ملاحظات عامة على علم العروض |
1 ـ يقول الخليل بن أحمد في بحر المديد إِنه ثماني تفعيلات.. أربع في صدره.. وأربع في عجزه، إلا أنه لا يستعمل إلا مجزوءاً بحذف التفعيلة الأخيرة من صدره ومن عجزه وهنا نسأل شيخنا هل وجد أثراً من الشعر لشاعر ما في زمن ما على ثماني تفعيلات كما تصورها.. |
أعتقد لا أحد يستطيع أن يؤكد ذلك وأغلب الظن أنه توهم أو ربما إفراط في التصور من شيخنا القدير.. وعليه لا أرى حرجاً أن تكون الست تفعيلات هي النمط التام للبحر.. إذ ليس لدينا ما يوجب أن يكون تمام البحر من ثماني تفعيلات. |
2 ـ كما يرى في بحر المجتث أنه لا يأتي إلا مجزوءاً على أربع تفعيلات.. اثنتان في صدره.. واثنتان في عجزه.. |
وذات السؤال نطرح.. هل أربع تفعيلات لا تكفي لمجيء البحر تاماً؟ |
وكذلك ما قاله عن الهزج.. فتصور الخليل أن مجيئه على أربع تفعيلات مجزوءاً.. وليكون تاماً لا بد أن يأتي على ست تفعيلات وما دمنا لا نملك نصاً شعرياً قديماً أو حديثاً على ست تفعيلات.. فلماذا نتصور هذا البعد الذي لا يضيف إلى الموضوع إلا لعبكة وتصوراً غير مقبولين؟ ولكنها الحيطة من العلامة الفذ رحمه الله خاصة أنه أول من تكلم في هذا العلم وأبدع. |
وذات التصور يتكرر في قول شيخنا رحمه الله في بحر المضارع.. إذ يتصور مجيء البحر على ست تفعيلات بإضافة ((مَفَاْعِيْلُنْ)) على كل من صدره وعجزه لتصبح تفعيلات البيت ست تفعيلات.. وهذا تصور ليس له ما يدعمه من نص شعري لأي شاعر.. ومثله ما رآه الخليل في بحر المقتضب الذي لا يراه إلا مجزوءاً.. وهكذا تتوالى جملة تصوراتٍ (ولا أقول أخطاء) فإنني أربأ بشيخنا العالم الفذ صاحب الثقافة الواسعة من أن يتورط في مثل هذا الخلط.. ولكنه الاحتراس والحيطة وبعد النَّظر. |
وزيادة في الاحتياط وبُعد للتصور خوفاً منه على أن تكون هناك نصوص على التفعيلات الزائدة التي تصورها. |
ولا يفوتني أن أستعرض بعض الملاحظات التي قامت على هذا العلم من قبل مفكرينا اللغويين والمثقفين في مختلف العصور.. وأحسب أن المحاولة الأولى أو الملاحظة الأولى على هذا العلم كانت للإمام اللغوي الجوهري صاحب الصحاح الذي أنكر على الخليل مجيء (مستفعلن).. (مستفع لن) (فاعلاتن).. (فاع لاتن) لأن كلاً منهما يؤدي ذات الإيقاع الصوتي المطلوب.. فلا مبرر لمجيء كل منهما مرتين كما ذكر الخليل وأكثر من هذا دعا الجوهري إلى تقليص البحور إلى اثني عشر بحراً.. بدلاً من ستة عشر بحراً.. فقسمها إلى قسمين.. مركب ومفرد.. |
ففي المركب الطويل لأنه مركب من المتقارب.. والهزج.. والمضارع.. لأنه مركب من الهزج والرمل: الخفيف لأنه مركب من الرمل والرجز. |
والبسيط مركب من الرجز والمتدارك والرمل. |
كما أن هناك بحوراً مفردة هي.. الرجز.. الرمل.. المتدارك.. الوافر.. الكامل.. الهزج.. المتقارب. |
ومن خلال ما قاله الجوهري نجد أن الرجل لم يخرج عن دائرة الخليل رغم أنه اعتبر تفعيلتي (مستفعلن).. و (مستفع لن) تفعيلة واحدة. و (فاعلاتن).. و (فاع لاتن) تفعيلة واحدة. |
إلا أننا يمكن أن نعتبرها جرأة مهدت لغيره في طرح الكثير من الأماني بعده والتصورات الجديدة.. وتمضي الملاحظات حول هذا العلم بصورة تدعو مرةً إلى الإضافة ومرة إلى الحذف ومرات إلى إعادة النظر في علم الخليل ومن خلال قراءتي المتواضعة فكل ما جاء في دعواهم وانتقاداتهم لا يخرج عن ما قاله الخليل بن أحمد رمزاً وتقسيماً.. |
أما ملاحظاتهم فمعظمها سطحية غير عاقلة ومتزنة ومن طريف ما قرأته كتاباً لدكتور حديث من بلد عربي يدعو إلى تغيير علم العروض وإبداله بالنظام العددي الثنائي.. وقد أرهق نفسه في تأليف كتاب.. تتبعته كلمة. كلمة.. وسرعان ما وجدت صاحبه يتخبط في أفكاره وطريقته فيعود إلى الاستعانة بالتفعيلة أحياناً.. وأحياناً بالرموز الخليلية. |
ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه لا توجد ملاحظات قيمة نافعة على هذا العلم. |
فمن أجمل الملاحظات التي أطلعت عليها رأي ناضج للدكتور/إبراهيم أنيس.. في كتابه ((موسيقى الشعر)).. إذ يدعو إلى تقليص التفعيلات الأساسية إلى ست تفعيلات كما ينادي بإلغاء بحر المضارع والمقتضب والمجتث لأنها بحور لم يقل فيها شاعر عربي في يوم ما قصيدة شعرية كاملة بل ذهب الدكتور قائلاً إن النصوص التي جاء بها العروضيون كما هي من تأليفهم لأنها تفتقر إلى نبض الشاعر وبوحه وإحساسه فهي لا تعدو عن كونها قولاً مرصوصاً يترجم تفعيلات تلك البحور. |
ثم تناول مشكلة خفاء الإيقاع الصوتي للرموز فقال في ما معناه أحسب أن الرموز الخليلية لا تؤدي الصوت المطلوب لها حركة وإيقاعاً وصدىً وتحتاج إلى إعادة نظر واستجلاء. |
|