية، عن موت الإِبداع، عن موت القدرة على التحدي.. وعلى التحديات التي بدأت تواجهها الحضارة الأوروبية منذ أن بدأت تفقد مستعمراتها. أوروبا بلغت القمة في الازدهار ثقافياً وعسكرياً واقتصادياً عندما امتلكت وسكنت قارات العالم واحتلتها، ولكن نضال الشعوب في مختلف القارات الذي بدأ يسقط هذه الإمبراطوريات فبدأ هذا الهلع يدب ليس عند أصحاب البنوك والصيارفة والمؤسسات العسكرية بل بدأ بطريقة غير مباشرة يظهر في كتابات الكتاب والأدباء أيضاً. يعني هذا يقودنا إلى الإِنسانية المزعومة عند بعض الكُتَّاب الأوروبيين، مثلاَ.. إنهم إنسانيون عندما يمتلكون وإنهم يتأسفون لموت إنسان واحد، ولكن في شعوب القارات الأخرى عندما يموت مئات الآلاف من الناس لا يحتجون ولا يتكلمون ولا يقولون شيئاً. وكاتب كبير ومفكر وفيلسوف مثل جان بول سارتر - على سبيل المثال - إنه أيَّد إسرائيل الدولة المزعومة المصطنعة التي تمثل استعماراً عسكرياً واستيطاناً عسكرياً في قلب الوطن العربي. وقف ضد مصالح الشعب الفلسطيني - مثلاً على سبيل المثال لا الحصر - وأنا لا أدري أين ذهب الالتزام؟ أين ذهبت الإِنسانية بالنسبة لهذا الكاتب؟ كيف نفرق بين الحق.. هل هناك حق أبيض وحق أسود، هذا هو السؤال؟
- يعني ت. س. اليوت شاعر عظيم لا شك في ذلك.. ويمثل بداية انحدار الحضارة الأوروبية، حيث بدأت المشاكل، الإضرابات انهيار الاقتصاد. وهذه علامات قد ظهرت بشكل إرهاص وبشكل جنيني. ولكن السنوات المئة القادمة تدلنا من خلال الاستقراء - وليس النبوءة أو التنبؤ - أنَّ الحضارة الأوروبية سائرة إلى الفناء، وما التقدم التكنولوجي وحرب النجوم وتقدم الأسلحة الذرية إلاَّ علامة من علامات قيام ساعة الحضارة الأوروبية.
- ت. س. اليوت عبر بعمق تماماً عن هذه الأزمة بأعمال فنية، مثل: القصيدة التي أشار إليها الأستاذ الفاضل "الرجال الجوف" و "الأرض الخراب" وسواهما من القصائد الأخرى، وعبر عن فكرة موت الحضارة كما قلت.
- بالنسبة للشاعر العربي، الأمة العربية ليست هي أوروبا.. أمة تبعث من جديد، تحاول أن تنهض من سباتها، تحاول أن تواجه التحديات التي واجهتها.. ولكن مع الأسف إن هذه الأمة ووجهت بقوى كبرى لا قِبَلَ لنا بمواجهتها، نظراً للتفاوت الكبير الاقتصادي والتكنولوجي..الخ. فأصيبت هذه الأمة بهزائم، مما أدى إلى أن يدب اليأس والذعر في كثير من أبنائها حتى أصيبوا بالشلل.. فأنا مثلاً وشعراء آخرون مثل السياب وخليل حاوي عَبَّروا عن هذه الأزمة بأشكال مختلفة، وهي أنني كما قلت بالأمس في المحاضرة: إن دبيب الحياة في جسد الأمة يتم عندما يكون هناك إبداع. وقدرة على مواجهة التحديات، أو الاستجابة للتحديات أياً كان هذا الإِبداع تاريخياً أو فنياً.. ولكن أمة تفقد في حالة من حالاتها - ليس إلى الأبد ولكن في مرحلة من تاريخها - القدرة على الإِبداع الفني والتاريخي فإنها أشبه بأنها ميتة. ليست الحياة المشي على اثنين أو أربع، وليست هي الطعام أو النوم أو المشي أو الضحك أو الكلام، بل الحياة تعني كما قلت الإِبداع الفني والإبداع التاريخي.
 
- هذه الأزمة التي مرت بالعالم العربي منذ قيام هذا الكيان الدخيل في قلب العالم العربي وتسلط بعض الأنظمة في العالم العربي مما أدى إلى شلل المجتمع العربي، حتى أنه أصيب بمثل حالة الموت في الحياة. ولكن هذه الحالة بالنسبة لي - على الأقل أنني أستطيع أن أتكلم عن شعري - إنها ليست حالة مزمنة ليست حالة سرمدية أو حالة أبدية، إنما هي حالة من حالات الأمة في مرحلة تاريخية معينة. الأمة العظيمة القادرة على النهوض من جديد تستطيع أن تواجه وأن تجابه حالة الموت هذه فتنهض من جديد.
 
- إذن هناك فرق بين تناول اليوت في قصائده لفكرة الموت في الحياة وبين بعض الشعراء العرب.. وحتى المتنبي مثلاً نجد في أبيات، - لا أقول في قصائد كاملة - أنه أشار إلى مثل هذه الحالات. نحن نعلم أن المتنبي ظهر كشاعر عظيم في القرن الرابع الهجري، في حالة نكوص الأمة العربية في حالة تدهور العرب وغزو الأجانب لها، أي إنه عبقرية فردية عظيمة ظهرت في حالة موت الأمة.. أي الولادة في الضريح كما سميتها أنا في إحدى قصائدي، أي أن المتنبي يشبه يتيماً ولد في ضريح، أمة كانت تتجزأ وكان الغزاة يعتورونها من كل جانب.. ولكنه كان عبقرية عظيمة، وما حياة المتنبي المضطربة إلاَّ تعبير عن هذه الحالة. ولا نجد عندما يتحدث عن الممالك التي كان يجوب أطرافها ذهاباً وإياباً إلاَّ تعبيراً عن حالة الموت في الحياة أيضاً، ولكنه لم يطلق هذه التسمية نظراً لأن القاموس الشعري في عصره كان يختلف عن القاموس الشعري في القرن العشرين.
 
- عفواً هذا بإيجاز توضيح لهذه الفكرة، ويمكن أن نترك المجال لأسئلة أخرى؛ وشكراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :639  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 40 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.