الحَلْقَةُ الرَّابِعَةُ |
قال الفتى لأستاذه الشيخ.. لقد وقفنا في درسنا أمس على فعل الأمر حين يبنى بحذف النون.. في المثنى والجمع للمذكر.. وياء المخاطبة.. |
فرد الشيخ أذكر ذلك.. وعلينا إتمام باب فعل الأمر. فهناك قاعدة صرفية يمكن الاستفادة منها إذا كان الفعل مبدوءاً بحرف الواو وهو ما يسميه الصرفيون بفاء الكلمة.. فإنها تحذف في فعل الأمر ـ نحو.. جِدْ في وجد ـ عِدْ في وعد.. زِنْ في وزن ـ وهنا رفع الفتى سبابته اليمنى مستعجلاً بسؤال طاريء لا يتحمل التأخير.. طالباً من أستاذه الشيخ أن يسمح له بالإجابة عنه. فقال الشيخ قل ما طرأ لك من سؤال!! |
قال الفتى: إذا كان الفعل مبدوءاً بحرف الواو ومختوماً بحرف من حروف العلّة كيف نصيغ منه فعل الأمر؟! |
ربت الشيخ على كتف الفتى استحساناً لسؤاله وقال.. إذا كان الفعل كما تذكر فإن حرفي العلَّة فيه يحذفان.. ويبقى الفعل على حرف واحد فقط.. |
قال الفتى حرف واحد فقط يؤدي وظيفة الفعل ويقوم مقامه؟ |
قال الشيخ بل والفاعل أيضاً. |
فتصور أن هذا الحرف الذي لا يثير اهتمامك يقوم بوظيفتي الفعل والفاعل.. لأنك لو راجعت كراستك لوجدت فيها أننا ذكرنا أن فاعل فعل الأمر لا يجيء إلا مستتراً في الفعل. |
وبالتالي ظهوره غير وارد.. |
فنقول مثلاً في وَعَى.. ع.. وفي وَنَى.. نِ ـ وفي وَقَى.. قِ وفي وجَى.. جِ.. فانكب الفتى يسجل هذه الأفعال.. ويدون عليها ملاحظاته. |
ولكن الشيخ لم يكتف بهذا القدر من الشرح في فعل الأمر بل استطرد قائلاً هل تدرك أيها الفتى أن كثيراً من الكتَّاب والمثقفين يحتاسون في صياغة فعل الأمر من الأفعال الثلاثية والرباعية؟ من حيث حركات حروفه؟ |
قال الفتى نعم أدرك ذلك.. وقد اطلعت على كثير من هذا الخطأ ولكن لا توجد لدي قاعدة أستطيع إتباعها واستنتاجها والسير على هداها.. |
قال الشيخ هذا ما أردت أن أضيفه إليك لتكون على علم وخبرة في صياغة فعل الأمر من كل الأفعال.. فهناك قاعدة صرفية.. تقوم بضبط حروف الفعل وحركاته في فعل الأمر.. يمكن إيجازها لك في الآتي.. رد الفتى وقد حضره سؤال مفاجئ قلت أيها الشيخ الجليل قاعدة ((صرفية)) ولم تقل ((نحوية)).. قال الشيخ نعم قلت صرفية ولم أقل نحوية وأنا أعي وأعني ما أقوله. |
قال الفتى لأستاذه الشيخ فضلاً أريد الوقوف على أهم الفوارق التي يمتاز بها كل علم عن الآخر.. فاعتدل الشيخ في جلسته وأخذ يمعن النظر مطرقاً برأسه ثم قال: |
علمُ الصرف وعلمُ النحو كما تعلم أيها الفتى يتناولان حروف اللفظة العربية وحركاتها.. وأهم ما يفرق بينهما.. أن الأول وأعني به علم الصرف يهتم بحروف اللفظة ما عدا الحرف الأخير منها أما الآخر وهو علم النحو فلا يهتم بحروف اللفظة سوى الحرف الأخير منها.. من حيث الحركة أو البناء. |
قال الفتى لأستاذه الشيخ أطال الله لنا في عمرك وزادك علماً أيها الشيخ الجليل ونفعنا به. |
ثم أخذ الشيخ يقول.. إن ضبط حركة أول حرف من فعل الأمر يسبب حرجاً كبيراً لفئة كثيرة من المطلعين والمثقفين.. يمكن لنا إيجازها في الآتي: |
أ ـ إذا كان الفعل ثلاثيًّا.. فينظر إلى الحرف الذي يلي حرف مضارعه فإن كان ساكناً وما بعده مضموماً نحو خَرَجَ.. يَخْرُجُ.. فالخاء هنا جاءت بعد حرف المضارعة وهو الياء. وهي ساكنة وما بعدها مضموم وهو حرف الراء في الفعل فيصاغ أمره بهمزة موصولة مضمومة لا غير فتقول اُخْرُجْ.. في خرج.. اُنْصُر.. في نَصَرَ.. اُنْثُر.. في نَثَرَ. |
ب ـ وإن جاء الفعل ثلاثيًّا حركة حرف ما بعد حرف مضارعه ساكنة وما بعدها مفتوح أو مكسور تكون حركة همزته موصولة مكسورة لا غير.. نحو.. اضْربْ.. في ضرَبَ.. اعْلَمْ.. في عَلَمَ. |
ج ـ أما الفعل الرباعي فليس له إلا وجه واحد في أمره بحيث تكون همزته مقطوعة مفتوحة.. نحو.. أطمئنْ في طمأن. وأخرجْ في اخرج.. وأكرْم في اكرم.. وأشهدْ في أشهد.. ثم أخذ الشيخ يصلح من عمامته استعداداً للقيام.. فقد اجهد نفسه كثيراً هذا المساء ولكن الفتى لم يمهله يتحفز للقيام دون أن يلقي عليه سؤاله الأخير.. قائلاً.. |
أعلم يا شيخنا أنني أتعبتك كثيراً بأسئلتي فأرجو ألا تكون مضايقة لك؟! |
قال الشيخ قل ما عندك وخلصني يا بني.. قال الفتى: إذا كان الفعل أكثر من أربعة حروف كيف نصيغ منه فعل الأمر؟! |
قال الشيخ قلت لك سابقاً إنك شبيت عن الطوق.. وإن أسئلتك كثيرة ومهمة أيضاً.. |
فقط لا أريد أن تعرف أن عدم ذكري للفعل الخماسي أو السداسي أو السباعي إهمال مني أو نسيان لأن ذلك يعامل معاملة الرباعي في أمره بهمزة مفتوحة مقطوعة.. والسلام. |
|