شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحَلْقَةُ الخَامِسَةُ والخَمْسُونَ
جلس الفتى أمام أستاذه الشيخ وفي جعبته كثير من الأسئلة.. قال لأستاذه هل تأذن لي بإلقاء أسئلتي قبل البدء في شرح الدرس الجديد أيها الشيخ؟
أجاب الشيخ والابتسامة تعلو محياه أجل أجل يا بني هات أسئلتك فإني أذن صاغية لك.
قال الفتى: اختلفت وأحد زملائي في صحة إعراب ـ ما ـ في الآية الكريمة لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (المائدة: 79) فقلت له إن ـ ما ـ هنا اسم موصول بمعنى الذي. في موضع رفع.. وقال زميلي بل ـ ما ـ هنا نكرة في محل نصب تمييز تقديره لبئس شيئاً الذي كانوا يفعلون.. فما هو رأي أستاذي الشيخ أطال الله في عمره؟
علت وجه الشيخ ابتسامة مريحة فقال لفتاه كلاكما على حق.
وقد قال بهما ابن الأنباري في البيان.. تهلل وجه الفتى فرحاً وغبطة لما سمع من أستاذه الشيخ.. ثم سأل سؤاله الثاني قائلاً: قرأت بيتاً من الشعر، منع فيه الشاعر اسماً من الصرف مع أنه مصروف.. في قوله:
طلب الأزارق بالكتائب إذ هوتْ
بِشيبَ غائلةُ النفوسِ قَدور
فكيف جاءت ـ لفظة شيب، ممنوعة من الصرف؟
لاحظ الشيخ من سؤال تلميذه أنه دائم الاطلاع شفيف النظرة.. فقال.. منع هنا للضرورة الشعرية أما أصل اللفظة فمعروف بلا شك.. ثم لا تنس يا بني أنه يجوز للشاعر ما لا يجوز للناثر، فكم مرة منعوا المصروف وصرفوا الممنوع.. استجابة للوزن وحسن الإيقاع.
قال الفتى عفواً تقول يصرفون الممنوع من الصرف أيها الشيخ!
قال الشيخ نعم وقد جاء ذلك كثيراً في أشعار العرب القدامى والمحدثين.. فمن القديم قول الشاعر:
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ
فقالت لك الويلات إنك مرجلي
إذ صرف الشاعر اسم ((عنيزةٍ)) مع أنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وكان ذلك مجاراة للوزن..
ومن المحدثين ـ قال شوقي:
وأنا المحتفي بتاريخ مصرٍ
من يصنْ مجدَ قومه صانَ عِرْضا
إذ صرف اسم ((مصر)) مع أنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث أيضاً، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا، سأل الشيخ فتاه هل بقي عندك من الأسئلة شيء يا بني؟
قال الفتى شكراً فقد طرحت ما عندي من الأسئلة وسعدت بإجابات أستاذي الشيخ عليها.. فعلى بركة الله نبدأ درسنا الجديد..
قال الشيخ هذا كلام جميل يا بني، أما درسنا اليوم فهو أقرب إلى البلاغة منه إلى النحو، وهو ((التقديم والتأخير)) إذ يكون أصلاً لأمرين اثنين هما، غرض بلاغي، نحو قوله تعالى خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (الحاقة: 30 ـ 31) حيث قدم المفعول به ـ الجحيم على الفعل والفاعل. وهو ـ صلوه.. وذلك مراعاة للفاصلة وحفظاً على سلامة الترنيم الصوتي للكلمة في الآية الكريمة.
ومنه قوله تعالى وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدثر: 4 ـ 5) إذ قدم المفعول به ـ ثيابك ـ على الفعل والفاعل ((فطهر)) .
وكذلك قدم المفعول به الرجز ـ على الفعل والفاعل في قوله ـ فاهجر ـ وهذا أيضاً مراعاة لبلاغة الأسلوب، وشفافية إيقاعه على النفس، وقد يأتي التقديم لغرض حصر المقدم وانفراده، نحو قوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة : 5) فضمير الفصل ـ إياك ـ مفعول به مقدم على الفعل وفاعله ـ في ـ نعبد، وذلك لحصر العبادة لله وحده، دون سواه، أما الوجه الآخر في التقديم فهو ما كان لغرض تركيب الجملة، وهذا يتبع قواعد اللغة، ويأتي في مواضع كثيرة أحسبنا مررنا بها سابقاً في واجب تقديم المبتدأ على الخبر أو الخبر على المبتدأ وجوازه.
أما درسنا الآخر هذا المساء فهو ـ باب التنازع ـ رفع الفتى إصبعه مشيراً بسؤال عاجل لاحظ الشيخ إصبع الفتى مرفوعة، فأذن له بطرح سؤاله، قال الفتى حبذا لو أفضل علي أستاذي الشيخ بتعريف مفصل عن كلمة تنازع.. ابتسم الشيخ ابتسامة عريضة.. وقال: سأفعل ذلك قبل بدء الدرس ولكنك عاجلتني بسؤالك هذا.. التنازع هو أن يتوجه عاملان متقدمان أو أكثر إلى مفعول واحد متأخر عنهما، أو عنهم نحو قولك، وقف وتكلم الخطيب، أو تابعت وشاهدت المتفوق في دراسته.
فلك أن تعمل في الاسم المذكور أي العاملين شئت فإن عملت الثاني يكون ذلك لقربه من المعمول، وإن عملت الأول فلسبقه له.
ثم أريد أن أزيدك علماً أن هذا الباب من أعقد أبواب النحو إذ أنه يقوم على التخريج الفلسفي العقلي.. أما العاملان في التنازع فيكونان من فعلين منصرفين نحو قولك أكل وخرج ـ محمد ـ أو من اسمين مشتقين نحو المؤمن مساعد وناصر أخاه. أو فعل منصرف واسم يشبه الفعل نحو قوله تعالى: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (الحاقة: 19) ولا يقع البتة بين حرفين أو بين حرف واسم..
سأل الشيخ فتاه هل طرأ عليه سؤال فيما مضى شرحه؟ قال الفتى شكراً لأستاذنا الشيخ. فليس عندي أي سؤال الآن، فقال الشيخ إذن نكتفي بهذا القدر من الشرح هذا المساء على أن نعود غداً ـ إن شاء الله إلى درس جديد أحسبه، أفعال المقاربة والرجاء والشروع. وهو من الدروس النحوية الشائقة التي تحتاج إلى تأمل وشفافية لإدراكها، ودع كل منهما صاحبه على أمل اللقاء المتجدد غداً إن شاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :669  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج