الحَلْقَةُ السَّادِسَةُ |
قال الشيخ لتلميذه الفتى: أراك استعجلت في الدرس السابق حيث سجلت فعل يهدي بدلاً من فعل يرعى حين سألتني عن كيفية إعراب المضارع المرفوع بالضم المقدر. |
قال الفتى وما الفرق بينهما أيها الشيخ؟ أليس كل منهما معتلاً؟ |
فرد الشيخ قائلاً: صحيح كل منهما معتل، ولكن فعل يرعى ويحظى ويهوى ويندى ويهنى.. يكون عدم ظهور الضم عليه لتعذر نطقه.. |
أما أفعال.. يهدي.. ينوي.. يلوي.. يرمي.. يهمي فعدم ظهور الضم عليها للاستثقال.. إذ يمكن ظهوره ولكن على ثقل.. فاحترس يا بني.. ولا تتعجل في الكتابة فيختلط عليك الأمر.. |
قال الفتى سمعاً وطاعة أيها الشيخ الجليل وأعدك صادقاً إن شاء الله بالتروي وترك الاعجال في التدوين ومعذرة لما بدر مني.. |
ثم جلس الشيخ أمام الفتى وقد ارتسمت علامات الرضى عليه سعادة بمستوى الفتى وحدة ذكائه.. قال الشيخ: هل تذكر يا بني أين وقفنا في درسنا السابق؟ رد الفتى طبعاً طبعاً أذكر جيداً أيها الشيخ الفاضل.. لقد انتهينا من دخول (أنْ) على الفعل المضارع، فرد الشيخ: نعم.. وسنذكر باقي الأدوات الناصبة اليوم إن شاء الله تعالى.. وهي.. |
لن.. ومعناه النفي والاستقبالية.. نحو قولك لن يفلحَ الظالمون.. فـ ((يفلح)) ـ مضارع منصوب بلن.. وكذلك قولنا لن يرميَ عليٌّ القوس.. ففعل ((يرمي)) رغم اعتلاله إلا أن الفتحة ظهرت عليه لشفافيتها على السمع وطلاقة نطقها على اللسان ـ إذنْ ـ ويكون جزاءً لقول يقع قبله فينصب المضارع ولكن لا بد من توافر أشراط ثلاثة.. |
أ ـ أن يكون في صدر الكلام. |
ب ـ أن يأتي الفعل بعده مستقبلاً. |
جـ ـ أن يلتصق به الفعل مباشرة ويجوز الفصل بالقسم والنداء فقط. |
قال الفتى: مثل ماذا أيها الشيخ؟ |
قال الشيخ: مثل قولنا لمن يقول سأعمل الخير وأدعو إليه ـ إذن تفوزَ برضى الله فتفوز مضارع منصوب بعد إذن المتوافرة الشروط.. وأما في حالة الفصل بالقسم أو النداء فيمكنك القول.. إذن والله تفوزَ أو إذن يا عليُّ تفوزَ. |
كي ـ حرف تعليل ومصدرية نحو تجنب الدخان كي يصحَّ جسمك فيصحَّ مضارع منصوب بـ ((كي)) ويمكننا تأويله وما دخل عليه بمصدر صريح.. مجرور نقلاً عن المصدر المؤول. |
رفع الفتى إصبعه مستأذناً بالسؤال.. أهذا كل ما ينصب الفعل المضارع أيها الشيخ؟ |
رد الشيخ: على رسلك يا بني.. فهناك مواضع ينصب فيها المضارع بأن مضمرة وجوباً وأخرى بأن مضمرة جوازاً.. وسنعرض لكل منها على حدة.. |
المواضع التي ينصب فيها المضارع بأن مضمرة وجوباً خمسة مواضع هي: |
1 ـ بعد لام الجَحْدِ ـ التي لا بد أن تسبق بكون منفي نحو.. ما كان محمد ليكذبَ وهو رسول الله. |
فأنت تلحظ المضارع يكذب منصوباً باللام التي دخلت عليه وتسمى لام الجحود أو الجحد.. وإذا أمعنت النظر في المثال تراه مسبوقاً بكون منفي وهو ـ ما كان المنفية. |
2 ـ حتى.. التي تحمل معنى الغاية ويشترط في الفعل بعدها المستقبلية نحو قوله تعالى كُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (البقرة: 187) فالمضارع ـ يتبين ـ في الآية الكريمة منصوب بأن مختفية اختفاء وجوب بعد حتى. |
قال الفتى: عفواً أستاذي الشيخ.. ألا يمكن ظهورها بعد حتى؟ |
قال الشيخ: لم يرد على لسان العرب الفصيح ذلك. فاختفاؤها واجب. خاصة من الناحية البلاغية لتركيبة العبارة. |
وعلى قلة قال بجواز ظهورها.. بعض المحدثين. |
3 ـ فاء السبَّب.. تلحق المضارع إذا سبق بنفي أو طلب..حتى يكون ما بعدها سبباً لما قبلها.. ولذلك نعتت بفاء السببية مثل لا تكذبْ فتصغرَ أمام الناس. |
4 ـ دخول واو المعية على المضارع بشرط أن تتصدر بنفي أو طلب هي الأخرى.. مثل.. لا تأمر ـ بالمعروف وتعرضَ عنه ـ فهذه الواو.. تسمى واو المعية تدخل على المضارع وتنصبه بتقدير ـ أن ـ مضمرة اضماراً وجوبياً بعدها. |
5 ـ أو ـ تدخل على المضارع وتنصبه بأن مضمرة وجوباً.. وتكون أو.. بمعنى إلى.. أو إلاَّ ـ نحو.. لاستسهلن الصعب أو أدركَ المنى.. أي إلى أن أدرك المنى. أو إِلا أن أدرك المنى. |
وكذلك قولنا لأجزلنَّ لك العطاء أو تقولَ لي كفى كفى.. أي إلى أن تقول لي كفى كفى. |
وبهذا نكون قد انتهينا من باب نصب المضارع بأن مضمرة وجوباً.. فهل لك أيها الفتى من سؤال في هذا الدرس؟ |
رد الفتى قائلاً: يبدو أن شرح شيخنا لم يترك لي أي سؤال.. أدام الله عليك نعمة الصحة والعافية أيها الشيخ المبجل.. وانطلق كل منهما إلى داره.. على أمل اللقاء في اليوم التالي إن شاء الله. |
|